إن ما يقبل السقوط من الحقوق إذا سقط منه شيء بمسقط فإنه لا يعود بعد سقوطه، أما الحقوق غير القابلة للسقوط فإنها لا تسقط ولا استثناء من هذه القاعدة في إعادة الساقط لكن إعادته قد تكون لعدم دخوله في القاعدة أصلاً .
يقول الشيخ محمد الزرقا الله :
لم أرى من ذكر ضابطاً جامعاً لما يسقط من الحقوق بإسقاط صاحبه له وما لا يسقط، وبعد إعمال الفكر وإجالة النظر في الفروع ظهر لي من خلالها ضابط يغلب على الظن صدقه وصحته وهو: كل ما كان حقاً صاحبه عامل فيه، وكان قائماً حين الإسقاط، خالصاً للمسقط أو غالباً، ولم يترتب على إسقاطه تغيير وضع شرعي، وليس متعلقاً بتملك عين على وجه متأكد يسقط بالإسقاط وما لا فلا .
ومن هذا الضابط، يتضح أن الحق الذي يسقط بالإسقاط لا بد فيه من توفر الشروط التالية :
1 – أن يكون حقاً من الحقوق :
سواء كان حقاً مجرداً وهو الذي أثبته الشرع لدفع الضرر عن صاحبه، كحق الزوجة من بين ضرائرها، وحق الخيار للمتزوجة قبل البلوغ… أو كان حقاً ثابتاً بالأصالة لصاحبه لا على وجه الضرر وإنما لدفع حرج، كحقوق الارتفاق والقصاص من القاتل… فهذه الحقوق تسقط بالإسقاط.
أما ما كان غير ذلك فلا، فلو أسقط الوارث حقه في الإرث أو أسقط المستحق حقه في الوقف من بعد حصول الغلة في يد المتولي فلا يسقط. وخرج من التعريف ملكية الأعيان.
٢ ـ أن يكون الحق صاحبه عامل فيه :
فخرج بهذا الشرط نحو حق النظر على الوقف والوظيفة فيه، وتصرف الوكيل فيما وكل به، فإن أصحاب هذه الحقوق عاملون لغيرهم.
3 – أن يكون الحق قائماً .
حين الإسقاط ، فلا يصح الإبراء من دين قبل نشوئه مثلاً؛ لأن الإسقاط لا يكون إلا عن أمر متوجب فعلاً. فخرج به الاستحقاق في الوقف قبل بدو الغلة فلا يسقط، لأن الحق المستحق يتعلق بالغلة عند ظهورها لا قبله، وخرج به أيضاً حق الزوجة في القسم، وحق الحاضنة في الحضانة، فلا يسقطان لأنهما يتجددان آناً فآن .
4ـ ألا يكون الحق متعلقاً بتملك عين على وجه متأكد
لأن ملكية الأعيان لا تقبل الإسقاط. فخرج به حق الموصى له بالمنفعة حيث إن المنفعة الموصى له بها تحدث شيئاً فشيئاً فيسقط بالإسقاط؛ لأن هذه المنفعة الحادثة تعتبر على ملك الورثة لا على ملك الموصي .
5 ـ أن يكون الحق المراد إسقاطه خالصاً لصاحبه أو غالباً له
لأن الإسقاط في مضمونه إقرار والإقرار لا يسقط به حق غير المقر. فخرج به حق تحلیف الخصم اليمين لأن التحليف حق خالص للحاكم وليس للمسقط لها. وكذا حق الفسخ في العقود الفاسدة، فإن حق الله غالب فيها دفعاً للفساد في الأرض وإن تعلقت بها حقوق المتعاقدين .
٦ ـ أن لا يترتب على إسقاط الحق تغيير وضع شرعي
بحيث تكون نتيجة الإسقاط غير مشروعة، فإن أسقط الوكيل بالبيع حقه في المطالبة بالثمن فلا يسقط لكون الشرع جعل حقوق العقد عائدة أصالة للعاقد وإن لم يكن مالكاً، وذلك في عقود المعاوضات المالية خاصة.
من فروع هذه القاعدة :
أن الصلح الذي يجري بين طرفين يتضمن إسقاط بعض الحقوق فليس للطرفين حق الفسخ فيه لآثار الحقوق التي أُسقطت والعائدة لهما .
ومنها: لو أبرأ الدائن مديونه من الدين الذي عليه سقط الدين ولا تسمع الدعوى به لو أقر المديون به بعد الإبراء. وهذا بخلاف الإقرار بالعين بعد أن أبرأه خصمه إبراء عاماً، فإن الإقرار صحيح فيؤمر المقر بدفعها إلى المقر له لإمكان تجدد الملك فيها بخلاف الدين لكونه وصفاً قد سقط فلا يعود بالإقرار .
ومنها : لو رُدَّت شهادة الشاهد لعلة غير العمى والصغر والكفر والرق، ثم زالت العلة فأعادها لا تسمع.
ومنها : إن الموصى له بالمنفعة إذا أسقط حقه فيها سقط .
ومنها : حق الموقوف عليه في غلة الوقف، فلو أسقطه وتركه مدة دون مدة التقادم فله أن . يعود إلى طلبه لأنه لم يسقط.
ومنها : حق وصي اليتيم في التصرف بأمواله لا يسقط بإسقاطه لأنه لا يعمل لنفسه.
ومنها: لو أسقط الوصي شفعة الصغير تسقط عند الشيخين لأنها لا تعود بعد الإسقاط، وعند محمد لا تسقط لأنه عامل لغيره.
ومنها: الورثة إذا أجازوا الزائد من الوصية على الثلث سقط حقهم بالزائد. . بالإجمال فإن ملكية الديون تقبل الإسقاط وملكية الأعيان لا تقبله.