الإجراءات القضائية عند النظر في قضايا الحوادث المرورية
لا يخفى على أحد كثرة الحوادث المرورية وتشعبها وتنوعها وحجم التلفيات في الممتلكات والأرواح واختلاف ذلك بين قضية وأخرى لذا نجد ونلمس كثرة التعاميم والأنظمة والإجراءات القضائية المختلفة التي تعالج هذه القضايا وفي هذا المبحث سأشير إلى أبرز الإجراءات المتبعة عند التقاضي في الحوادث المرورية وسألتزم الاختصار لتشعب الموضوع وطوله.
1 – الدوائر المرورية
نظرا لأهمية القضايا المرورية وما يترتب عليها من أحكام وحاجة للنظر والتدقيق والتأمل لذا نصت المادة التاسعة عشرة من نظام القضاء على ما يلي: (تؤلف المحاكم العامة في المناطق من دوائر متخصصة يكون من بينها دوائر للتنفيذ وللإثباتات الإنهائية وما في حكمها الخارجة عن اختصاصات المحاكم الأخرى وكتابات العدل، وللفصل في الدعاوى الناشئة عن حوادث السير وعن المخالفات المنصوص عليها في نظام المرور ولائحته التنفيذية وتتكون كل دائرة فيها من قاض فرد أو ثلاثة قضاة وفق ما يحدده المجلس الأعلى للقضاء).
وهذا يعتبر من أهم الإجراءات عند التقاضي في القضايا المرورية وهو ضمان من ضمانات العدالة وتحقيق للمصلحة العامة لأن القضايا المرورية في أغلبها قضايا مستعجلة لا تحتمل التأخير فقد يترتب على تأخير البت فيها خسائر ومشقة على المتضرر.
۲ – تركيز نسبة الإدانة
ويقصد بها ما يرفعه المدعي العام على المدعى عليه مرتكب المخالفة التي تسبب في الحادث المروري موضحاً في دعواه سبب الدعوى ووصف للحادث ونسبة الإدانة المراد تثبيتها على المدعى عليه ومن ثم تعرض على المدعى عليه فإن أقرّ بها حكم عليه بتثبيت نسبة الإدانة وأفهمه القاضي بالعقوبة والجهة التي ستتولى ذلك وإذا كان تم وفاة في الحادث فيفهمه القاضي بما يستوجب عليه من كفارة قتل الخطأ.
وسأذكر هنا مثالا لقضية فيها إثبات نسبة الإدانة حيث حضر المدعي العام وادعى على الحاضر معه… قائلا في دعواه: إنه بتاريخ… وقع حادث دهس لأحد المشاه ، من قبل المدعى عليه أثناء قيامه بممارسة التفحيط على سيارة من نوع… تحمل اللوحة رقم … بأحد الشوارع وكان الشخص المدهوس واقفًا بأرض فضاء ، وقد ارتكب المتهم الفرار بعد ذلك، وصدر بحق الشخص المدعو تقرير طبي تضمن إصابته بإصابات متعددة وبضبط شهادة أحد الشهود، أفاد بمشاهدته لتلك السيارة وهي تمارس عملية التفحيط، ومن ثم دعس أحد المشاه وارتكاب قائدها للفرار، وباستجوابه أقر بمسؤوليته عن الحادث بنسبة ١٠٠٪ ، وصدق اعترافه بذلك شرعاً،
وقد خلص التحقيق معه إلى المسؤولية عن الحادث بنسبة ١٠٠% لممارسة عملية التفحيط حسب شهادة الشاهد، وهروبه من الموقع وعدم إسعاف المصاب ولعدم الانتباه واتخاذ الحيطة والحذر وحيث إن ذلك موجب للمسؤولية طبقًا لنظام المرور أطلب إثبات إدانته عن الحادث بالنسبة المشار إليها علاه، وإفهامه أن عقابه عن ذلك عائد للجهة المختصة.
وبعرض الدعوى على المدعى عليه صادق عليها وأقر بمسؤوليته عن الحادث فبناء على ما تقدم فقد ثبت لدي إدانة المدعى عليه في التسبب في دهس أحد الأشخاص ١٠٠٪ وأفهمته أن عقابه من قبل الجهة المختصة».
3- تقرير التلفيات
عند الاختلاف بين المتصادمين على القيمة وعدم اتفاقهما على مبلغ معين ووصول القضية للمحكمة لابد من تقدير السيارة قبل الحادث وبعد الحادث ثم يحكم القاضي بالفرق بين القيمتين وهذا ما نص عليه التعميم رقم ١١٢٨/٥/١٣ في ١٤١٨/١١/١٠هـ ومما جاء فيه :
( … يتم العمل بموجب ما سبق أن أفتى به سماحة رئيس القضاة – رحمه الله – لقاضي محكمة نعام بخطاب سماحته في ١٣٨٧/٦/١٤هـ المتضمن أنه ينبغي تقدير قيمة السيارة قبل الصدم ثم تقدر قيمتها بعد الصدم لمعرفة مقدار النقص بواسطة أهل الخبرة في مثل هذا …) .
4- مكان إقامة الدعوى :
من المعلوم أن الأصل أن الدعوى تقام في بلد المدعى عليه ولكن في الحوادث المرورية جعل الخيار للمدعي في تحديد مكان الدعوى حيث نص التعميم رقم ١٢٣ / ١٢ / ت في ١٤٠٢/١٠/١٢هـ على ما يلي: (… قضايا الحوادث التي تقع في بلد غير بلد المدعى عليه ويطلق فيها المدعى عليه بالكفالة الحضورية يكون المدعي ) فيها بالخيار بين إقامة دعواه لدى محكمة البلد الذي وقع الحادث في دائرته وبين إقامتها في بلد المدعى عليه).
ه – تقدير الإصابات والأروش:
إذا نتج عن الحادث إصابات وتلفيات في النفس أو عضو من الأعضاء أو شجاج وجروح فإن القاضي ينظر في التقارير الطبية المعتمدة ويحيلها إلى مقدر الشجاج بالمحكمة الذي بدوره يجتهد في تحديد الإصابات وهل هي مقدرة شرعًا أم فيها حكومة ومن ثم يحدد قيمتها سواءً كان التلف في العضو أو منفعته.
ويمكن محاولة الصلح بين الأطراف على مبلغ معين يرضي الطرفين وبعد عرضها على القاضي يطبق القواعد الشرعية ويتأكد من التقدير ويحكم بما يراه موافقا للحق.
٦ – وفاة الأجنبي في الحادث المروري:
كثيرًا ما تقع الحوادث المرورية ويذهب أحد المقيمين ضحيتها وقد حرص المسؤولون على تسهيل الإجراءات على أهل الضحايا وتسليم الجثمان والدية وغيرها من الحقوق، ومن ذلك التعميم الصادر من وزارة الداخلية رقم ٦٧٣٧٨ في ١٤٠٤/١٢/٢٥هـ حيث جاء فيه:
(١) – في الحالات التي يودع فيها المتسبب في وقوع الحادث المروري الدية كاملة ويقر بمسؤوليته بنسبة ١٠٠٪ فإنه يكون على جهة التحقيق إحالته للمحكمة الشرعية للتصديق شرعًا على إقراره وموافقته على استحقاق ورثة المتوفى الأجنبي لكامل الدية التي أودعها وعدم معارضته في إرسال الدية إليهم فإذا صدق شرعًا على إقراره بذلك فإنه لا يطلب حضور الورثة، ولكن تخطر القنصلية التابع لها المتوفى لتقديم المستندات لصفة الورثة وطلبهم الدية وعند تقديمها تسلم الدية للقنصلية لتسليمها إليهم…).
۷ – اختصاص ناظر الحق العام بالنظر في الحق الخاص:
جاء في التعميم رقم ق / ١٣/٣٤٠٠ في ١٤٢٩/٦/٤هـ المبني على توصيات ندوة رؤساء المحاكم الخامسة المنعقدة في الدمام في الفترة الثامن ما نصه:
( اختصاص المحاكم التي تنظر في إثبات نسبة الإدانة في الحوادث المرورية للحق العام بالنظر في الحق الخاص الناتج عن الحادث المروري ولو كان مقداره زائدا عن الاختصاص النوعي للمحكمة وذلك وفقا لما تنص عليه المادة (١٤٨) من نظام الإجراءات الجزائية.
8- توريث المستبب في موت مورثه في الحوادث المرورية
وصورة هذه المسألة كمن يقود السيارة ومعه مورثه كوالده أو والدته أو زوجته أو ابنه أو غيرهم ثم تنقلب السيارة بتفريط من قائدها فيموت مورثه هل له الحق في أن يرث من ضمن الورثة وهو السبب في موته؟
صدر بهذا الخصوص قرار مجلس هيئة كبار العلماء ذي الرقم ٢١١ في ١٤٢٣/٦/١٢هـ والمتضمن رأي الأكثرية من أعضاء هيئة كبار العلماء توريث المتسبب في الحادث من مورثه ، مالم تقم تهمة بتعجله موت مورثه وتقدير ذلك عائد للقاضي وقد عمم د ذلك على المحاكم بالتعميم ذي الرقم ق / ١٣/٢١٠١ في ١٤٢٣/١٠/٢٦هـ.
9 – دعوى الإعسار عن دفع الدية في الحوادث المرورية
إذا توجهت الدية على شخص بسبب حادث مروري وألزم بدفع الدية للورثة ثم دفع بعدم استطاعته وأنه معسر فإن دعواه الأعسر لا تسمع إلا بشروط نص عليها التعميم ذي الرقم ت/٩٦/١٢ في ١٤٠٢/٧/١٨هـ وهي:
أ – لا تنظر الدعوى إلا بعد صدور الموافقة السامية على نظرها شرعًا بمواجهة بيت المال وتتولى وزارة الداخلية الرفع للمقام السامي.
ب – لا تنظر الدعوى إلا إذا كان الجاني سعودي الجنسية أو كان المجني عليه سعودي الجنسية والجاني أجنبي الجنسية.
جـ – يكون إثبات الإعسار في دية قتل الخطأ بمواجهة ورثة القتيل سواء كان مدعي الإعسار عاقلة الجاني إذا توجهت الدية عليهم شرعًا أو الجاني في الحالات الأخرى.
١٠ – تحمل بيت المال دية المتوفى في الحوادث المرورية
يتحمل بيت المال دية المتوفى في الحوادث المرورية في الحالات
التالية:
1 – إذا كانت الدية على العاقلة وأعسرت عن دفعها أو عدمت العاقلة.
۲ – إذا أعسر الجاني عن دفعها.
3 – إذا كان الجاني مجهولاً.
كما جاء النص على ذلك في التعميم رقم ت/٩٦/١٢ في ١٤٠٢/٧/١٨هـ.
11 – إيداع الدية في بيت المال
يحق للمتسبب في الحادث المروري إيداع الدية كاملة أو بمقدار ما يتقرر عليه وقد جاء ذلك في قرار مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة ذي الرقم ٥٧٤/٥ في ١٤١٧/١٢/٧هـ والمتضمن أن المجلس بهيئته الدائمة لا يظهر له ما يمنع من إجابة طلب الجاني من حصر الكفالة الغرمية أو الرهن أو إيداع المبلغ بمقدار الإدانة حسب تقرير النسبة على أن القاضي لا يتقيد بالنسبة إلا إذا قامت محاكمة وإنما يحكم بما يثبت من حق ادعي به
۱۲ – العقوبات في الحوادث المرورية
سبق وأن فصلنا في مسألة التعزير في الحوادث المرورية والمخالفات التي يرتكبها قائد المركبة وأشير هنا إلى أن التعزير بابه واسع وقد يصل إلى القتل خصوصًا مع تكرار المخالفة وحصول الأذى والوفيات ولهذا سوابق قضائية عديدة فقد حكم على شخص مارس التفحيط ومات معه شخصين بالقتل تعزيراً نظراً لتكرار المخالفات منه ولأن مثل هذا الفعل يغلب على الظن أنه يقتل وأحب الإشارة هنا إلى مثل هذا ليحذر كل قائد للسيارة من التصرف بها بما لا يليق أو المخالفة الشديدة التي تؤدي إلى الموت والقتل.
جمع وعداد محمد بن ابراهيم الصائغ- قاضي المحكمة العامة بمحافظة تيماء