الاستجواب هو مناقشة المتهم مناقشة تفصيلية في مدي علاقته بالجريمة، ومواجهته بالأدلة القائمة ضده، ومطالبته بالرد عليها إثباتا أو نفية، وليس مجرد سؤاله عما لديه من معلومات عن الجريمة وكيفية وقوعها.
لذلك يقال إن الاستجواب ذو طبيعة مزدوجة، فهو من ناحية وسيلة دفاع لأنه يتيح الفرصة للمدعى عليه لينفي التهمة المنسوبة إليه وإثبات براعته إن كان بريئة، أو تخفیف مسؤوليته عن طريق توضيح ظروف اقتراف الجريمة إن كان مذنباً.
كما أنه من ناحية أخرى وسيلة تحقيق، فقاضي التحقيق عن طريق الاستجواب يمكن أن يحصل على دليل ينير له مجريات التهمة.
أي يسمح لقاضي التحقيق أن يجد في حيرة المدعى عليه وتردده في إجاباته، وعدم تماسك أقواله، وثبوت كذبها، عناصر الإثبات التهمة ضده.
فمناقشة المدعى عليه في أدلة الاتهام تسمح بتنوير المحقق، وقد يتمكن عن طريقها من الحصول على اعترافه، كما أنها تفسح في الوقت نفسه السبيل أمام المدعى عليه إذا كان بريئة لتفنيد الشبهات القائمة ضده فتجنبه رفع الدعوى ومغبة الوقوف موقف الاتهام.
لهذا يعد الاستجواب إجراء ضرورية في التحقيق الابتدائي، فإذا خلا منه كان تحقيق ناقصاً. وهذا النقص وإن كان لا يبطل التحقيق الابتدائي بسبب خلوه من الاستجواب ولكن يكون له أثره لدى محكمة الموضوع عند تقديرها للأدلة التي لم يواجه بها المدعى عليه.
لذلك يعد الاستجواب من الإجراءات الهامة في الدعوى العامة، لأنه يربط بين جميع وقائع الدعوى، ومن خلاله يمكن الوصول إلى الحقيقة.
أ- الفرق بين الاستجواب والمواجهة وسماع أقوال المتهم
لابد من التفريق بين استجواب المتهم، وسؤاله عن التهمة أو سماع أقواله، إذ أن الاستجواب هو إجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي يراد به مناقشة المتهم تفصيلية في الوقائع والأدلة القائمة على إسناد التهمة إليه، أما سؤال المتهم أو سماع أقواله، فهو من إجراءات التحقيق الأولي التي يجوز لموظف الضابطة العدلية اتخاذها، ويقصد به سؤال المتهم ومطالبته بالرد على الاتهام الموجه إليه.
كما أن هناك فرق بين الاستجواب وبين المواجهة التي هي إجراء يجابه فيه المتهم بمتهم أخر أو شاهد أخر أو أكثر، وبالأقوال التي أدلوا بها بشأن واقعة ما أو بشأن الظروف المتعلقة بهذه الواقعة، حتى يتمكن المتهم من تأييدها أو نفيها.
ومن خلال هذه المواجهة يمكن كشف مدى صدق أو كذب أقواله.
والمواجهة بهذا المعنى تأخذ حكم الاستجواب من حيث شروط صحتها.
فالاستجواب هو مواجهة المتهم بالأدلة القائمة ضده، أما المواجهة فتكون بين المتهم وبين دليل معين أو أكثر وشخص قائله سواء أكان متهم أخر أو كان شاهداً.
وهي لهذا السبب تأخذ حكم الاستجواب من حيث شروط سلامتها
ب – ضمانات الاستجواب
قرر المشرع، حتى يكون الاستجواب صحيحة، مجموعة من الضمانات للمدعى عليه عند إجراء استجوابه. وتتمثل هذه الضمانات فيما يلي:
1- إجراء الاستجواب من السلطة المختصة بالتحقيق
إن استجواب المتهم يتكون من عنصرين هما المناقشة التفصيلية للمتهم بما نسب إليه، ومواجهته بالأدلة القائمة ضده.
ولكي يكون الاستجواب صحيحة، فقد أعطى المشرع هذه المهمة لشخص يتمتع بالحياد ويكون محل ثقة، يعمل على إثبات براءة المدعى عليه مثلما يعمل على إثبات إدانته بشكل موضوعي بعيد عن المؤثرات الخارجية المتأتية عن السلطة التنفيذية.
وقد قصر المشرع إجراء الاستجواب على القاضي المحقق ذاته الذي يستطيع أن ينيب أحد موظفي الضابطة العدلية لأية معاملة تحقيقية عدا استجواب المدعى عليه.
أي ليس للقاضي المحقق أن ينيب أحد رجال الشرطة أو حتى أحد أعضاء النيابة العامة لاستجواب المتهم.
2- الاستعانة بمحام أثناء الاستجواب
حسب ما جاء في المادة (69) الفقرة (1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، عندما يمثل المدعى عليه أمام قاضي التحقيق، يتثبت القاضي من هويته ويطلعه على الأفعال المنسوبة إليه وعلى الأدلة القائمة ضده، بكل وضوح وموضوعية، ويطلب جوابه عنها منبها إياه إلى أن من حقه ألا يجيب عنها إلا بحضور محام، ويدون هذا التنبيه في محضر التحقيق.
فإذا رفض المدعى عليه إقامة محام أو لم يحضر المحامي خلال مدة أربع وعشرين ساعة، فيجري قاضي التحقيق، التحقيق بمعزل عنه.
وإذا تعذر على المدعى عليه في دعاوى الجناية إقامة محام وطلب إلى قاضي التحقيق أن يعين له محامياً، فيعهد أمر تعيينه إلى نقيب المحامين إذا وجد مجلس نقابة في مركزه والا تولى القاضي أمر تعيينه إن وجد في مركزه محام.
وسبب دعوة المحامي إلى حضور الاستجواب يكمن في ما يمثله حضور المحامي من تطمين للمتهم في الدفاع عن نفسه وجعل إجاباته عن الأسئلة الموجهة إليه تتسم بالصراحة والدقة وتعبر عن إرادته.
لذا يكون له حق الاعتراض على بعض الأسئلة التي توجه إلى المدعى عليه أو على كيفية توجيهها وأن يطلب تثبيت هذا الاعتراض في المحضر، كما يكون له أن يطلب توجيه أسئلة أخرى. وفي ذلك ما يسهل عملية الاستجواب للتوصل إلى الحقيقة ولا يسوغ لكل من المتداعين أن يستعين لدى قاضي التحقيق إلا بمحام واحد.
ولا يحق للمحامي الكلام أثناء التحقيق إلا بإذن المحقق.
واذا لم يأذن له بالكلام أشير إلى ذلك في المحضر، ويبقى له الحق في تقديم مذكرة بملاحظاته.
ويحق لقاضي التحقيق أن يقرر منع الاتصال بالمدعى عليه الموقوف مدة لا تتجاوز عشرة أيام قابلة للتجديد مرة واحدة.
لكن هذا المنع لا يشمل محامي المدعى عليه الذي يمكنه أن يتصل به في كل وقت وبمعزل عن أي رقيب .
والمدعى عليه حر في الإجابة عن ما يوجه إليه من أسئلة، حتى إذا اعتصم بالصمت فلا يملك قاضي التحقيق إلا أن يشير إلى ذلك في المحضر.
3- عدم جواز استعمال الإكراه إزاء المدعى عليه
يشترط في الاستجواب أن يكون حراً غير مقترن بأي إكراه أو وعد، وبعيداً عن أي تأثير من شأنه أن يعيب إرادة المدعى عليه ويفسد اعترافه.
والسبب هو تمكين القاضي من استخلاص رأيه بإرادة حرة غير خاضعة لأي وسيلة غير مشروعة من شأنها التأثير عليها، ولا خوف من أن يلجأ المدعى عليه من أجل تحقيق مصلحته الخاصة إلى الابتعاد عن الحقيقة طالما أنه يخضع في النهاية لقاضي التحقيق في مراجعة صحة أقواله وتقدير قيمتها ولا يمكن تحديد المدة التي يستغرقها الاستجواب بصورة مسبقة، فقد ينتهي بسرعة وقد يمتد ساعات، إلا أنه لا يجوز أن يؤدي إلى إرهاق المدعى عليه وتشتيت أفكاره، أي يبطل الاستجواب إذا تعمد القاضي إطالة مدته من أجل التوصل إلى إضعاف إرادة المدعى عليه والتأثير فيها.