المخدرات عالمياً
منذ مطلع القرن العشرين بدأ المشرع الدولي يهتم بعقد اتفاقيات دولية لمعالجة مشكلة المخدرات على الصعيد الدولي بعدما أضحت هذه المشكلة مشكلة دولية، حيث لم يعد يقتصرأثرهاعلى بعض الدول بل أخذ يشمل المجتمع الدولي برمته.
فتنادت الدول لعقد مؤتمرات دولية متعددة، وتم إبرام اتفاقيات دولية شتى في هذا الشأن. وقد ارتأى المشرع السوري بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على تطبيق القانون رقم 182 لعام 1960 إصدار قانون جديد ولا سيما أن مشكلة المخدرات بدأت تنمو وتتفاقم، فصدر القانون رقم 2 بتاريخ 12 نيسان 1993 الذي أطلق عليه تسمية قانون المخدرات والمستوحى بشكل أساسي من القانون العربي الموحد للمخدرات النموذجي.
مقدمة
عرفت أغلب الشعوب ومنذ أقدم العصور المخدرات ، حيث استعملت على مر العصور النباتات الطبيعية المخدرة مثل الأفيون، غير أن استخدام هذه النباتات المخدرة لم يثر أي مشكلة جزائية باعتبار أن تناول هذه المواد المخدرة كان يدخل غالباً في إطار قواعد السلوك الاجتماعية السائدة، ولذلك كان تعاطي هذه المواد مباحاً ومسموحاً بو طبقاً لمقوانين النافذة والأعراف السائدة.
وقد استخلص ولأول مرة في منتصف القرن التاسع عشر المورفين من الأفيون الخام واستعمل لأغراض طبية علاجية .
وبسبب التأثير الشديد والقوي لمستحضر المورفين بالمقارنة مع نبات الأفيون عرفت بشكل جلي مضار وأخطار هذا المستحضر كمادة مخدرة مسببة للإدمان.
وعلى ضوء هذه المعلومات وضعت لأول مرة قواعد قانونية للرقابة على استعمال المواد المخدرة.
ولما انتشر التعامل بالأفيون بشكل واسع أضحت ظاهرة إساءة استعمال المورفين المصنع والهيروين
مشكلة بارزة ألقت بظلالها على السياسة الاقتصادية والاجتماعية والتجارية للدول،
بحيث أصبح من الضروري اتخاذ إجراءات وقائية قمعية للحيلولة دون تفشي استعمال هذه المواد الخطرة والمضرة.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية بذلت جهود دولية واقليمية ووطنية لوضع عمليات زراعة وصناعة
وتصدير و استيراد وتداول المواد المخدرة تحت رقابة الدولة وحصر استعمالها في المجال الطبي.
ولذلك سنتناول موضوع الاتفاقيات الدولية المبرمة للحد من إساءة استعمال المواد المخدرة قبل أن
نشرح تطور التشريعات الجزائية المتعلقة بالمخدرات في سورية.
1) الجهود الدولية للحد من إساءة استعمال المواد المخدرة:
منذ مطلع القرن العشرين بدأ المشرع الدولي يهتم بعقد اتفاقيات دولية لمعالجة مشكلة المخدرات
على الصعيد الدولي بعدما أضحت هذه المشكلة مشكلة دولية، حيث لم يعد يقتصرأثرهاعلى بعض
الدول بل أخذ يشمل المجتمع الدولي برمته. فتنادت الدول لعقد مؤتمرات دولية متعددة،
وتم إبرام اتفاقيات دولية شتى في هذا الشأن، فعقد ما بين الأول وحتى السادس والعشرين من شباط عام 1909 في شنغهاي مؤتمر الأفيه ن الدولي والذي عني بتحديد التدابير ضد الاستخدام غير المشروع للمخدرات في الصين.
وبسبب تزايد انتشار ظاهرة إساءة استعمال الأفيون والمورفين والكوكائين وغيرها في بعض البلاد
الأوربية والأمريكية من جهة، ولأن مؤتمر شنغهاي لم يتناول إلا مشكلة الأفيون في الصين فقط من جهة ثانية، بات من الضروري عقد اتفاق دولي شامل بهذا الشأن.
فعقد في هال أول مؤتمر دولي واسع النطاق وله طابع رسمي عام 1911، والذي أدى إلى إبرام اتفاقية هال الدولية بشأن المخدرات في 23 كانون الثاني 1912. وقد انطوت هذه الاتفاقية على قواعد قانونية تتعلق بإنتاج وتصدير واستيراد الأفيون والمورفين والكوكائين وبعض المخدرات الأخرى.
وتتابعت الجهود الدولية في ظل عصبة الأمم بعقد معاهدة جنيف لعام 1925 ، ثم بعقد سبع
اتفاقيات دولية بين عامي 1925 و 1948 سواء فيما يتعلق في الحد من انتشار الأفيون في عامي
1925 و 1931 ، والاتجار بالأفيون عام 1925 ، أو فيما يتعلق بصناعة المخدرات وتجارتها عام 1931 ، والحد من التداول غير المشروع لها عام 1936 ، والرقابة على المخدرات المصنعة عام 1948.
وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عمل الأمين العام للأمم المتحدة، التي حلت محل
عصبة الأمم، في عام 1955 على تطوير مشروع اتفاقية يلخص كل الاتفاقيات الدولية التي عقدت حتى تاريخه.
فتم انعقاد مؤتمر للدول الأعضاء في الأمم المتحدة في نيويورك عام 1961 أفضى إلى إبرام
الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 والتي حلت محل الاتفاقيات الدولية السابقة بشأن المواد المخدرة المسببة للإدمان.
وقد تبوأت المخدرات التقليدية مثل الأفيون ومنتجات أوراق الكوكا والقنب الهندي مركز الصدارة في هذه الاتفاقية.
وفي عام 1971 دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي المختص بشأن مراقبة المخدرات في الأمم
المتحدة في جنيف إلى مؤتمر آخر لجميع الدول الأطراف في الاتفاقية.
وبنتيجة المداولات تم إعداد برتوكول لتعديل الاتفاقية الوحيدة للمخدرات ، وجرت الموافقة عليه عام 1972 .
وفيما بعد تمخض عن التطور العلمي اكتشاف أنواع جديدة من المواد المخدرة المسببة للإدمان مثل
الامفيتامينات والمهلوسات والبرابيوتارت والتي لها استخدامات طبية معترف بها.
وأثار إساءة استعمال هذه المواد المكتشفة حديثاً موضوع فيما إذا كان يجب خضوع مثل هذه المواد للرقابة الدولية المفروضة على المخدرات أم لا.
لقد ذهب تقرير المكتب القانوني للأمم المتحدة وكذلك المجلس الدائم للمخدرات على أن امتداد
رقابة الاتفاقية الدولية الوحيدة للمخدرات لتشمل هذه المواد لا يتوافق مع القصد الابتدائي لأطراف
الاتفاقية.
وبنتيجة ذلك وبالنظر للاستعمالات الطبية لهذه المواد كان لابد من عقد اتفاقية جديدة بشأن هذه المواد وقد تم ذلك بالفعل وعقدت اتفاقية دولية بهذا الخصوص هي اتفاقية المؤثرات العقلية التي تم توقيعها في فيينا عام 1971.
وبعد التزايد الخطير للاتجار بالمخدرات على الصعيد الدولي في عقدي السبعينات والثمانينات من
القرن العشرين وافقت الأمم المتحدة في جلستها العامة السادسة في فيينا بتاريخ 19 كانون الأول 1988 على اعتماد اتفاقية مكافحة الاتجار غير المشروع بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلية. اعتمدت هذه الاتفاقية من حيث المبدأ إستراتيجية عقابية بشأن السياسية الجنائية الدولية تجاه المخدرات ،
فنصت على أولوية تبني تدابير مصادرة الأرباح الناتجة عنها ومنع غسل الأموال من جهة، والتعاون الجزائي الدولي ولا سيما فيما يتعلق بتسليم مجرمي المخدرات والمساعدة القانونية في الدعوى الجزائية من جهة أخرى.
وبموجب هذه الاتفاقيات المتقدمة تطال الرقابة الدولية في الوقت الحاضر 116 مادة مخدرة مسببة
للإدمان من ضمنها الأفيون ومشتقاته، بالإضافة إلى المواد المصنعة المسببة للإدمان مثل الميتادون
والبولميدون.
إلى جانب هذه المساعي الدولية التي تمخضت عن عقد الاتفاقيات المذكورة بذلت جهود اقليمية
كبيرة للحيلولة دون انتشار المخدرات والحد من آثارها. ومن الهمية بمكان هنا الإشارة إلى هذه الجهود على المستوى الأوربي والعربي.
فعلى الصعيد الأوربي، وفي إطار الاتحاد الأوربي، تم إيجاد استراتيجيات للتعاون بين الدول
الأوربية في مجال مكافحة المخدرات وانتهاج سياسات رادعة ضدها.
وتكمن هذه الاستراتيجيات في تكوين هيئات مختلفة متعددة الأطراف تكون مهمتها تنسيق وتحسين السياسة القمعية بشأن المخدرات .
فتضمنت اتفاقية تشنغن بين الدول الأوربية لعام 1985 واتفاقيات تطبيقها لعام 1990 في بعض
فصولها مسائل قانون المخدرات وتطبيقه.
وتم إنشاء المكتب الجنائي الأوربي استناداً إلى اتفاقية ماسترخ.
وعلى الأساس نفسه أنشأت الهيئة الأوربية لشؤون المخدرات ومقرها لشبونة لتبادل المعلومات واعداد الأبحاث حول المخدرات والرقابة عليها.
وعلى المستوى العربي تعمل البلاد العربية مع بعضها البعض تحت مظمة الجامعة العربية لمواجهة
مشكلة المخدرات في النطاق العربي.
فقد أنشئت جامعة الدول العربية المكتب العربي لشؤون المخدرات عام 1961 ، الذي كان حتى عام 1985 أحد مكاتب المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ثم انتقل إلى مجلس وز ا رء الداخلية العرب. والغرض من إنشاء هذا المكتب هو مراقبة التدابير المتخذة والتي ستتخذ في كل دولة من دول الجامعة العربية لمكافحة زراعة المخدرات وصناعتها وتعاطيها والاتجار بها داخل حدودها والعمل على منع تهريبها من تلك الدول واليها.
وينظم هذا المكتب باستمرار اجتماعات دورية بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية له ضع الخطط والاستراتيجيات اللازمة للتصدي لمشكلة المخدرات .
ويتعاون مع المنظمات والأجهزة الدولية التي تشترك معه في الغرض سواء بتبادل البحوث والدراسات العلمية أو الاشتراك بالمؤتمرات والندوات.
ولعل من أكبر إنجازاته إعداد القانون العربي الموحد للمخدرات ، والإستراتيجية العربية للاستعمال
غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية اللذين اعتمدهما مجلس وزراء الداخلية العرب عام 1986 .
وقد عدلت أكثر البلاد العربية قوانين المخدرات المطبقة لديها أو سنت قوانين جديدة مستوحاة من القانون المذكور ومنها قانون المخدرات السوري رقم 2 الصادر بتاريخ 12 نيسان 1993 .
2) التطور التشريعي لقانون المخدرات في الجمهورية العربية السورية:
أصدر المشرع السوري في مطلع القرن العشرين عدة قوانين تقضي بتجريم التعامل ببعض المواد
المخدرة المعروفة في سورية.
وكان أول قانون ينظم الاتجار بالمخدرات هو قانون 14 كانون الثاني 1922 .
وبتاريخ 6 آذار 1926 صدر قرار يقضي بمنع زراعة القنب الهندي ونص على معاقبة من يخالف هذا القرار بالحبس والغرامة .
ونظراً لتزايد ظاهرة انتشار المخدرات أصدر المشرع القانون رقم 193 بتاريخ 28 آب 1934 القاضي بمعاقبة حيازة وصنع واستيراد وتصدير المواد المخدرة.
وفي عام : 1949 أصدر المشرع السوري قانون العقوبات رقم 148 الذي تضمن فصلاً مستقلاً
تناول فيه موضوع تعاطي المسكرات والمخدرات فعاقب في المادتين 616 و 617 على تعاطي المواد المخدرة و حيازتها والاتجار بها وزراعتها وتسهيل تعاطيها بعقوبات الحبس والغرامة ، وبعد فترة وجيزة صدر القانون رقم 80 لعام 1950 الذي نظم الاتجار بالمواد المخدرة واستيرادها وتصديرها وتعاطيها ووصفها من الأطباء وبيعها في الصيدليات.
وفي الفصل الثامن من القانون رقم 80 أحال المشرع مخالفات أحكام هذا القانون على قانون العقوبات رقم 149 لعام 1949.
وفي عيد الوحدة بين سورية ومصر صدر القانون رقم 182 لعام 1960 المتعلق بمكافحة
المخدرات .
فجاء هذا القانون شاملاً ومحيطاً بجميع المسائل المتعلقة بالاتصال المشروع وغير المشروع
بالمخدرات .
وقد ارتأى المشرع السوري بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على تطبيق القانون رقم 183 لعام 1960 إصدار قانون جديد ولا سيما أن مشكلة المخدرات بدأت تنمو وتتفاقم،
فصدر القانون رقم 2 بتاريخ 12 نيسان 1993 الذي أطلق عليه تسمية قانون المخدرات والمستوحى بشكل أساسي من القانون العربي الموحد للمخدرات النموذجي، وقد انطوى هذا القانون الجديد على تشديد متوازن لعقوبات جرائم المخدرات حسب خطورتها وآثارها، وزيادة ملحوظة لمقدار الغرامات ونص على مصادرة الأموال التي يكون مصدرها إحدى هذه الجرائم، كما أتاح لمتعاطي المخدرات فرص العلاج واعادة التأهيل.
3) السياسة الجنائية المتبعة لمكافحة جرائم المخدرات في الجمهورية العربية السورية:
يقصد بالسياسة الجنائية
(مجموع المبادئ التي ترسم لمجتمع ما في مكان وزمان معينين اتجاهاته الأساسية في مكافحة ظاهرة الجريمة والوقاية منها وعلاج السلوك الإجرامي )
وبناء على ذلك فقد ترك المشرع السوري رسم الخطة العامة التي تتعلق بمكافحة جرائم المخدرات
للجنة الوطنية لشؤون المخدرات .
فقد نصت المادة 68 من القانون رقم 2 لعام 1993 2 على أن تنشأ بقرار صادر عن رئيس مجلس
الوزراء لجنة تتمثل فيها الجهات المعنية تسمى اللجنة الوطنية لشؤون المخدرات .
وتختص هذه اللجنة بالأمور التالية:
1- وضع سياسة عامة لاستيراد المواد المخدرة وتصديرها وانتاجها وصنعها وزراعتها وتملكها
وحيازتها واحرازهاا والاتجار بها وتسليمها. ووضع سياسة عامة لمكافحة الجرائم المنصوص عليها في قانون المخدرات .
2- تنسيق التعاون بين مختلف الوزارات والإدارات المختصة بشؤون المخدرات والجهات الدولية والعربية ذات العلاقة.
3- تحديد كمية المواد المخدرة التي يجوز استيرادها أو تصديرها أو نقلها أو انتاجها أو زراعتها أو الاتجار بها سنوياً.
4- وضع خطط الوقاية والعلاج في مجال مكافحة الاستعمال غير المشروع للمواد المخدرة.
ويستفاد من هذه القواعد التي أشارت إليها المادة 68 من قانون المخدرات أن اللجنة الوطنية
لشؤون المخدرات هي التي تحدد مدى حاجة الجمهورية العربية السورية إلى المواد المخدرة التي تستعمل لأغراض مشروعة، والطرق التي يجب سلوكها لاقتناء هذه المواد ونقلها وتسليمها واستلامها، وانتاجها إذا اقتضى الأمر .
والقرارت التي تصدرها هذه اللجنة والخطط التي تضعها لابد أن تكون واضحة ودقيقة لا يجوز
تجاوزها أو تخطيها لأن ذلك قد يؤدي إلى عرقلة السياسة الجنائية المتبعة لمكافحة جرائم المخدرات .
.