تبرز خصوصية عقد تقديم الاستشارة القانونية في كل مرحلة من مراحلة ، ابتداءاً من تكوينه ومروراً بتنفيذه وانتهاء بانقضائه .
فعند تكوينه نجد خصوصيته في ركون المستفيد إلى المهني المتخصص ، مستنداً في اختيار هذا المهني إلى الاعتبار الشخصي في أبرام عقد تقديم الاستشارة القانونية ، وعند التنفيذ تضفي على طرفيه التزامات غير تقليدية ، وهي الالتزامات التي تسمى بالمهنية ، وعند انقضائه نجد خصوصية هذا العقد في دفع أطرافه إلى عدم الأخذ بالحلول التقليدية فيما يتعلق بفسخ العقد والذي يتجلى في بقاء بعض الالتزامات حتى بعد انقضاء العقد ومثالها الالتزام بالسرية الذي يوصف بأنه التزام مؤبد .
ولكل ما تقدم فأننا نقسم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع على النحو الآتي :
الفرع الأول : عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد مهني
الفرع الثاني : عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد يقوم على الاعتبار الشخصي
الفرع الثالث : عقد تقديم الاستشارة عقد منشیء لالتزامات خاصة
الفرع الأول : عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد مهني
عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد مهني عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد يبرم مع مهني متخصص في مجال القانون ويقدم أداء يحتاج اليه المستفيد ،
وعليه فأن المستشار القانوني يعد ممارسة لمهنة حرة ومن ثم يصبح عقده مع المستفيد عقد مهني فهذا العقد تعتمد فيه الالتزامات الجوهرية ( كالالتزام بتقديم الاستشارة والالتزام بالسرية ) وحتى الثانوية على الأداء الذهني لأحد أطرافه أي أن للعقل الأثر البارز في هذا العقد.
ولا يوجد عمل إيجابي بدون أن يكون للعقل دور فيه ، وأن كان دور العقل في بعض الأعمال يبدو ضئيلاً فأن هذا الدور يتسع ويتعاظم في العقود التي يبرمها أصحاب المهن الحرة ، ومن الأمثلة على العقود المهنية ، العقود المبرمة مع المحامي و المهندس المعماري والطبيب ، حيث إن هذه العقود تعتمد على نتاج ذهن المهني وقريحته.
فعقد المستشار القانوني مع المستفيد عقد مهني يمارس فيه المستشار مهنته على وجه الاستقلال ، كونه يتمتع بمهارات فنية خاصة ويمتلك معارف متميزة يقدمها للمستفيد على وجه الاستقلال ، وهذا الاستقلال يتحقق للمستفيد المتعاقد مع المستشار أيضا.
ومن الجدير بالذكر إن عقد تقديم الاستشارة القانونية يلتقي مع طائفة العقود المهنية من عدة جوانب ، فمن جانب تقترب الالتزامات الملقاة على عاتق المستشار القانوني من طبيعة الاداءات التي يتعهد بها أصحاب المهن الحرة من حيث الاعتماد على الأداء الذهني والعقلي في تنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقد ،
ومن جانب ثاني فأن المستشار بمقتضی عقد تقدیم الاستشارة لا يلتزم سوى ببذل عنايته في سبيل توصيل المستفيد إلى الهدف الذي يبتغيه من الاستشارة ، فالتزامه ليس بنتيجة بل بوسيلة ، ولا يوجب عليه سوى بذل جهدأ معينة أو عناية التحقيق الهدف الذي يسعى اليه المستفيد وهو الاستفادة من الاستشارة ، فالمستشار باعتباره مهنياً ملتزم باحترام العناية التي وعد بها وأن يؤدي عمله على نحو يكفل به تأكيد ووجود مبدأ الاستقلال .
وهذا عين التزام المهني في عقود أصحاب المهن حيث لا يلتزم في الأصل إلا ببذل عناية ، ومن جانب ثالث فان البعض يعد عقد تقديم الاستشارة القانونية من عقود المقاولة)، وهو بهذا يقترب من عقود المهن الحرة التي تعد صور من صور عقد المقاولة ، وهذا ما سيتم بحثه بالتفصيل في مواضيع قادمة.
الفرع الثاني : عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد يقوم على الاعتبار الشخصي
عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد يقوم على الاعتبار الشخصي على الرغم من تنوع واختلاف الخدمات ذات الطبيعة الذهنية والعقلية ، إلا انه يوجد عدد من السمات المشتركة بين هذه الخدمات على اختلاف أنواعها ، وأهم هذه السمات أنها تقوم على الاعتبار الشخصي .
ويعد عقد تقديم الاستشارة القانونية من العقود القائمة على الاعتبار الشخصي ، كالسمعة والكفاءة العلمية والأمانة وما قام به المستشار القانوني من أعمال أكسبته تجربه وخبرة كافية.
وهذه الخبرة والتجربة بدورها تجعل من شخصية المستشار موضع اعتبار خاص في العقد ، فالمستفيد ينظر إلى المستشار القانوني نظرة العارف والعالم بكل ما يتصل بموضوع الاستشارة القانونية، وأنه ينظر أليه على انه سيجد عنده الحل الأفضل لما يواجهه من مشکلات ، فالمستفيد ينظر للمحامي باعتباره المدافع عن الحقوق والحريات ، لذلك يحرص المستفيد عندما يروم التعاقد على التحقق من توفر هذه المؤهلات الشخصية للمستشار القانوني ، ولا يتعاقد إلا مع من يجد أنه مؤهل لتقديم الاستشارة القانونية ، ولهذا كان عقد تقديم الاستشارة القانونية من عقود الاعتبار الشخصي ، ويترتب على كون شخصية المستشار القانوني محل اعتبار في عقد تقديم الاستشارة القانونية ، أن يكون المستشار القانوني شخصا طبيعياً دائماً .
ويرى البعض أن هذا القول غير دقيق ، وذلك لأن الثقة المتولدة عند المستفيد تبقى تلازم شخص المستشار القانوني ولا فرق في ذلك بين كونه شخصأ طبيعاً أو معنوياً .
ففي حالة تقديم الاستشارة القانونية عن طريق المكاتب الاستشارية أو عن طريق شركة التقديم الاستشارة القانونية مثلا فأن العلاقة والرابطة الشخصية تقوم في هذه الحالة بين المستفيد من جهة وبين من يمثله الشخص المعنوي أمام الغير من جهة أخرى ، أي إن الثقة الممنوحة للشخص المعنوي تتمثل في شخص مديره الذي يمثله قانونا أمام الغير .
والحقيقة أن الأشخاص الذين يملكون المعرفة التي يملكها المستشار القانوني كثيرون ، ولكن اختيار مستشار قانوني محدد يعني وجود ثقه ، ليس فقط في المعلومات والمعرفة التي يملكها أنما أيضا في شخصه وسلوكياته ، هذا وتعتبر مهنة تقديم الاستشارة القانونية من المهن الحرة ، أذ أصبحت كلمة مشورة أو استشارة موضوعة للعديد من المهن الحرة كالمحامين المستشارين ، المهندسين المستشارين ، المستشارين الماليين وغيرها من المهن التي لا تقع تحت دائرة الحصر ، إضافة إلى أن التطور العصري وسع من دائرة الالتزام بتقديم الاستشارة إلى عدة مهن متنوعة لتشمل أنواع الخدمات الفكرية كافة ، كالعقود التي تبرم بين البنك والعملاء وعقود الامتياز التجاري – الفرنشايز – وحتى انه امتد ليشمل كل بائع أو مؤجر ألة تقنية أو كل مقدم خدمة فنية ، حيث يلتزم هؤلاء بالتزام بالاستشارة تجاه عملاءهم حول كيفية استعمال هذه الآلات المتطورة التي يضعونها تحت أيديهم.
ومما تجدر ملاحظته أن عقد تقديم الاستشارة القانونية قد يشتبه مع غيره من العقود في خصيصاً الاعتبار الشخصي ، ويكمن تميزه عن هذه العقود في إن عقد تقديم الاستشارة القانونية لا يقوم إلا على الاعتبار الشخصي في حين أن العقود الأخرى تعتبر أن الاعتبار الشخصي أصلاً يمكن أثبات خلافه ولا يقدح في صحة هذه العقود عدم توفر هذا الاعتقاد لدى أطرافها في حين نجد أن انتفاء هذه الصفة في عقد تقديم الاستشارة القانونية ينفي عنه صفة العقد على الاتفاق الواقع بين أطرافه وهذا ما نصت عليه المادة / ۲/۸۸۸ من القانون المدني العراقي بنصها
((وتعتبر دائمة شخصية المقاول محل اعتبار في التعاقد اذا أبرام التعاقد مع فنان أو مهندس معماري أو مع غيرهم ممن يزاولون مهنا حرة أخرى …….. )) .
ومن الجدير بالذكر إن من أثار اعتبار عقد تقديم الاستشارة القانونية من عقود الاعتبار الشخصي ، أنه في حالة موت المستشار القانوني أو فقد أهليته فأن العقد المبرم بينه وبين المستفيد ينقضي ولا ينتقل العقد إلى ورثته وذلك لأن الثقة التي منحها المستفيد للطرف الآخر – المستشار القانوني – منحها لشخصه فلا يتصور أن تنتقل بعد ذلك إلى ورثته بدليل نص المادة / 1/۸۸۸ من القانون المدني العراقي على
(( تنتهي المقاولة بموت المقاول اذا كانت مؤهلاته الشخصية محل اعتبار في التعاقد …….)).
أما المستفيد فلا يؤثر موته أو فقده لأهليته على العقد ، بل يبقى قائمة بين المستشار وورثة المستفيد الذين يحلون محله في العقد طبقا للقواعد العامة .
ويشار تساؤل في هذا الصدد ما اذا كان الورثة يمارسون النشاط ذاته الذي كان يمارسه المستشار القانوني فهل ينتقل العقد في هذا الصدد إلى الورثة ؟
يقرر الفقه في الجواب على هذا التساؤل أن الثقة والأمانة التي أعطاها المستفيد للمستشار القانوني لا تسمح بانتقال العقد إلى الورثة ،
فاذا كان الورثة يمارسون نفس نشاط المستشار القانوني ورغب المستفيد في أن يستمر العمل مع الورثة ، فأن عليه أن يبرم عقد جديد مع الورثة ،
ويعد هذا العقد الجديد بمثابة منح ثقة للورثة بموجبها يستطيعون تقديم الاستشارة القانونية ، فاستمرار تلك الثقة التي كانت للمورث وانقطعت بالوفاة ، منوطة بشرطين ، الأول اذا رغب المستفيد في الاستمرار والثاني أن يبرم عقد جديد مع الورثة ، ومن ذلك كله يمكن القول أن الأصل في عقد تقديم الاستشارة القانونية أنه لا ينتقل للورثة بوفاة المستشار القانوني ، إلا أنه يرد استثناء على ذلك في انه أذا رغب المستفيد في الاستمرار أن يبرم عقد جديد مع الورثة.
وهنا نتسأل هل يترتب على الاعتبار الشخصي شيء آخر ؟
يترتب أيضا على الاعتبار الشخصي في عقد تقديم الاستشارة القانونية أن الحق في الزبائن لا ينتقل في حالة البيع أو الوفاة ،
فالحق في الزبائن يعد عنصراً جوهرياً من عناصر المحل التجاري يمكن تقويمه ويقبل الانتقال أما في عقود الاعتبار الشخصي فأنه لا يتصور انتقالهم لأن شخصية المستشار محل اعتبار بالنسبة لهم ،
ومثال ذلك أذا باع المحامي مكتبه فأن الحق في زبائنه لا ينتقل إلى المشتري الجديد للمكتب لأن شخصية المحامي في التعامل مع الزبائن محل اعتبار .
الفرع الثالث : عقد تقديم الاستشارة عقد منشیء لالتزامات خاصة
عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد منشئ لالتزامات خاصة تبينا لنا فيما سبق أن عقد تقديم الاستشارة هو عقد ملزم للجانبين بمعنى أنه ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين.
فهناك طائفة من الالتزامات تقع على عاتق المستشار ، ويقابلها في ذات الوقت طائفة أخرى من الالتزامات ملقاة على عاتق المستفيد ، وهذه الالتزامات بعضها ما هو تقليدي تلتقي بها جميع العقود كالالتزام بدفع المقابل والالتزام بتسليم الاستشارة .
والبعض الآخر توصف بأنها التزامات خاصة ويطلق عليها البعض التزامات غير تقليدية ، كالالتزام بالسرية ، والالتزام بالتعاون ، وان الطبيعة الخاصة لهذه العقود تتمثل في نواح عدة فتبدأ بمرحلة التفاوض وتمر بتكوين العقد وتنتهي بتنفيذ هذا العقد ، والبعض من هذه الالتزامات يبقى قائمة حتى بعد انتهاء العقد مالم يتم الاتفاق على خلاف ذلك ، كالالتزام بالمحافظة على سرية المعلومات التي اطلع عليها المستشار.
من جهة أخرى فأن هذه الالتزامات بقيت إلى وقت قريب واجبات أخلاقية تقتضيها مبادئ الشرف وأمانة المهنة ولا ترقى إلى مستوى التزامات قانونية .
إلا أن الفقه القانوني ذهب مؤخرة إلى عد هذه الالتزامات كأثر مباشر عن هذا العقد ، وهذا التطور جاء نتيجة لارتباط هذه الالتزامات بعقد حديث نسبية يعتمد على الأداء الذهني والفكري للمستشار إضافة للثقة الراسخة والمتجسدة بشخصه.
وهذا يقودنا إلى القول أن دمج هذه الالتزامات التقليدية والغير تقليدية أو الخاصة في عقد تقديم الاستشارة القانونية أضفى ميزة جديده على هذا العقد حيث سيكون المصدر المباشر لهذا الالتزامات بدلا من البحث في مصادر أخرى خارج اطار الرابطة العقدية