وهنا لابد من أن نتناول في دراستنا: أولاً : مهلة الاستئناف وشكله.
ثانيا: آثار الاستئناف.
أولا- مهلة الاستئناف وشكله
حسب ما جاء في المادة (140) الفقرة /1/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فإن الاستئناف يقدم خلال أربع وعشرين ساعة تبدأ بحق النيابة العامة من تبليغ القرار إليها، أي من ساعة عرضه عليها للمشاهدة.
وبحق المدعي الشخصي والمدعى عليه غير الموقوف من تاريخ تبلغهما القرار في الموطن المختار، أي في محل الإقامة الذي اتخذوه لأنفسهم.
وبحق المدعى عليه الموقوف منذ تسلمه القرار في محل التوقيف. كما نصت الفقرة /2/ من المادة نفسها على أن يجري تبليغ الخصوم في الدعوى خلال أربع وعشرين ساعة من صدور القرار .
وبمجرد حصول التبليغ تبدأ مدة ال24 ساعة بحق كل من النائب العام والمدعى عليه والمدعی الشخصي.
كما نصت المادة 141 فقرة /1/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن :
“يرفع الاستئناف إلى قاضي الإحالة وترسل الأوراق إليه وفقا للمادة 137 فينظر في الاستئناف بصورة مستعجلة”.
يتضح من هذه المادة أن المشرع لم يشترط شكلاً معينة للاستئناف، وإنما لابد من أن يكون بصورة استدعاء خطي يسجل في ديوان قاضي التحقيق الذي أصدر القرار المراد استئنافه ضمن مدة الأربع والعشرين ساعة، ويقوم قاضي التحقيق فور تقديم الاستئناف بإرسال ملف الدعوى عن طريق النائب العام إلى قاضي الإحالة، الذي يقوم بدراسة الأوراق، ثم يعيدها إلى النائب العام لكي يبدي مطالبته خلال خمسة أيام على الأكثر، من أجل إعادتها إليه.
ولم يحدد القانون مهلة لقاضي الإحالة لكي يبت في موضوع الاستئناف، ولكن لابد من أن يبت فيه بصورة مستعجلة، خاصة إذا كان التأخير يؤثر على حرية المدعى عليه الذي قد يكون موقوفا ويتطلب حلا عاجلا لا يحتمل التأخير.
ثانياً – آثار الاستئناف
يترتب على استئناف قرارات قاضي التحقيق أمام قاضي الإحالة أثران: الأثر المعلق، والأثر الناشر .
1- الأثر المعلق:
نصت الفقرة 2 من المادة 141 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: يبقى المدعى عليه في محل التوقيف إلى أن يبت قاضي الإحالة في استئنافه أو إلى أن تنقضي مواعيد الاستئناف…
يتبين من هذه المادة أنه يترتب على استئناف قرارات قاضي التحقيق إيقاف تنفيذها طوال المدة المحددة للاستئناف، أي تعليق تنفيذ القرار المستأنف حتى يفصل فيه قاضي الإحالة.
أما إذا لم يطعن بالقرار خلال مهلة الاستئناف وانقضت هذه المدة فيصبح هذا القرار مبرمة وقابلا التنفيذ. مثال على ذلك المدعى عليه الموقوف الذي أصدر قرار قاضي التحقيق قراراً بإخلاء سبيله، فإنه يبقي موقوفة طوال المدة المحددة للطعن بهذا القرار أمام قاضي الإحالة، فإذا انقضت مدة الأربع والعشرين ساعة دون أن يستأنف القرار، أطلق سراح المدعى عليه. أما إذا استؤنف خلال هذه المدة، فيبقى المدعى عليه موقوفة إلى أن يبت قاضي الإحالة في الاستئناف المقدم إليه.
وهذا ينطبق أيضا على القرارات النهائية التي تفصل في قضايا الاختصاص أو منع المحاكمة أو الإحالة إلى محكمة الصلح أو البداية.
2- الأثر الناشر:
يترتب على استئناف قرارات قاضي التحقيق، طرح الدعوى أمام قاضي الإحالة لكي يفصل في الموضوع الذي انصب عليه الاستئناف.
أي لا ينظر قاضي الإحالة إلا في الجزء الذي طرح أمامه من قبل مقدم الاستئناف، ولا يستفيد من الاستئناف إلا من قدمه.
وقد قررت محكمة النقض أن صلاحيات قاضي الإحالة يجب أن لا تتعدى الاستئناف، أي لا يحق لقاضي الإحالة أن يتعرض الجرم فصل فيه قاضي التحقيق إلا إذا استؤنف القرار إليه وفي حدود هذا الاستئناف “.
فالاستئناف لا يسمح لقاضي الإحالة إلا بتقدير صحة القرار المستأنف من أجل تصديقه أو فسخه. وينشر الاستئناف القضية بين يدي قاضي الإحالة فيما يتعلق بالأجزاء التي جرى استئنافها فقط، فلو قرر قاضي التحقيق منع المحاكمة بالنسبة إلى أحد المدعى عليهم وعدم اختصاصه للنظر في الدعوى بالنسبة للباقين من المدعى عليهم لأن الأفعال المنسوبة إليهم تدخل في اختصاص القضاء العسكري، ثم اقتصرت النيابة العامة على توجيه استئنافها إلى الشق الأول من هذا القرار الخاص بمنع المحاكمة، فليس لقاضي الإحالة أن يتعرض للشق الثاني الخاص بعدم الاختصاص لأن الاستئناف لم يطرح هذا الشق أمامه، وأصبح نتيجة لعدم الطعن به حائزا قوة القضية المقضية”
واستئناف المدعي الشخصي لقرار منع المحاكمة يؤدي بقاضي الإحالة إلى النظر في دعوى الحق الشخصي ودعوى الحق العام.
كذلك فإنه إذا استأنفت النيابة العامة قرارا لقاضي التحقيق بإخلاء سبيل المدعى عليه، فإن الاستئناف ينحصر في إخلاء السبيل فقط، وفي أحقية قاضي التحقيق في إصدار هذا القرار من عدمه.
أما إذا انصب الاستئناف على قرار قاضي التحقيق بأكمله، كانت سلطة قاضي الإحالة شاملة للوقائع والخصوم.
وفي جميع الأحوال، إن قاضي الإحالة إما أن يقوم بتصديق القرار المستأنف أو بفسخه في حدود ما أتى عليه الاستئناف.
وهنا لابد من أن نفرق بين إذا كان القرار المستأنف غير نهائي أو نهائياَ.
فإذا كان القرار المستأنف غير نهائي وقام قاضي الإحالة بفسخ القرار كقرار إخلاء السبيل ، فإنه يقوم بدراسة القرار المستأنف، وبعد أن يفصل فيه يعيد الأوراق إلى قاضي التحقيق. ومثل هذه الإجراءات التحقيقية لا يترتب عليها وقف السير في التحقيق أمام قاضي التحقيق.
أما إذا كان القرار المستأنف نهائياً كقرار إحالة المدعى عليه إلى محاكم الدرجة الأولى أو قرار منع المحاكمة أو عدم الاختصاص، فإن قاضي الإحالة بعد فسخ القرار، لا يحق له أن يعيد الأوراق إلى قاضي التحقيق ليفصل فيها مجددا، وإنما يقوم هو بنظر الدعوى برمتها، على أنه يبقى له استنابة من يشاء من قضاة التحقيق .
الحكم بالتعويض على المدعي الشخصي غير المحق في استئنافه
نصت المادة (142) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه :
يقضي قاضي الإحالة على المدعي الشخصي غير المحق في استئنافه بتعويض للمدعى عليه إذا وجب الأمر”.
يتبين من هذه المادة أن قاضي الإحالة له الحق في أن يرفض استئناف المدعي الشخصي غير المحق في استئنافه عندما يقصد عرقلة سير العدالة، أو الإضرار بالمدعى عليه عن طريق إطالة أمد الدعوى.
لكن لابد من ثبوت خطأ من جانب المدعي الشخصي مع توافر الأدلة على سوء نيته، وأن يترتب على هذا الخطأ ضرر فعلي أصاب المدعى عليه، كما إذا كان القرار المستأنف صادرأ بتخلية السبيل فترتب على استئنافه إرجاء تنفيذ هذا القرار .
أما فيما يتعلق بالتعويض، فإنني أرى أن قاضي الإحالة إما أن يحكم بالتعويض من تلقاء ذاته، أو يغض النظر عنه حسب ما يراه مناسباً، لأن النص أعطاه هذا الحق دون قيد أو شرط، أي إن ذلك يعود إلى تقديره.