تقادم دعوى الصورية في الاجتهاد القضائي السوري
إن المبدأ القانوني الذي تتبناه محكمة النقض السورية هو أن : ” دعوى الصورية لا تسقط بالتقادم سواء وقعت من أحد طرفي العقد أو من الغير “.
فقد جاء في القرار رقم /1104/أساس 1420 بتاريخ 1997/ 8 / 24الصادر عن الغرفة المدنية الثانية بمحكمة النقض السورية
” إن المحكمة لم تبحث بطلبات المدعي وردت الدعوى لسقوطها بالتقادم الطويل، ونظراَ لأن العلاقة بين أب وابنه، وإن العلاقة هذه يسودها المانع الأدبي مما يجعل إثبات مدعيات المدعي الابن تجاه والده بالبينة الشخصية، وحيث إن الادعاء يقوم علی صورية التسجيل، وإن دعوي الصورية لا تسقط بالتقادم سواء وقعت من أحد طرفي العقد أو من الغير، لأن المطلوب إنما هو تقرير أن العقد لا وجود له وهي حقيقة قائمة مستمرة لم تنقطع حتى يبدأ سريان التقادم بالنسبة إليها، يضاف إلى ذلك أن المانع الأدبي بين طرفي الدعوى لا يوقف بالتقادم وتبقي الدعوى مسموعة ولو مضى عليها مدة التقادم الطويل . ونظرا لأن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه قد خالفت المبادئ المذكورة عندما ردت الدعوی للتقادم فإن حكمها أضحى عرضة للنقض لذلك تقرر بالإجماع : 1 – نقض الحكم المطعون فيه “.
إننا نوافق محكمة النقض الموقرة فيما قررته من نقض الحكم المطعون فيه ولكن فقط استنادا إلى ما قررته من أن العلاقة بين الأب وابنه يسودها المانع الأدبي، وإن المانع الأدبي هذا من شأنه أن يوقف سريان التقادم بالنسبة لدعوي الصورية (م ۰۷/أ بينات سوري، م ۱/ ۳۷۹ مدني سوري). لكن لا نوافقها فيما استندت إليه من أن دعوى الصورية لا تسقط أصلا بالتقادم سواء وقعت من أحد طرفي العقد أو من الغير، وخلافا لما اتجهت إليه محكمة الموضوع، بداية واستئنافا، من القول – بحق – بسقوطها بالتقادم الطويل .
حقا إن العقد الصوري عقد معدوم، بصفة مطلقة أو نسبية، و بحسب نوع الصورية، لذا يتعين القول: إنه يظل كذلك مهما طال عليه الأمد، لأن مضي الزمن لا يمكن أن يحيل العدم وجودا، لا فرق في ذلك بين أن تتخذ الصورية شكل الدعوى أو شكل الدفع، ففي الحالين ينبغي أن لا تسقط الصورية بالتقادم .
إلا أنه وعلى الرغم من أن هذه النتيجة منطقية إلا أنها – فيما يتعلق بالصورية التي تتخذ شكل الدعوى – تخالف مبدأ استقرار التعامل الذي يستلهمه المشرع في صياغة جميع القواعد القانونية في القانون الخاص، كما أنها تخالف الأصل المقرر والقاضي بأن الدعاوى والحقوق جميعا تخضع للتقادم الطويل، أي أنها تسقط بمضي خمس عشرة سنة ما لم ينص القانون على مدة أخرى .
أما الدفع بالصورية فلا يتقادم أبدأ تأسيساً على أن ميعاد التقادم لا يبدأ سريانه إلا من الوقت الذي يتمكن فيه صاحب الحق من مباشرته، ومن له حق الدفع لا يباشره إلا عندما ترفع عليه الدعوى، ولذا تقررت منذ القدم قاعدة أن الدفوع لا تسقط بالتقادم .
وعليه فإنه ينبغي القول بناء على الأصول العامة المقررة المشار إليها: إن دعوى الصورية تتقادم بمضي خمس عشرة سنة على إبرام العقد الصوري، ولا يعني هذا أن مرور الزمن قد قلب العدم وجوداً وإلا لوجب القول: إن الدفع بالصورية يسقط بالتقادم كما هو شأن دعوى الصورية، وقد تبين لنا أن الدفوع لا تتقادم للعلة المشار إليها .
فلو أن البائع في البيع الصوري لم يكن قد سلم المبيع ومضى على البيع أكثر من خمس عشرة سنة، ثم رفع المشتري دعوى يطالب البائع بتسليم المبيع كان لهذا أن يدفع الدعوى بصورية عقد البيع. إنما يعني هذا الحكم وتعني هذه النتيجة فقط تقرير عدم سماع دعوى الصورية بعد مضي خمس عشرة سنة من وقت العقد، فإذا نفذ عقد بيع صوري مثلا، ثم أراد البائع أن يتمسك بالصورية ليسترد المبيع أو المشتري ليسترد الثمن لم تسمع دعواه إذا رفعت بعد انقضاء خمس عشرة سنة من تاريخ العقد .
على أن سقوط دعوى الصورية بالتقادم لا يمنع البائع الذي سلم العين من أن يستردها ولو مضمی على العقد الصوري خمس عشرة سنة أو أكثر لكن لا بدعوی صورية عقد البيع بل بدعوی الاستحقاق والتي – كما قلنا – لا تسقط أبداً.
فإذا تمسك المشتري في هذه الدعوى بالبيع الصور في دفع البائع بصورية البيع، إذ إن الدفع بالصورية لا يسقط كما قلنا . وبهذا يستطيع البائع أن يسترد العين ما لم يكن المشتري قد كسب ملكيتها بالتقادم وهذا شيء آخر يتعلق بالتقادم المكسب ويختلف عن سقوط دعوي الصورية بالتقادم المسقط.
ومن ناحية ثانية فإن المشتري يستطيع إذا كانت دعوى الصورية قد سقطت بالتقادم، أن يسترد الثمن الذي دفعه بدعوى استرداد ما دفع دون حق، فإذا تمسك البائع في هذه الدعوى بالبيع الصوري دفع المشتري بصوريته، وبهذا يكون في وسع المشتري أن يسترد الثمن، ما لم تكن دعوى الاسترداد قد سقطت بالتقادم بمضي خمس عشرة سنة من وقت الدفع لا من وقت البيع.