أولاً : تعريق قاضي التحقيق
لم يضع قانون أصول المحاكمات الجزائية تعريف خاص بقاضي التحقيق ولم يتطلب القانون شروط معينة في القضاة الذين يمارسون وظيفة التحقيق.
وقد اكتفت المادة (60) من قانون السلطة القضائية بالقول:
“يتولى التحقيق قضاة يمارسون الوظائف المعهودة إليهم بموجب القوانين النافذة”.
ولكن يمكن القول إن القاضي التحقيق دورة مزدوجة، فهو من ناحية يرمي إلى جمع الأدلة والتثبت منها، وهذا يستلزم إجراء المعاينة والاستعانة بالخبراء وسماع الشهود واستجواب المدعي عليه، كما يتميز دوره من ناحية ثانية في إمكانية اتخاذ القرارات في المطاليب والدفوع المقدمة إليه، وفي إيقاف التعقبات أو منع المحاكمة لعدم كفاية الأدلة، أو الإحالة إلى المحكمة إذا ارتأى أن الفعل يؤلف جرمأ أو قام دليل كاف على اتهام المدعى عليه بالجريمة.
اختصاص قاضي التحقيق
إن مراعاة قواعد الاختصاص في الأمور الجزائية هي من النظام العام، وعلى قاضي التحقيق البحث فيها من تلقاء ذاته ولو لم يثره أحد من الخصوم.
لذلك ينبغي على قاضي التحقيق قبل البدء بإجراء أي عمل تحقيقي أن يتثبت من اختصاصه. فإذا تبين له أنه غير مختص، عمد إلى إصدار قراره بذلك وتخلي عن التحقيق، وأودع الأوراق قاضي التحقيق المختص، وإلا كان كل إجراء يقوم به باطلا. وقد نصت المادة (65) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه:
“إذا رفعت الشكوى إلى قاضي تحقيق غير مختص، أودعها قاضي التحقيق المختص”.
لذلك لابد من أن يكون قاضي التحقيق مختصة من نواح ثلاث:
1- الاختصاص النوعي
جاء في المادة (51) من قانون أصول المحاكمات الجزائية أنه إذا كان الفعل جناية، أودع النائب العام التحقيقات التي أجراها أو التي أحال إليه أوراقها موظفو الضابطة العدلية إلى قاضي التحقيق.
أما إذا كان الفعل جنحة، فله أن يحيل الأوراق إلى قاضي التحقيق أو إلى المحكمة مباشرة حسب مقتضيات الحال.
أي إن قاضي التحقيق له صلاحية التحقيق في جميع جرائم الجنايات والجنح، ولا يجوز له أن يحقق في المخالفات إلا إذا كانت المخالفة تلازم جنحة أو جناية وترتبط بها.
لكن إذا أقيمت الدعوى أمام قاضي التحقيق بجنحة، ثم اتضح أن الجرم عبارة عن مخالفة، فيحيل عندئذ قاضي التحقيق المدعى عليه إلى محكمة الصلح الجزائية المختصة ويأمر بإطلاق سراحه إن كان موقوفاً.
ب- الاختصاص الشخصي
يتناول اختصاص قاضي التحقيق الشخصي جميع الجرائم التي يرتكبها الأشخاص الذين يقطنون فوق أرجاء الجمهورية العربية السورية، والمعاقب عليها في القانون السوري، باستثناء من يتمتع منهم بحصانات وامتیازات بالنسبة لإقامة الدعوى ضدهم وفق الطرق العادية.
وإذا تناول ادعاء النيابة أحدا منهم امتنع على قاضي التحقيق القيام بأي إجراء ضدهم.
وكل إجراء يصدر ضدهم يعد باطلاً لصدوره عن غير ذي صفة.
وهؤلاء هم: رئيس الجمهورية، والوزراء والنواب، وموظفو السلك الدبلوماسي والقضاة والعسكريون.
ج- الاختصاص المكاني
حددت المادة (3) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، قواعد الاختصاص المكاني في الدعوى الجزائية على الشكل التالي:
1- تقام الدعوى العامة على المدعى عليه أمام المرجع القضائي المختص التابع له مكان وقوع الجريمة أو موطن المدعى عليه أو مكان إلقاء القبض عليه.
2- في حالة الشروع تعد الجريمة أنها وقعت في كل مكان وقع فيه عمل من أعمال التنفيذ.
وفي الجرائم المستمرة يعد مكاناً للجريمة كل محل تقوم فيه حالة الاستمرار.
وفي جرائم الاعتياد والجرائم المتتابعة يعد مكانا للجريمة كل مكان يقع فيه أحد الأفعال الداخلة فيها.
3- أما بالنسبة إلى الجرائم التي تقع خارج سورية و يطبق عليها القانون السوري، فإنه إذا لم يكن لمرتكبها محل إقامة في سورية ولم يلق القبض عليه فيها، فإن الدعوى العامة تقام عليه أمام المرجع القضائي في العاصمة (دمشق).
فالاختصاص المكاني لقاضي التحقيق يحدد إما بالنسبة إلى مكان وقوع الجريمة، أو بالنسبة إلى محل إقامة المدعى عليه، أو بالنسبة إلى مكان إلقاء القبض عليه، ولا تفضيل لمكان على أخر إلا في أسبقية إقامة الدعوى العامة. وقواعد الاختصاص المحلي هي من النظام العام وتجوز إثارتها في جميع مراحل الدعوى.