المجاز خلف عن الحقيقة وهو طريق متعين لإعمال الكلام واجتناب إهماله، فإذا تعسّرت أو هجرت الحقيقة يصار إليه ، وتعذر الحقيقة يكون بثلاثة وجوه :
أولاً: تعذر عقلي، وهو عدم الإمكان أصلاً، كما لو وقف على أولاده وليس له إلا أحفاد.
ثانياً: تعذر شرعي، وهو عدم الإمكان شرعاً، كالوكالة بالخصومة، فإن الخصومة محظورة شرعاً فينصرف اللفظ إلى المرافعة والمدافعة، وكما لو حلف لينكحنّ هذه المرأة وهي أجنبية عنه، فإن كلامه يحمل على العقد لا الوطء لحرمة وطء الأجنبية قبل العقد عليها، والنكاح مجاز في العقد حقيقة في الوطء .
ثالثاً : تعذر عرفي، وهو عدم الإمكان إلا بمشقة كما لو حلف لا يأكل من هذه الحنطة فيحنث بالأكل مما يصنع منها، وهو قول الصاحبين، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا عبرة بالتعذر العرفي بل يطلق الكلام . معه على الحقيقة لإمكانه عقلاً، فيحنث بالأكل من عينها، وذهب الصاحبان إلى إلحاق التعذر العرفي بالتعذر العقلي. .
ومثل تعذر الحقيقة هجرها، فلو حلف لا يضع قدمه في الدار، فالحقيقة فيه ممكنة ولكنها مهجورة، والمراد من ذلك في العرف الدخول، فلو وضع قدمه فيها بدون دخول لا يحنث ولو دخلها راكباً حنث .
ومن فروع هذه القاعدة: إذا أقرَّ من لا وارث له لمن ليس من نسبه وأكبر منه سناً بأنه ابنه ووارثه، ثم توفي المُقِرِّ، فحيث لا يمكن حمل كلامه هذا على معناه الحقيقي فيصار إلى المجاز وهو حمل معناه على الوصية فيأخذ المقرّ له جميع التركة . ..