الشخصية الاعتبارية للشركات
مفهومها
الشخصية القانونية هي الصلاحية لثبوت الحقوق والالتزامات.
وهذه الصلاحية لثبوت الحقوق والالتزامات، كما تتوافر للشخص الطبيعي أو الإنسان، قد تتوافر للشخص المعنوي أو الاعتباري.
والشخص الاعتباري هو مجموع من الناس يبتغون تحقيق غرض معين.
وبمقتضی الشخصية الاعتبارية يحق للشركة كالفرد الطبيعي أن تكتسب الحقوق وتلتزم بالالتزامات، فيكون لها أن تشتري وتبيع وترهن وتؤجر، كما أنها تسأل مسؤولية تعاقديه و غير تعاقديه وفقاً لأحكام المسؤولية المدنية التعاقدية والتقصيرية.
حتى أنها تسأل جزائية في حدود ما يتناسب وشخصها الاعتباري كالحكم عليها بالغرامة عند مخالفة المدير للقوانين بناء على أمر الشركاء، هذا بالإضافة إلى أنه بمجرد ثبوت الشخصية الاعتبارية للشركة يمكن رفع الدعاوى عليها باعتبارها شخصية مستقلة عن شخصية الشركاء.
وقد ظهرت فكرة الشخصية الاعتبارية لأول مرة، في الشرع الإسلامي مستمدة من الحديث الشريف
“المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على سواهم”
وقد طبقت هذه الفكرة، وبصورة عملية، في الوقف والتركات والشركات و أخذ بها المشرع العثماني عند وضعه مجلة الأحكام العدلية، إذ شعر، بالنسبة للشركات، أن عقد الشركة ينشئ حقوق وواجبات مستقلة عن حقوق الشركاء وواجباتهم باعتبارهم أشخاصا طبيعيين، فرأى من الضروري تمييز شخصية الشركة عن شخصية الشركاء فاستند من أجل ذلك إلى نظرية الوكالة تارة وإلى نظرية الكفالة تارة أخرى، وعليه فكان كل قسم من شركة العقد يتضمن الوكالة، فكل واحد من الشريكين، في تصرفه، يعني في الأخذ والبيع وتقبل العمل بالأجرة وكيل الآخر.
وقد اعترف المشرع السوري بثبوت الشخصية الاعتبارية لجميع الشركات ما عدا شركة المحاصة سواء في نص المادة 58 من قانون التجارة رقم 149 لعام 1949 أو في قانون الشركات الجديد رقم (3) لعام 2008.
وقد أكد من خلال هذه النصوص أن الشركة ليست مجرد عقد مبرم بين أطرافها بل هي شخص اعتباري يستمر وجوده خلال حقبة من الزمن يمارس خلالها فعالیته ويكتسب ذمة مالية بما فيها من حقوق والتزامات ويقوم بعدد من التصرفات فإذا انقضت مدته بالانحلال وجبت تصفيته.
أما مبرر استثناء شركة المحاصة من الشخصية الاعتبارية، فيقوم على أساس أنها مجرد عقد بين الشركاء وأن الشركة غير معدة لاطلاع الغير عليها ويتم تنفيذ أعمالها باسم أحد الشركاء بصفته الشخصية، أما نتيجة هذه الأعمال وحصيلتها، فتعود لمجموع الشركاء، لذلك لا حاجة لمنح شركة المحاصة الشخصية الاعتبارية ولا لشهرها.
طبيعتها الحقوقية
اختلف الفقهاء في تفسير الشخصية الاعتبارية للشركة وتحديد طبيعتها الحقوقية، ونشأت عن اختلافهم نظريات ثلاث هي: نظرية الفرض القانوني ونظرية الوجود الواقعي ونظرية الملكية الجماعية أو ثروة التخصيص.
أولا – نظرية الفرض القانوني
قال بهذه النظرية معظم الفقهاء حتى أواخر القرن التاسع عشر، فقد اعترفوا للشركات التجارية بالشخصية الاعتبارية بشرط أن تؤسس وتشهر وفقا للأصول المبينة في القانون.
وقد استخلصوا هذه النظرية عن طريق الفرض القانوني، ولاعتبارات عملية بحتة، من بعض النصوص القانونية ومثالها تلك التي تجيز إقامة الدعوى على الشركة أمام المحكمة التي يقع في دائرتها مركزها الرئيسي، وكذلك من النصوص التي تسمح بشهر إفلاس الشركة بصورة مستقلة عن الشركاء. وتبعاً لهذه النظرية، فإن أنصارها لا يقرون للهيئات أو مجموعات الأشخاص بالشخصية الاعتبارية إلا إذا أقر لها المشرع بهذه الشخصية لأن لا وجود لها إذا لم يحدثها القانون.
ثانياً – نظرية الوجود الواقعي
انتقد فقهاء آخرون، وأهمهم الأستاذ هوريو بالنسبة للأشخاص الاعتبارية من الحقوق العامة كالدولة والبلديات، والأستاذ كابيتان بالنسبة للأشخاص الاعتبارية من الحقوق الخاصة كالشركات، انتقدوا نظرية الفرض القانوني، وقالوا أن الشخصية الاعتبارية ليست ضرباً من ضروب الوهم والخيال وليست ناتجة عن حيلة شرعية، بل هي حقيقة حسية.
وبالتالي لا يعلق وجود الشخصية الاعتبارية على إرادة المشرع، فهي موجودة بدون نص قانوني وبمجرد تكوين الشركة وشهرها .
واعتبروا أن للمجموعة كيانا قائما بذاته ومستقلا عن الأفراد الذين تتكون منهم ما دامت تتمتع بفعالية خاصة بها وبإرادة يعبر عنها ممثلوها بصورة مستقلة عن إرادتهم الشخصية.
فإذا ثبت للمجموعة ذلك الكيان المستقل، تمتعت حتما بالشخصية الحقوقية سواء أقر لها بها المشرع أم لا.
وقد عبر الاجتهاد القضائي الفرنسي عن هذه النظرية في قرار المحكمة النقض الفرنسية جاء فيه: “أن الشخصية الاعتبارية ليست وليدة القانون وإنما تكتسب مبدئيا لكل مجموعة لها وسيلة جماعية للتعبير عن الإرادة للدفاع عن مصالح مشروعة وجديرة، وبالتالي، بأن تقرها الحقوق وتحميها”.
ثالثا – نظرية الملكية الجماعية
ويطلق عليها أيضا نظرية ” ثروة التخصيص” ، يستبعد القائلون بهذه النظرية وجود شخصية حقوقية لغير الإنسان، وهم لا يرون ضرورة لها من أجل تفسير النتائج القانونية التي وصل إليها الاجتهاد في الاعتراف للشركات بموطن مستقل وبجنسية تختلف عن جنسية الشركاء، وإنما يبررون هذه النتائج بقولهم أن الأفراد عندما يتفقون على تكوين شركة يقدم كل منهم حصته من رأس المال المشترك، فتنشأ عن ذلك ملكية جماعية ليس لأحد حق فردي عليها طالما أن الشركة قائمة، لأن تمتاز بتخصيصها لوجهة معينة هي تحقيق موضوع الشركة، وتعد هذه الأموال بمثابة رهن لفئة خاصة من الدائنين هم دائنو الشركة.
ومهما يكن تفسير الطبيعة الحقوقية للشخصية الاعتبارية، فقد أقر المشرع السوري صراحة وجود الشخصية الاعتبارية للشركات فقد نصت المادة 54 من القانون المدني على أن من جملة الأشخاص الاعتبارية الشركات المدنية والتجارية، كما نصت المادة 13 من قانون الشركات رقم العام 2008 على أنه “تتمتع جميع الشركات المنصوص عليها في هذا القانون -ما عدا شركة المحاصة- بالشخصية الاعتبارية بمجرد شهرها”.