اليمين القضائية تنقسم باعتبار الحالف إلى نوعين يمين المدعى عليه، ويمين المدعي، ويمين المدعي لها عدة حالات:
أولاً – يمين المدعى عليه :
وهي التي يوجهها القاضي للمدعى عليه بطلب المدعي، وتقترن بإنكار المدعى عليه للحق المدعى به،
فإذا أنكر المدعى عليه الدعوى، ولم يكن لدى المدعى بينة، فللمدعي أن يطلب من القاضي تحليف المدعى عليه على نفي دعواه،
وهذه اليمين متفق عليها بين المذاهب الفقهية كلها، وهي حاسمة لموضوع الدعوى منهية للنزاع.
و لهذا تسمى اليمين الأصلية، وهي المقصودة في باب وسائل الإثبات؛ لأنها وسيلة مستقلة، تحسم النزاع بذاتها، ولا تحتاج إلى ما يقويها من أدلة الإثبات الأخرى.
ثانياً – يمين المدعي :
وهي عدة أنواع فمنها :
1- اليمين المكملة أو المتممة للبينة :
وهي التي يؤديها المدعي إذا تقوى جانبه بقرائن، وبينات غير مكتملة، كما لو لم يكن للمدعي إلا شاهد واحد فيفهمه القاضي أن عليه إكمال بينته بيمينه،
وقد صح ذلك عن النبي الله ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رَضَ اللَّهُ عَنْهُما،
(( أن رسول الله قضى بيمين و شاهد)).
2- اليمين المردودة :
وهي التي ترد على المدعي بعد نكول المدعى عليه. حيث ذهب بعض الفقهاء إلى أن مجرد نكول المدعى عليه وامتناعه عن اليمين لا يعتبر بينة كاملة موجبة للحق، بل لابد من رد اليمين على المدعي فيحلف على حقه ويستحق الحكم له بما ادعاه، فإن امتنع ولم يحلف فالقاضي لا يحكم للمدعي بشيء لا يحلف عليه.
3- يمين الاستظهار :
وتسمى يمين الاستيثاق، ويسميها المالكية يمين القضاء ويمين الاستبراء، وهي التي يطلبها القاضي من المدعي بعد تمام البينة.
وسببها دفعا للشبهة والريبة، واستظهارا للحق واستجلاء له.
وهي يمين مشروعة في حالات استثنائية ترجع إلى تقدير القاضي، فمتى رأى القاضي الحاجة إلى مزيد استيثاق للحق والاحتياط لاسيما في حق الغائب والميت، ونحوهم فله تحليف المدعي؛ لأن البينة إنما تفيد غلبة الظن، وتدل على ظاهر الحال،
واليمين استظهار لضمير الحالف، واستجلاء له، فإن امتنع المدعي عن هذه اليمين صرفه القاضي ولم يحكم له بشيء. جاء في اللائحة التنفيذية ٥/۱۱۱ للدائرة أن توجه يمين الاستظهار وما في حكمها لأحد الخصمين عند الاقتضاء ولو لم يطلب الخصم ذلك.
وقد ورد عن بعض السلف استحلاف المدعي مع بينته وكان شريح يستحلف الرجل مع بينته، وعن عون بن عبد الله : أنه استحلف رجلًا مع بيئته، فكأنه أبى أن يحلف، فقال:
ما كنت لأقضي لك بما لا تحلف عليه، وحكاه ابن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة والشعبي. قال أبو عبيد : إنما نرى شريحا أوجب اليمين على الطالب مع بيئته، حين رأى الناس مدخولين في معاملتهم، فاحتاط بذلك. وروى ابن أبي ليلى
“أن عليَّا رَضَ اللَّهُ عَنْهُ استحلف رجلًا مع بيئته، فأبى أن يحلف، فقال: “لا أقضي لك بما لا تحلف عليه”.
قال ابن القيم: وهذا القول ليس ببعيد من قواعد الشرع، ولا سيما مع احتمال التهمة.