التأصيل الشرعي للأنظمة
القاعدة الشرعية
يقصد بها القاعدة المستندة في أحكامها وحدودها إلى نص شرعي من أو السنة.
ويدخل في هذا القواعد الشرعية المستنبطة من أصول التشريع الإسلامي كالإجماع والقياس.
والقاعدة الشرعية على هذا الأساس مختلفة عن القاعدة النظامية.
ومن أبرز معالم الاختلاف هو الشمولية، والغاية، والجزاء.
القاعدة الشرعية شمولية، فتشمل كل زمان وكل مكان وتشمل الفرد والجماعة والدولة، وتشمل الجانب الأخلاقي والتعبدي والسلوكي والقاعدة الشرعية ذات غاية محددة تجدها في قوله تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) سورة الحديد: ٢٥ ، وقوله تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)سورة آل عمران: ۱۱۰ .
ومن هاتين الآيتين نجد أن التشريع الإسلامي فيه صلاح الدين وصلاح الدنيا.
وأخيراً فالقاعدة الشرعية ترتب جزاءً دنيوياً وآخر أخروي. فالأصل المثوبة والعقوبة الأخروية، ولكن بعض القواعد الشرعية تضيف عقوبة دنيوية بالإضافة إلى العقوبة الأخروية.
وفيما سبق مزيد تميز للقاعدة الشرعية على القانونية على ما سيأتي تفصيله بإذن الله.
ولذلك تجد أن مخالف العقوبة الشرعية وبسبب قوة الوازع الديني عند البعض يتوقف عن المخالفة خشية العقوبة الأخروية لا الدنيوية، بل ويحمل التاريخ الإسلامي نماذج لمن طلب أن يتطهر من المخالفة الشرعية في الدنيا قبل الآخرة.
بالإضافة إلى ما سبق، فالقاعدة الشرعية تتميز عن غيرها بالمصدر. فكما سبق في تعريف القاعدة الشرعية؛ فمصدر القاعدة الشرعية هو الكتاب والسنة وما يعتمد على الكتاب والسنة من مصادر التشريع الإسلامية كسنة الخلفاء الراشدين والإجماع والقياس.
القاعدة النظامية :
القاعدة النظامية هي وحدة من الوحدات التي يبنى منها النظام. وبالتالي فهي تشارك النظام أو القانون في خصائصه كونها جزء منه.
وهذه القاعدة وضعية، ولكن على الرغم من كونها وضعية، فهذا لا يجعلها في درجة واحدة مع بقية القواعد النظامية؛ لأن بعض القواعد النظامية تكون مستندة في أساس وضعها على قواعد شرعية معتبرة كالمصالح المرسلة والعرف وبعض الاتجاهات الفقهية في مسألة ما.
أما ناحية الخصائص، فهي مشتركة بين جميع القواعد النظامية والقانونية، وبتخلف واحدة من هذه الخصائص، تخرج من كونها قاعدة نظامية وقانونية.
الخصيصة الأولى:
هي عنصر ضبط السلوك المجتمعي. القاعدة النظامية تهدف إلى تنظيم سلوك الفرد كجزء من المجتمع وضبط علاقة الفرد بغيره في ذات المجتمع.
وهذه العلاقة قد يكون منشأها علاقة تجارية أو شخصية أو حقوقية أو جنائية ونحوها.
ثم أن هذه العلاقة تحتاج إلى تنظيم وإلى مراجعة لهذا التنظيم عند كل تغير ذا صلة في المجتمع أو العادات والأعراف والتقاليد أو عند ظهور تعاملات جديدة أو اندثار مشكلات قديمة.
ومما يجب التنبه له إلى أن القواعد النظامية والقانونية إما أن تكون مباشرة في الأمر والنهي، أو تكون غير مباشرة كوضع التنظيمات وتوزيع السلطات ونحوها، وفي كلا الحالتين فالقاعدة النظامية والقانونية ملزمة.
الخصيصة الثانية :
هي عنصر العموم والتجرد في الخطاب القاعدة النظامية والقانونية عامة ومجردة.
ومعنى هذا أن القاعدة النظامية والقانونية لا تسمي شخصاً بعينه أو حادثةً بعينها أو موضوعاً بعينه.
بل القاعدة النظامية والقانونية تنطبق على كل شخص أو واقعة توفرت فيه أو فيها صفات أو شروط معينة ومحددة في ذات النظام.
مثال ذلك، لو وضعت قاعدة نظامية وقانونية تقول: كل من تلبس بجريمة قتل أن يتحفظ عليه لمدة لا تزيد عن ١٠ أيام تقوم خلالها النيابة العامة بالتحقيق معه وتوجيه التهم له. فهذه القاعدة النظامية تخاطب كل من قبض عليه متلبساً بجريمة قتل ولم تحدد شخصاً بعينه أو حادثة قتل بعينها.
ولو كانت القاعدة تنظم موضوعاً معيناً كالبيع بالأجل، فالقاعدة النظامية والقانونية تنطبق على كل بيع بالأجل مالم يستثنيه استثناء نظامي. ولا يشكل عليك تنظيم القاعدة النظامية والقانونية لمراكز قانونية يمكن تسميته أصحابها الآن، كالقواعد النظامية والقانونية المخاطبة لمنصب رئيس الوزراء على سبيل المثال.
فعلى الرغم من أن رئيس الوزراء معروف باسمه في حينه، لكن القاعدة تنطبق عليه وعلى من يأتي خلفاً له وبالتالي فهي قاعدة عامة مجردة.
الخصيصة الثالثة:
هي الاقتران بعنصر الجزاء. الجزاء المقصود هنا هو الجزاء المادي الرادع والرافع. فكونه جزاءً مادياً لا يعني أنه لا يحمل عقوبة معنوية، فالأصل هو الجزاء المادي وأما الآثار المعنوية فتبع.
فمن خالف القاعدة النظامية والقانونية القاضية بعقوبة قاطع الإشارة بمبلغ ٣٠٠٠ آلاف ريال، فهذا المبلغ جزاء مادي ولكن التأثر بفقد المال معنوي.
والمقصود بأن الجزاء رادع أي لا ينبغي أن يكون الجزاء لا يتناسب مع طبيعة المخالفة وفداحتها .
فلو كانت مخالفة قطع الإشارة تعادل ١٠ ريالات فقط، لاتخذ البعض التوقف عن الإشارة الحمراء أمراً اختيارياً ولفضل دفع هذا المبلغ على أن يحترم النظام.
كذلك يجب أن تكون العقوبة رافعة للأذى والضرر الواقع بسبب المخالفة ولا يكفي أن تكون العقوبة مادية ورادعة.
فلو افترضنا أن شركة ما خالفت نظام البيئة وتسببت بضرر مباشر على المياه السطحية لمنطقة ما، فالمفترض أن تكون العقوبة مادية سواء بالمال أو الحبس ونحوها، وأن تكون رادعة لذات المخالف ومن يفكر أن يقدم على مثل هذه المخالفة، وكذلك يجب أن تكون رافعة للضرر الواقع على البيئة.
فلا ينبغي أن تكون عقوبة مخالفة القاعدة النظامية والقانونية مقتصرة في تقديرها على عنصر المخالفة المخالف، بل يجب أن يكون عنصر الضرر في حسبان المشرع.
ولما سبق، نرى الجزاء على مخالفة القاعدة النظامية والقانونية يأخذ أشكالاً متعددة كأن يكون حق خاص خالص، أو عام خالص، أو حق عام وخالص. والغالب في الجزاءات المرتبة لحقوق عامة أن تكون أشد مما يرتب حقاً خاصاً وذلك بسبب ارتباط الحق العام بالدولة والمجتمع.