تستخلص هذه العقود الثلاثة من العبارة التي أوردها المشرع في المادة 656 بقوله أن الشيء قد سلم “لإجراء عمل القاء أجرة أو بدون أجرة، كما تستخلص أيضاً من العبارة الواردة في المادة 657، بقوله أن الشيء المثلي أو النقود قد سلم العمل معين”.
فالمقاول والناقل ومن تعهد بخدمة مجانية يتسلمون شيئاً مملوكاً لغيرهم لكي يقوموا حياله بعمل معين، فإذا استغل أحدهم وجود الشيء في حيازته فاستولى عليه قام في حقه جرم إساءة الائتمان.
والمقاولة أو إجارة الصناعة هي عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئاً، أو أن يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الأخر (المادة 612 من القانون المدني).
أما عقد النقل فهو صورة من صور عقد المقاولة يتميز عن سائر صوره بنوع الخدمة التي يتعهد الناقل بتقديمها، والتي تتمثل بتأمين انتقال شخص أو شيء من موضع إلى أخر .
أما عقد الخدمات المجانية فهو لا يختلف بشيء عن عقد المقاولة سوى بغياب البدل أو الأجر. فبهذا العقد يقوم أحد طرفيه بعمل أو خدمة لصالح الطرف الأخر دون أن يتقاضى أجراً مقابله وبهذه العقود الثلاثة يستلم أحد الطرفين من الأخر شيئا على سبيل الحيازة الناقصة، فإذا حول حيازته لهذا الشيء إلى حيازة تامة قامت بحقه جريمة إساءة الائتمان.
فالطحان الذي يتسلم غلالاً لطحنها، والخياط الذي يتسلم قماشاً اليخيطه ثوباً، والنجار الذي يتسلم خشباً ليصنعه أثاثاً، إذا اختلس هؤلاء ما سلم إليهم، تقوم في حقهم جريمة إساءة الائتمان.
ويسأل أيضاً عن إساءة الائتمان الناقل الذي يتسلم طردا لنقله إلى مكان معين، فيستولي عليه. كما يسأل عن هذه الجريمة الصديق الذي يتطوع لإصلاح شيء لصديقه أو لتصنيعه أو لنقله إلى شخص أخر إذا اختلس ما سلم إليه.
ومن المسلم به أن الشرط الأساسي لارتكاب إساءة الائتمان في هذه العقود هو أن تكون الأشياء قد سلمت على سبيل الحيازة الناقصة، أي من أجل القيام بالعمل ثم ردها عيناً، سواء في صورتها الأصلية أو بعد أن يدخل التعديل عليها.
وتطبيقاً لذلك إذا تسلم النجار أخشابا ليصنع منها أثاثاً، وتسلم معها مبلغاً من النقود كأجر معجل له، وإذا تسلم الخياط قطعة قماش ليخيطها بنطالاً، وتسلم معها مبلغاً من النقود كأجر معجل.
فإساءة الائتمان تقوم في حق النجار والخياط إذا لم يرد الأخشاب أو قطعة القماش بعينها، لأن عقد المقاولة يلزمه بردها، إما مصنعة أثاثاً أو بنطالاً، وإما بذاتها دون تصنيع.
أما إذا رد الأخشاب أو قطعة القماش دون تصنيع ولم يرد المبلغ الذي تسلمه، فلا تقوم الجريمة في حقه، لأن النقود سلمت إليه تسليما ناقلاً للحيازة التامة، أي لتصبح ملكاً له باعتبارها أجرة معجلة، ولا يغير من صفتها هذه أن يكون الغرض من تسليمها إنفاقها في غرض معين ، كأن يكون النجار أو الخياط قد استلم المبلغ ليكون له أجرأ معجلاً وليتمكن من شراء بعض المواد التي تدخل في صناعة الأثاث أو الخياطة، كالطلاء أو المسامير أو نوع معين من الخيوط وما إلى ذلك.
وغني عن البيان أن إساءة الائتمان لا تقوم بحق من يخل بأي التزام أخر من الالتزامات التي تولدها هذه العقود الثلاثة، ولكن تقوم في حق من يخل بالتزام الرد عيناً أو مثلا، فلا يكفي في قيامها إهمال المستلم أو تقصيره في المحافظة على الشيء ولو أدى لهلاکه.
فما دام لا ينكر ملكية المسلم للشيء، وذلك بالاستيلاء عليه أو اختلاسه، فلا جريمة