أولاً : الطبيعة القانونية للعمل الولائي :
يجد المشرع أحيانأ أن يتوقف سلطان الإرادة في إحداث آثار قانونية معينة على تدخل من جانب الدولة لاعتبارات خاصة مثل التأكد من ملاءمة العمل وقانونيته، أو لحماية صاحب المصلحة من تعسف، أو عدم خبرة صاحب الإرادة القائم بالعمل، أو للتأكد مقدمة من توافر الشروط الشكلية والموضوعية التي يتطلبها القانون الترتيب هذه الآثار القانونية، ونظراً إلى ما تتطلبه هذه الأعمال من ثقة وبخاصة فيمن يقوم بها وضمانات تكفل استقلاله وعدم تأثره فإن خير من يناط بهم القيام بهذه الأعمال هم القضاة، ولكن بعضاً من هذه الأعمال تناط أساساً بموظفين إداريين مثل أعمال التوثيق ولا تناط بالقضاة إلا إن تمت بمعرض النظر في الخصومات مثل التصديق على الصلح القضائي بين الخصوم.
وإن العمل الولائي لا يعد نشاط إدارية، لأن النشاط الإداري يرمي إلى تحقيق مصلحة الإدارة بوصفها سلطة عامة، أما القائم بالعمل الولائي فيهدف إلى تحقيق مصلحة الآخرين، كما لا يعد العمل الولائي قضاء إلى جانب قضاء الحكم وقضاء التنفيذ، لأن العمل القضائي يفترض وجود رابطة قانونية سابقة تفرض على عاتق طرف فيها احترام قاعدة قانونية معينة، وإن العمل نفسه – كالتوثيق – قد يناط القيام به بالمحكمة وبجهة إدارية، ولا يمكن أن تختلف طبيعة العمل الواحد في الحالتين لمجرد اختلاف الجهة القائمة به.
ولئن كان القضاء وجد أصلاً للعمل القضائي فإن إناطة بعض الأعمال الولائية به فللاعتبارات الخاصة التي ذكرناها، حتى لو أسبغنا على هذه الأعمال الطبيعة القضائية، فإنه لا شك في أن هذه الطائفة من الأعمال تخضع إلى نظام قانوني يختلف عن النظام القانوني للأعمال القضائية.
ثانياً : معيار العمل الولائي والعمل القضائي
مادام العمل الولائي ليس إدارياً وليس قضائياً أو بالأقل يخضع إلى نظام قانوني مختلف، فقد ثار الخلاف في الفقه حول التمييز بين العمل القضائي والتصرف الولائي، فذهب رأي إلى أن التصرف يكون ولائية إذا تم بناء على طلب أحد الخصوم دون أن يدعى الطرف الآخر للحضور الإبداء أقواله في هذا الطلب، فالأمر الصادر في غير خصومة لا يعد حكمة، وقد رفض كثير من الشراح هذا المعيار، لأنه شكلي محض.
لذا ذهب بعضهم إلى أن العمل يعد قضائياً إذا تعلق بنزاع – ويكفي أن يكون هذا النزاع محتملاً – فإذا صدر التصرف دون منازعة، ودون أن يحتمل أن يثير أي منازعة غد ولائية، وقد انتقد هذا الرأي من أنه قد يعد التصرف ولائية ولو كان صادرة بعد منازعة بين الخصوم، ومثاله الإجراءات الوقتية والتحفظية، ويفضل هؤلاء معيار طبيعة القرار المطلوب اتخاذه، فوظيفة القاضي القضائية توجب عليه أن يقدر حقوق الخصوم والتزاماتهم، وأن يفصل بينهم.
وفي سورية فإن المشرع السوري لم يتعرض إلى فكرة العمل الولائي إلا في معرض حديثه عن اختصاص المحاكم الشرعية، وبطريقة مفهوم المخالفة حيث تنص المادة / 5۳۹/ أصول محاكمات على أنه “تعتبر الوثائق المنظمة وفقاً لأحكام المادة السابقة نافذة إلى أن يقضي ببطلانها أو تعديلها في قضاء الخصومة”،
وكانت المادة السابقة قد بينت اختصاص المحكمة الشرعية في الإذن للنائب الشرعي في الأحوال التي يوجب فيها القانون إذنه، وتنظيم الوصية والوقف الخيري والحقوق المترتبة عليه، وعقود الزواج وتثبيتها والطلاق والمخالعة ووثائق حصر الإرث الشرعي ونصب النائب الشرعي وفرض النفقة وإسقاطها بالتراضي، ونسب الولد بإقرار أبوية وإثبات الأهلية (م ۵۳۸ أصول سوري).
ويرى بعض الشراح أن العمل الولائي ذو أثر منشئ دائماً ويرمي إلى إنشاء مركز قانوني جديد، في حين أن العمل القضائي محله رابطة قانونية سابقة، وحتى عندما يكون القرار القضائي ذا أثر منشئ مثل الحكم بفسخ العقد الملزم للجانبين بسبب إخلال أحد المتعاقدين، فإن محل الحكم هو تطبيق رابطة قانونية سابقة، هي حق لشخص ضد أخر في إنشاء مركز قانوني جديد، أما العمل الولائي المنشئ، فإن الأثر القانوني ليس تطبيقا لحق سابق لشخص ضد أخر، فالحق لا ينشأ إلا بقرار القاضي.