يلجأ صاحب الحق عن طريق الدعوى إلى عدالة الدولة لاقتضاء حقه أو حمايته بمواجهة من ينكره أو يعتدي عليه، وبعد رفع الدعوى قد يجد لأسباب تعود إليه أنه لا يرغب بمتابعة الخصومة، أو أنه ولذات الأسباب وجد أنه من المناسب له أن يتنازل عن الدعوى والحق معاً، وبذلك تنتهي الخصومة في الدعوى دون إصدار حكم في الموضوع. لهذا سوف نبين حكم القانون في مسألتي التنازل عن الدعوى والتنازل عن الحق المدعى به في الدعوى وآثار ذلك في الفقرتين الآتيين:
أولاً : التنازل عن الدعوى
يعد التنازل عن الدعوى من عوارض المحاكمة التي تحول دون صدور حكم في الدعوى، ويعني التنازل عن الدعوى ترك الخصومة من قبل المدعي بإرادته دون صدور حكم فيها، لأنه وجد من مصلحته عدم متابعة السير فيها بعد أن رفعها وتحمل مصاريفها لأنه وجد إمكانية الوصول إلى حدودي مع خصمه، أو لأن الأدلة اللازمة لإثبات الحق غير متوافرة لديه في الوقت الراهن، أو لأنه رفعها أمام محكمة غير مختصة، وإن المحكمة سوف تصدر حكمها بها بعدم الاختصاص، وأن الأفضل هو أن يقيمها من جديد أمام المحكمة المختصة، وعلى ذلك فإن التنازل عن الدعوى لا تصور إلا من قبل المدعي سواء كان الادعاء أصلياً أم متقابلاً أو مجرد ادعاء فرعي، وعلى ذلك فإن التنازل عن الدعوى هو سمة من سمات الدعاوی المدنية وما في حكمها بخلاف الدعاوى الجزائية التي لا يصح فيها التنازل عن الحق العام.
لذلك، فالتنازل عن الدعوى هو تصرف إرادي يتم بالإرادة المنفردة من حيث المبدأ إذ يجوز التنازل في أي وقت بناء على طلب المدعي طالما أن المدعى عليه لم يبد أي طلبات أو دفوع فيها، أما إذا حضر المدعى عليه وأبدى طلباته ودفوعه فيها فلم يعد يحق للمدعى التنازل عن الدعوى بغير موافقة هذا الأخير.
كما يجوز التنازل عن جميع الدعاوی طالما أنها لا تتعلق بحقوق الغير، أو لم يترتب عليه إنشاء مراكز قانونية لهذا الغير، وعليه يجوز التنازل عن الدعاوى العادية والإدارية ويجوز التنازل عن دعاوی مخاصمة القضاة وردهم، ويجوز التنازل عن الاستئناف وعن الطعن بالنقض بعد رفعهما،
أما التنازل عن طريق من طرق الطعن قبل ثبوته مخالف للقانون وغير جائز لأنه يتعلق بتنظيم العدالة ويتصل بالنظام العام، أما بعد ثبوت الحق فيجوز التنازل عنه ولو لم يتم استعمال هذا الحق. إلا أن التنازل عن الدعوى يستلزم تحقق بعض الشروط ، وتترتب على التنازل أثار قانونية.
أولا- شروط التنازل عن الدعوى:
يجب لصحة التنازل عن الدعوى أو ترك الخصومة تحقق شرطين هما التعبير الصريح عن إرادة المدعي أو من يمثله بالتنازل، وقبول المدعى عليه في حال تبليغه الدعوى بهذا التنازل وذلك وفق الآتي:
– التعبير الصحيح عن إرادة المدعي بالتنازل:
يتم التنازل عن الدعوى بالتعبير الصريح عن إرادة حرة جازمة بالتنازل وفقا للواعد العامة اللازمة لقيام وصحة التصرفات القانونية من وجوب الرضا والأهلية وخلو الإرادة من عيوب الغلط أو التدليس أو الإكراه، وأن يكون سبب التنازل مشروعة، وأن لا يكون التنازل موصوفة، أي غير معلق على شرط أو مرتبط بأجل، ويكون التنازل صريحا عندما يتم بإقرار على محضر جلسة المحاكمة، أو بمذكرة خطية، ويستطيع طالب التنازل فتح الجلسة في أي وقت لتثبيت تنازله عنها طالما لم يتم إتبليغها إلى خصمه، أما بعد الإعلان فإن التنازل لا ينتج مفاعليه إلا بتبليغة إلى ذلك الخصم.
– قبول المدعى عليه بالتنازل:
يحتاج التنازل عن الدعوى إذا قدم المدعى عليه طلباته ودفوعه فيها إلى موافقته على التنازل، إلا أنه لا يلتفت إلى اعتراضه على التنازل إذا كان قد دفع بعدم اختصاص المحكمة أو بإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى أو ببطلان استدعاء الدعوى أو طلب غير ذلك مما يقصد به منع المحكمة من المضي في سماع الدعوى لأنه لا يقبل أي طلب أود دفع ليس لصاحبه مصلحة قائمة فيه. أما إذا لم يحضر المدعى عليه ولم يبد أي طلبات أو دفوع في الموضوع فلا حاجة لقبوله أو موافقته على تنازل المدعي عن الدعوى.
ثانياً- آثار التنازل عن الدعوى:
يترتب على التنازل عن الدعوى زوال الخصومة بكل إجراءاتها وما ترتب عليها من آثار، وهذا ما أكدته المادة (1 / 1) أصول محاكمات بالنص على أنه ((يترتب على التنازل عن الدعوى إلغاء جميع إجراءات الخصومة بما في ذلك استدعاء الدعوى))، وهي بشكل خاص الآتي:
1- التنازل عن الدعوى إبطال لاستدعائها وإلغاء لكل إجراءات الخصومة وما ترتب عليهما من آثار، فلو كان قد تم إلقاء حجز احتياطي، أو تم وضع إشارة دعوى على صحيفة عقار وتم التنازل عن الدعوى عد الحجز كأنه لم يكن، وترفع إشارة الدعوى.
2- لا يؤثر التنازل عن الدعوى على الحق المدعى به فيها، حيث يكون للمدعى الحق برفع الدعوى به طالما لم يسقط بالتقادم، ولا يعد التنازل عن الدعوى إبراء الذمة المدعى عليه بما تم الادعاء عليه به.
3- لا يترتب على التنازل عن الدعوى سقوط إقرارات الخصوم أو الإيمان التي تم حلفها، ولا إجراءات التحقيق التي تمت فيها من معاينات وخبرات فنية مالم تكن باطلة بذاتها.
4- يترتب على التنازل عن استدعاء الاستئناف زوال صحيفة الاستئناف واعتبارها كأنها لم تكن وكافة الإجراءات التي اتخذت بالاستناد إليها أمام محكمة الاستئناف إلا أن ذلك لا يمنع من رفع استئناف آخر مالم يكن الحق بالاستئناف قد سقط أتنازل صاحبه عنه، أو لفوات الميعاد القانوني لرفعه. كما أنه لأي خصم في الدعوى أن يتنازل عن أي ورقة أو إجراء تم فيها بموافقة خصمه وبإذن المحكمة، ويعد في هذه الحالة كل من الإجراء أو الورقة المتنازل عنهما كأنهما غير موجودين أصلا في الدعوى.
ثانياً : التنازل عن الحق مضمون الدعوى
أعطى القانون الحق للمدعي أن يتنازل عن الدعوى التي أقامها في أي وقت بالشروط التي سبق بيانها عطاء الحق ذاته بالتنازل عن الحق المدعى به فيها، ويشمل التنازل عن الحق التنازل عن الدعوى حكمة، إلا أنه يترتب على هذا التنازل الآثار الآتية:
1- يفيد التنازل عن الحق سقوطه، وبالتالي لم يعد من الجائز التمسك بالمطالبة به أمام القضاء، وإن كان يبقى يشكل التزاما طبيعيا بذمة المدين. فإذا قام هذا الأخير بالوفاء به فإن وفاءه له يكون صحيحاً، ولا يستطيع أن يرفع الدعوى باسترداده على أساس دفع غير المستحق.
2- إن التنازل عن الحق في الدعوى يعني التنازل عن الدعوى، وإن هذا التنازل يكون نهائية فلا يستطيع بعدها إقامة الدعوى ثانية بالحق المدعى به فيها.
3- يفيد التنازل عن حكم قضائى التنازل عن الحق الثابت فيه وسقوط ذلك الحق، ويعتبر الحكم
ومضمونه كأنهما لم يكونا، وبالتالي فلم يعد من حق المتنازل إقامة الدعوى، ولا الادعاء بالحق المحكوم به.