الأصل بقاء ما كان على ما كان
هذه القاعدة من فروع قاعدة ( اليقين لا يزول بالشك)، وتتمتها : حتى يقوم الدليل على خلافه، ومعنى هذه القاعدة أنه إذا جهل في وقت الخصومة حال الشيء وليس هناك دليل للحكم بمقتضاه، وكان لذلك الشيء حال سابق معهود، فإن الأصل أن نحكم ببقائه واستمراره على تلك الحال التي كان عليها حتى يقوم الدليل على خلافه .
والاستصحاب بقسميه: استصحاب الماضي بالحال، واستصحاب الحال بالماضي، حجة تُدفع به دعوى الغير ولا يلزمهم بشيء ولا يُثبت حقاً.
والبينات أربع : البرهان، والإقرار، والنكول، والأمارة الظاهرة التي تعرف بتحكيم الحال .
من فروع هذه القاعدة:
– لو ادعت امتداد الطهر وعدم انقضاء العدة صدقت بيمينها ولها نفقة العدة؛ لأن الأصل بقاء العدة ،بعد، وجودها.
– لو اختلف الزوجان بعد انقضاء العدة في الرجعة فيها فالقول لها لأن الأصل عدمها، ولو كانت العدة قائمة فالقول قوله لأنه يملك الإنشاء فيمتلك الإخبار. .
-لو اختلف الزوجان في التمكين من الوطء فالقول لمنكره لأن الأصل عدمه. .
ولدت وطلقها فقال : طلقت بعد الولادة فلي رجعة وقالت قبلها فلا رجعة، وإن لم يعيّنا وقتاً للولادة ولا للطلاق فالقول قوله، لأن الأصل بقاء سلطة النكاح. .
ومن فروعها:
-لو مات نصراني فجاءت امرأته مسلمة وقالت : أسلمت بعد موته فلي الميراث، وقال الورثة : أسلمت قبل موته فلا ميراث لها، فالقول للورثة ؛ لأن كلاً من الطرفين متمسك بنوع من الاستصحاب، فالمرأة تتمسك بالاستصحاب الحقيقي إلا أن هذا الاستصحاب لا يكفي لاستحقاق الإرث، والورثة يتمسكون بالاستصحاب المعكوس، وهذا استصحاب يكفي لدفع مشاركتها لهم بالإرث.
ونفس المسألة فيما لو مات مسلم وزوجته نصرانية، فجاءت بعد موته مسلمة وطالبت بالميراث، فالقول للورثة لأن الاستصحاب الحقيقي يدفع مشاركتها الإرث ولا عبرة بالاستصحاب المعكوس لأنه لا يصلح للاستحقاق.
ومن هنا قال الإمام الكرخي: (الأصل أن الـظـاهـر يـدفـع بالاستحقاق ولا يوجب استحقاقاً). .
ومنها: لو كان للابن الغائب مال عند أبيه فأنفق الأب منه على نفسه ثم اختلفا، فقال الابن للأب : إنك أنفقت على نفسك منه وأنت موسر، وقال الأب : أنفقت وأنا معسر ولا بينة لأحدهما، فإنه يحكم بالحال، فلو كان الأب حال الخصومة معسراً فالقول له، ولو كان موسراً فالقول لابنه، ولو قدم كل منهما البينة تقدم بينة الابن؛ لأن قيام صفة اليسار حين الخصومة أمارة ظاهرة في تأييد كلام مدعيه، والأصل اعتبار الصفة الأصلية في الإنسان وهي الإعسار إلا أن هذا الأصل لم يعتبر لقيام الدليل على خلافه وهو قيام صفة اليسار حين الخصومة فتكون أمارة ظاهرة في طرح ذلك الأصل.
. واستشكل البعض أن تحكيم الحال من قبيل العمل بالظاهر، والظاهر يصلح حجة للدفع لا لاستحقاق، ففي حال كان الأب معسراً حين الخصومة فكيف يجعل الأب بظاهر إعساره بريء الذمة من إتلاف مال ابنه من نفقة نفسه وقد ثبت إتلافه له يقيناً؟
فينبغي أن يقيم بينة على إعساره ولا يكفي ظاهر حاله! والجواب فإن الأخذ مع اليسار هو الذي يوجب الضمان نصاً لا مطلق الأخذ، والمتيقن هو الأخذ لا اليسار فلم يثبت سبب الضمان فالظاهر ينفي الاستحقاق.
ويستثنى من هذه القاعدة : لو ادعت امرأة مضيّ في مدة تحتمل ودون الفترة المعتادة منها، صدقت بيمينها ؛ لأن مضي العدة لا تعلم إلا منها مع أن الأصل بقاء العدة بعد وجودها فقبل قولها فيه ضرورة