منع الشريك الموصي من التدخل في الإدارة
أولاً – المبدأ ومبرراته:
نصت الفقرة الأولى من المادة 46 شركات على أنه:
“لا يحق للشريك الموصي التدخل في إدارة أعمال الشركة تجاه الغير وليس له سلطة تمثيلها ولو كان ذلك بناء على توكيل…..
يستفاد من هذا النص أن الشريك الموصي لا دخل له في إدارة الشركة. فلا يجوز أن يقوم بعمل من أعمال الإدارة، أو أن يكون مديرا للشركة، وإنما يجب أن تكون الإدارة لأحد الشركاء المتضامنين أو لشخص أجنبي عن الشركة.
وعليه لا يجوز للشريك الموصي أن يشتري نيابة عن الشركة أو أن يعبر عن إرادتها حتى ولو وافق جميع الشركاء المتضامنين والموصين.
ولا يقتصر هذا الحظر على إبرام العقود وإنما يشمل أيضا الأعمال الممهدة لعقدها كالتفاوض عن الشركة من أجل تصرف قانوني ما. كما ليس للشريك الموصي إلزام الشركة حيال الغير بعمله غير المشروع لانتفاء نیابته عنها أو تبعيته لها.
ويقوم حظر تدخل الشريك الموصي في إدارة أعمال الشركة على اعتبار مزدوج:
الأول وجوب حماية الغير، والثاني هو وجوب حماية الشركاء المتضامنين.
فحماية الغير، كما هو الحال في قاعدة منع ذكر اسم الموصي في عنوان الشركة، تقضي أن مسؤولية الشريك الموصي عن ديون الشركة محدودة بالحصة المالية التي يقدمها للشركة، وقد يوحي تدخله في أعمال الإدارة للغير أنه شريك متضامن مسؤول مسؤولية غير محدودة عن ديون الشركة فيوليها ائتمانة كبيرة اعتمادا على أمواله، ثم يتبين بعد ذلك أنه شريك موص لا يسأل إلا في حدود حصته. لذلك حظر المشرع على الموصي التدخل في أعمال إدارة الشركة ليدفع هذا الخطأ الذي قد يقع فيه الغير.
وقد يعترض على هذا التبرير أن في مقدور الغير الاطلاع على عقد الشركة المشهر في سجل التجارة ليعلم أن الشريك الذي يتعامل معه إنما هو شريك موص غير مسؤول إلا في حدود حصته، ومن ثم يمتنع عليه الاحتجاج بإهماله أو تقصيره أو أنه يكفي أن يصرح الشريك الموصي في حال تصرفه عن الشركة عن صفته.
ويرد على ذلك أن الحياة التجارية تقوم على السرعة مما لا يتيسر معه عملياً الرجوع إلى ملخص عقد الشركة المشهر للتحري عن صفة الشريك الذي يتعامل معه الغير.
كما أن مبرر المنع ليس مرده هذا السبب لوحده وإنما لسبب آخر سنبينه، يتعلق بحماية الشركاء ومنعا للاحتيال على القانون. .
أما بالنسبة لحماية الشركاء المتضامنين، فإن مسؤولية الشريك الموصي المحدودة قد دفعه إلى عدم اتخاذ الحيطة وبذلك العناية اللازمة إذا ما سمح له بتولي إدارة الشركة، ومن شأن ذلك الإضرار بالشركاء المتضامنين الذين يسألون عن ديون الشركة في جميع أموالهم.
فلا يقبل أن يتحمل الشركاء المتضامنون مخاطر أخطاء الشريك الموصي الذي لا يحسن أعمال الإدارة بسبب اطمئنانه إلى مسؤوليته المحدودة عن ديون الشركة والتزاماتها.
ولا يجوز الاعتراض على ذلك بأن الشركاء المتضامنين قد أساءوا اختيار شركائهم الموصين الذين خالفوا حظر التدخل في الإدارة، مما عرضهم للمسؤولية تجاه دائني الشركة.
ولا شأن لحسن اختيار الشريك الموصي بتدخله في إدارة الشركة، وليس هناك ثمة ما يمنع تدخل المشرع بحماية الشركاء المتضامنين من سواء اختيارهم لشركائهم الموصين في شركة التوصية، وعليه فرض المشرع هذا الحظر
ثانياً – نطاق المنع من التدخل في الإدارة:
لما كان منع الشريك الموصي التدخل في إدارة أعمال الشركة، وفقا للرأي الراجح، مقصوداً به حماية الغير الذي يتعامل مع الشركة، فمن الطبيعي أن يقتصر نطاقه على أعمال الإدارة الخارجية المتصلة بصلة الشركة بالغير، وعليه يجب التمييز بين فئتين من أعمال الإدارة.
ما يعرف بأعمال الإدارة الخارجية وما يعرف بأعمال الإدارة الداخلية.
1- أعمال الإدارة الخارجية:
وهي تلك الأعمال المتعلقة بعلاقة الشركة بالغير، كأن يعمل الشريك الموصي مديراً للشركة أو أحد فروعها، أو أن يبيع ويشتري، يؤجر ويستأجر باسم الشركة ولحسابها.
أو أي عمل يفضي إلى دخول الشركة في علاقة قانونية مع الغير، تجعلها دائنة أو مدينة للغير.
ويعود تقدير عمل ما من قبيل أعمال الإدارة الخارجية إلى قاضي الموضوع بما له من سلطة تقديرية دون معقب على قضائها من محكمة النقض، لأن ذلك يتعلق بمسألة من مسائل الواقع.
2- أعمال الإدارة الداخلية:
وهي تلك الأعمال التي تتم داخل الشركة دون أن يكون للغير شأن بها.
ذلك أنه يجوز للشريك الموصي إتيانها، لأن قيامه بها لا يؤدي على إيقاع الغير في غلط ما. وعليه يحق للشريك الموصي أن يشترك في أعمال مجلس الشركاء ولا تعد هذه المشاركة مساهمة منه في إدارة الشركة أو تدخلا فيها أو أعمالها.
كما يحق للشريك الموصي أن يطلع على دفاتر الشركة وحساباتها والسجلات الخاصة بالقرارات المتخذة في سياق إدارتها وأن يتداول مع الشركاء المتضامنين أو مع مديري الشركة بشأنها (مادة
2/46و3 شركات).
ولا يجوز حرمان الشريك الموصي من المشاركة في تلك الأعمال، سواء في عقد تأسيس الشركة أو بموجب قرار لاحق.
ذلك أن من شأن حرمانه من المساهمة في إدارة الشركة، وفقا لما أشرنا إليه أعلاه، القضاء على نية المشاركة التي تعد ركن من أركان عقد الشركة.
كما أن منع تدخل الشريك الموصي في أعمال الإدارة لا يمنع من إمكانية تعامله مع الشركة بالبيع والشراء أو بغيرها من التصرفات القانونية.
ذلك أن منع الشريك الموصي يقتصر على تمثيل الشركة والتعبير عن إرادتها، وبالتالي لا ينشأ العارض بين مصلحة الشركة كشخص اعتباري ومصلحة الشريك الموصي الشخصية.
ولابد من الإشارة إلى أن مبدأ منع تدخل الشريك الموصي في أعمال الإدارة لا يحول دون قيامه بأي عمل داخل الشركة، أو تولي منصب فيها، كأن يعمل محاسبة أو مهندسة أو محامية في الشركة.
طالما أنه لا يمثل الشركة تجاه الغير، ولا يحدث ذلك لبسا في صفته ما دام يظهر كعامل لا كنائب قانوني عن الشركة.
ثالثاً – جزاء مخالفة المنع من التدخل في الإدارة:
1- مضمونه:
تكفل المشرع بتقرير الجزاء على مخالفة مبدأ منع الشريك الموصي من التدخل في إدارة أعمال الشركة تجاه الغير أو تمثيلها بناء على توكيل، فنص في نفس الفقرة الأولى من المادة 46 من قانون الشركات على أنه إذا خالف الشريك الموصي هذا المنع عد “مسؤولاً عن ديون الشركة والتزاماتها التي تحملتها الشركة بسبب تدخله أو مساهمته في إدارتها مسؤولية الشريك المتضامن”.
وعليه، فقد قصر المشرع مسؤولية الشريك الموصي التضامنية على الديون والالتزامات التي تحملتها الشركة بسبب تدخله أو مساهمته في إدارتها، وحسنا فعل.
ذلك أنه وبموجب أحكام الفقرة الثالثة من المادة 314 من قانون التجارة الملغى، كان جزاء الشريك الموصي إذا خالف هذا المنع أنه يصبح “مسؤولاً بوجه التضامن حتى النهاية مع الشركاء المتضامنين عن الالتزامات الناشئة عن عمله الإداري فتكون التبعة الملقاة عليه محصورة في النتائج الناجمة عن الأعمال التي تدخل فيها” وهذا أمر وجوبي.
“وأما شاملة لجميع ديون الشركة على نسبة عدد تلك الأعمال وجسامتها” وهذا أمر جوازي يعود تقديره لمحكمة الموضوع تستهدي به حسب أهمية الأعمال التي يقوم بها وخطورتها وحسب تكرارها بحيث أصبحت كافية لكي يتولد لدى الغير الاعتقاد بأن هذا الشريك شريك متضامن، فيجوز للمحكمة أن تؤاخذه عن كافة ديون الشركة والتزاماتها التي ترتبت منذ تدخله بالإدارة دون استثناء.
ويستوي بالنسبة للغير أن يكون الشريك الموصي قد تدخل في إدارة أعمال الشركة بناء على توكيل من الشركاء المتضامنين أو بدون توكيل منهم.
ذلك أن الغير لا شأن له بعلاقات الشركاء فيما بينهم ويكفيه أن الشريك الموصي تدخل في أعمال الإدارة الخارجية للشركة.
ويذهب بعض الفقه والقضاء إلى قصر هذا المؤيد على الغير حسن النية، فإذا أثبت الشريك الموصي أن الغير الذي تعامل معه كان عالماً بصفته تعذر عليه مطالبته كشريك متضامن. ونرى أنه لا يشترط لاعتبار الشريك المخالف للمنع مسؤولاً كشريك متضامن، أن يكون الغير حسن النية، أي لا يعلم أنه بصدد التعامل مع شريك موص وليس شريكا متضامناً.
ذلك أن المشرع لم يشترط حسن النية لدى الغير، خلافا لحكم حظر إدراج اسم الشريك الموصي في عنوان الشركة.
ولا يمكن تفسير ذلك إلا باعتبار مبدأ منع الشريك الموصي من التدخل في أعمال الشركة مقررة المصلحة الشركاء المتضامنين وليس فقط حماية للغير.
2- أثره:
يثور التساؤل عن أثر مسؤولية الشريك الموصي مسؤولية تضامنية نتيجة تدخله في إدارة أعمال الشركة الخارجية، على اكتسابه صفة التاجر نتيجة ذلك، وأثر هذا الجزاء على علاقته بباقي الشركاء.
أ- مدى اكتساب الشريك الموصي صفة التاجر:
إن اعتبار الشريك الموصي مسؤولاً مسؤولية تضامنية عن ديون الشركة والتزاماتها التي تحملتها الشركة بسبب تدخله أو مساهمته في إدارتها ليس من شأنه إضفاء صفة التاجر عليه. ويترتب على ذلك أن إفلاس شركة التوصية لا يستتبع شهر إفلاسه.
أما إذا تكررت مساهمته وتدخله في الإدارة وكانت من الأهمية بمكان، وأصبحت مسؤوليته تضامنية، فإنه يكتسب صفة التاجر، ويترتب على شهر إفلاس الشركة شهر إفلاسه أيضا، ويمكن ملاحقته، عند الاقتضاء، بجرائم الإفلاس التقصيري أو الاحتيالي.
وقد لجأ الاجتهاد القضائي الفرنسي إلى مثل هذه المؤيدات الشديدة عندما تبين له أن الشريك الموصي شريكا صوريا وهو في الحقيقة أهم شريك متضامن.
ب- أثره في مواجهة الشركاء:
إن مسؤولية الشريك الموصي عن ديون الشركة والتزاماتها على وجه التضامن بسبب تدخله في الإدارة الخارجية للشركة، يستوجب التمييز بين أن يكون هذا التدخل قد تم باتفاق وتفويض مع شركائه، فعندئذ، يقتصر أثر الجزاء في علاقته مع الغير، ويبقى متمتعا بمركزه القانوني كشريك موص بالنسبة لشركائه، ويحق له الرجوع عليهم بما دفعه من ديون الشركة زيادة على حصته، لأن حظر تدخله هنا استهدف حماية الغير، وتنازل الشركاء عن الحماية، بتفويضه إدارة الشركة ويرجع عليهم بناء على قواعد الوكالة.
أما إذا كان تدخله بالإدارة تم بدون توكيل أو اتفاق مع شركائه، فإن هذه الأعمال لا تلزم الشركة على الإطلاق ويعد كأنه تصرف باسمه ولحسابه الخاص، فيما عدا الحالات التي يمكنه الرجوع فيها على الشركة تطبيقا لقواعد الإثراء بلا سبب إذا توافرت شروطها.
أو على أساس أحكام الفضالة بحيث لا يحق للشريك الموصي أن يسترد ما يجاوز قيمة حصته إلا في حدود ما أفادت به الشركة من العمل الذي قام به الشريك .
مما تقدم بينا كيفية إدارة شركة التوصية، أما بالنسبة لانقضائها، فتخضع لنفس أحكام انقضاء شركة التضامن باعتبارها من شركات الأشخاص التي تقوم على الاعتبار الشخصي، واستثنى المشرع من ذلك، أن إفلاس الشريك الموصي أو إعساره أو وفاته أو فقده الأهلية أو إصابته بعجز دائم لا يؤثر على حياة الشركة، ولا يؤدي إلى حلها (مادة 3/50 شركات).
كما تسري عليها القواعد المتعلقة بشهر الانقضاء وآثاره من تصفية الشركة وقسمتها وسقوط حق دائني الشركة في مطالبة الشركاء بمضي خمس سنوات على انقضائها، أي جميع ما تناولناه في دراستنا لأحكام انقضاء الشركات.