أحكام الصورية
لا يمنع القانون إخفاء حقيقة المعاملات التي تتم بين الأفراد، ولكنه يمنع أن تتخذ الصورية وسيلة المخالفة أحكام القانون الآمرة، بإخفاء تصرفات تتعارض مع هذه الأحكام لأنها عندئذ تكون وسيلة الاحتيال حقيقي على القانون .
ولكن إذا كانت التصرفات المخفاة باطلة في هذه الحال، فهي لا تكون كذلك لأنها صورية، إنما تکون باطلة لأن هدفها هو مخالفة أحكام القانون .
والبطلان عندئذ لا يلحق التصرف الظاهر بل يلحق التصرف الحقيقي بعد الكشف عن صوريته وإثباتها .
فالصورية ليس بذاتها سبباً للبطلان والتصرف الصوري ليس تصرفاً باطلاً لمجرد كونه صورياً ولكن من ناحية أخرى فإن نفي بطلانه لا يعني أنه تصرف ينتج أثاره القانونية ما دامت هذه الآثار غير مقصودة في الحقيقة فالقواعد العامة تقتضي أن تكون العبرة بالعقد الحقيقي سواء من حيث الشرائط الموضوعية أو من حيث الآثار.
فإذا كانت الصورية مطلقة لم يوجد تصرف أصلاً لانعدام الإرادة الجدية وجوهر للتصرف القانوني هو اتجاه إرادة جدية إلى إحداث أثر قانوني، وإذا كانت الصورية نسبية فالعبرة من الناحية الموضوعية بالعقد الحقيقي هل استكمل شرائط الانعقاد والصحة أم لم يستكملها؟ .
فإذا كان قد انعقد صحيحاً وجب تطبيق أحكامه لا أحكام العقد الظاهر .
وعلى ذلك إذا أخفى المتعاقدان الهبة تحت ستار عقد بيع وجب أن تتوافر في الهبة أركانها وشرائط صحتها من الناحية الموضوعية سواء من حيث الرضاء أو المحل أو السبب .
فيجب أن يكون البائع الصوري أهلا للتبرع وأن يكون الباعث مشروعاً وإلا كانت الهبة باطلة، أما من حيث الشكل فالعبرة بالعقد الصوري، فقد اشترط التقنين المدني أن تكون الهبة بورقة رسمية ولا محل لهذا الركن الشكلي الانعقاده إذا تمت تحت ستار عقد أخر رضائي كالبيع . (م 456 مدني سوري) .
فإذا انعقدت الهبة صحيحة حسب ما تقدم . وجب تطبيق أحكامها لا أحكام عقد البيع من حيث جواز الرجوع فيها متى وجد عذر مقبول ولم يوجد مانع من الرجوع (م 46۸ مدني سوري).
وعليه فإذا كان العقد ليس إلا مظهراً صورياً لم يقصد جميع الأطراف به إنشاء رابطة حقيقية، ففي هذه الحالة لا يؤخذ بالإرادة الظاهرة، ولا يكون صحيحاً إلا العقد الذي أريد حقيقة من جميع الأطراف
ومن ناحية أخرى فإن التعبير الذي لم يقصد به إنتاج أثار قانونية لا يمكن أن يتمسك به أي شخص تصرف مع علمه بالصفة الحقيقية للإعلان.
إلا أن التصرف الصوري قد تتعلق به مصالح بعض الأشخاص من غير أطراف المعاملة التي تتم بتصرفات صورية، ويكون هؤلاء الأشخاص غير عالمين بصورية هذه التصرفات فيرتبون علاقاتهم على أساس أنها تصرفات حقيقية، وقد أخذ القانون مصالحهم في اعتباره، فجعل لهم التمسك بآثار هذه التصرفات الصورية، كما لو كانت تصرفات حقيقية، رعاية لحسن نيتهم، ومن هؤلاء الأشخاص دائنو أطراف المعاملات الصورية وخلفهم الخاص .
وفي ضوء هذين المبدأين تتحدد آثار صد ورية التصرفات القانونية، في علاقة أطراف المعاملات الصورية وبالنسبة لغيرهم .
المطلب الأول
آثار الصورية بين المتعاقدين
لا شك أنه فيما بين المتعاقدين العبرة بما انصرفت إليه إرادتهما الحقيقية فإذا كان التصرف بيعاً، فإنه لا ينقل الملكية إلى المتصرف إليه، كما أنه لا يحول دون الطعن في العقد بأنه يخفي وصية . ولو كان بيعاً صورياً، ظل البائع في مواجهة المشتري مالكاً وحق له أن يبيع ما يملكه بيعا حقيقياً تنتقل به الملكية إلى المشتري الحقيقي .
وهذه الأحكام هي التي تسري بالنسبة للخلف العام لكل من طرفي المعاملة الصورية، أي بالنسبة الورثة كل من البائع و المشتري في المثال السابق .
والحيل في الفقه الإسلامي ما هي إلا عقود صورية وهي تعد قائمة ما دامت لم تصحب بعقود تظهر حقيقة الإرادة، والتي تظل في الغالب طي الخفاء، كما أنه لا تقبل الصورية في النكاح والطلاق والعتاق، فالعقد الظاهر يقيد هنا المتعاقدين رغم صوريته.
وقد تكون المواضعة في شخص المتعاقد وهي قضية الاسم المستعار، وهو الشخص المسخر الذي يتعاقد باسمه ولمصلحته الشخصية في الظاهر ولمصلحة غيره في الباطن ، ثم يعلن أن كل عقوده وأملاكه أو بعضها هي في الواقع لذلك الغير وأن اسمه فيها مستعار .
فالمواضعة هنا إنما هي بين العامل باسمه ظاهرة، ومن يعمل لمصلحته باطناً، فهي من قبيل الوكالة السرية يتواطأ الطرفان على إخفائها ، وظهور الوكيل بمظهر الأصيل .
فعندئذ يحل الشخص الحقيقي محل الشخص الصوري بحيث تكون ثمرات العقود والاكتسابات للمستعار له، ضمن حدود وقيود شرعية وقانونية، لصيانة حقوق الغير خوفاً من أن يتخذ إعلان عارية الاسم وسيلة لتهريب المال من بين يدي من تعلق به حقهم .
كما لو أقر بذلك المدين المفلس . والمسخر يستطيع أن ينقل فائدة العقد لمن هو في مصلحته بالفعل ولكن تقريره للحقيقة لن يكون له أثر بالنسبة للمتعاقد الأخر .
المطلب الثاني
آثار الصورية بالنسبة للغير
يقصد بالغير في نطاق الصورية، كل من لم يكن طرفا في العقد أو خلفاً عاماً لأحد طرفيه . ويشمل هذا طائفتين ذكرتهما المادة ۲45 مدني سوري هما الدائنون والخلف الخاص لكل من المتعاقدين . وهو من يخلف سلفه في ملكية شيء معين أو حق عيني أخر، مثل المشتري والموهوب له وال دائن المرتهن .
ولكن طائفة الغير لا تقتصر عليهما، فالمدين و هو ليس خلفاً خاصاً لدائنه يعد من الغير إذا حول الدائن حقه حوالة صورية .
كما لايشترط أن تكون هناك رابطة عقدية بين أحد طرفي التصرف الصوري وبين الغير وهذا هو رأي محكمة النقض المصرية وخالفها في ذلك الأستاذ السنهوري حيث يرى أنه لا يعد غيراً في إطار الصورية من كسب حقه على العين محل التصرف الصوري بموجب هذا التصرف الصوري نفسه ومن ثم لا يعد الشفيع من الغير بالنسبة للبيع الصوري المشفوع فيه إذ إن الشفعة وهي مصدر حقه – واقعة مركبة يدخل في تركيبها البيع الصوري ذاته،
وكذلك المدين بالنسبة لحوالة الدين المتنازع فيه صورية، والمنتفع في الاشتراط الصوري لمصلحة الغير. على اعتبار أن الخلف الخاص هو من يتلقى حقه من سلفه بسبب يغاير التصرف الصوري الصد مادر من السلف ، والغير يستطيع أن يتمسك بالعقد الحقيقي المستور إذا كانت له مصلحة في ذلك، فدائن البائع الصوري يستطيع أن يتمسك بالعقد الحقيقي ويطعن بصورية عقد البيع لكي يثبت أن المبيع ما زال في ملك مدينه، ومن ثم يستطيع أن ينفذ عليه .
وإذا كان التصرف هبة في صورة بيع، استطاع أن يثبت أن التصرف في حقيقته هبة ليمكنه الطعن فيه بالدعوى البوليصية، دون حاجة إلى إثبات التواطؤ والغش.
على أنه ينبغي أن تتوافر مصلحة للدائن في الطعن بالصورية، فمن اللازم أن يكون التصرف الصوري مؤدياً إلى التأثير في الضمان العام للدائن أو في حقه من تصرف أخر ليتاح له الطعن بصوريته.
كذلك يجوز للغير إذا كان حسن النية وفقا للمادة ۲45 مدني سوري أن يتمسك بالتصرف الصوري إذا كانت مصلحته في ذلك ، و معنى حسن النية أن لا يعلم وقت تعامله مع أحد أطراف العقد الصوري أنه عقد صوري، كأن يكون المشتري الثاني حسن النية وقت البيع ، لأن حسن النية هو الذي يبرر حماية استقرار المعاملات حتى لا يفاجأ بآثار التصرف الحقيقي .
والأصل هو حسن نية الغير الذي يتمسك بالعقد الصوري، و على من يدعي سوء النية إثباتها. وإذا تم شهر العقد المستور فلا يقبل من الغير أن يحتج بالجهل به بعد ذلك إذ إنه بشهره لم يعد مستوراً ما لم يكن قد تعامل على أساس التصرف الظاهر قبل تسجيل العقد الحقيقي، إذ العبرة في حسن النية بالوقت الذي يبني فيه الغير تعامله على أساس العقد الظاهر، فيشترط أن يكون المشتري الثاني حسن النية وقت البيع .
على أنه في حين أن تمسك الغير بالتصرف الحقيقي لايشترط له أية شروط، إنما إذا تعارضت مصالح ذوي الشأن من الغير فتمسك بعضهم بالعقد الصوري وتمسك أخرون بالعقد المستور كانت الأفضلية لمن تمسك بالعقد الصوري ( ۲45 مدني سوري ) .
فإذا كنا بصدد بيع صوري وتمسك دائنو البائع بالعقد الحقيقي، لكي يبقى المبيع في ملكه مدينهم وتمسك دائنو المشتري بالعقد الظاهر ليمكنهم التنفيذ على المبيع، فإن التقنين يفضل من يتمسك بالعقد الظاهر وهم دائنو المشتري .