القديم يترك على قدمه
القديم هنا : هو الذي لايوجد من الأحياء من يعرف أوله،
ومعنى هذه القاعدة: أن ما كان قديماً في أيدي الناس من حقوق مشروعة في أصلها وعينات وغيرها يعتبر ثابتاً بدليل شرعي حكماً ولا يحكم بعدم شرعيته إلا إذا قام دليل على ذلك، وذلك لحسن الظن بالمسلمين ولغلبة الظن بأنه ما وضع بأيديهم إلا بوجه شرعي.
وهذه القاعدة قريبة من قاعدة (الأصل بقاء ما كان على ما كان)، إلا أنها أخص منها، فتلك تشمل القديم والحادث، وهذه تختص بالقديم،
وفي معناها قاعدة أخرى وردت على لسان أبي يوسف في كتاب الخراج وهي : (ليس للإمام أن يخرج شيئاً من يد أحد إلا بحق ثابت معروف).
وهذه القاعدة جاءت في المادة ١٢٢٤ من المجلة وغيرها كالتالي:
(القديم يترك على قدمه ما لم يقم الدليل على خلافه)
والقديم المخالف للشرع لا يترك على قدمه مهما تقادم عهده، لأن الضرر لا يكون قديماً .
أما التصرف القديم فلا يشترط في اعتباره أن يكون مايتصرف به قائماً في يد المتصرف إلى حين الخصومة، بل يكفي أن يثبت المدعي وجوده في يده قبل الخصومة، لأن اليد الحادثة لا عبرة بها بل العبرة لليد الحقيقية. واختلف الإفتاء في اعتبار التصرف القديم في الحقوق، فأفتى خير الدين الرملي بما يفيد عدم اعتباره واستشهد له ابن عابدين من أن الوقف إذا كان على قرابة وادعى رجل أنه من القرابة وأقام بينة شهدت أن الواقف كان يعطيه كل سنة مع القرابة، فلا يستحق بهذه القرابة شيئاً، وكذا لو شهدوا بإعطاء القاضي له مع القرابة كل سنة لا يكون إعطاء القاضي حجة .
إلا أن كتب المذهب ناطقة باعتباره، وقد صرح أهل الفتوى في المذهب بأن اعتباره هو استحسان.
من فروع هذه القاعدة:
لو ادعى أحد الخصمين الحدوث، وادعى الآخر القدم، فالقول قول من يدعي القدم، والبينة بينة من يدعي الحدوث. ولو ادعى أحدهما الحدوث وادعى الآخر مرور الزمن، يكلف مدعي الحدوث البينة، فلو ثبت الحدوث لا تسمع دعوى مرور الزمن؛ كأن مدعي القدم يدعي مضي مدة على الأمر المتنازع هي أضعاف مدة مرور الزمن، لأن القديم ما لا يوجد من يعرف أوله، وهذا لا يكون غالباً إلا بعد مضي أكثر من ثمانين أو تسعين سنة، فكأنه بدعوى القدم يدعي مروراً للزمن مضاعفاً، فلم يجعلوا لمدعي مرور الزمن غير كون القول قوله فقط والبينة بينة مدعي الحدوث بلا استثناء . .
تنبيه : إن الادعاء بمرور الزمن هو ادعاء بعدم صلاحية الحاكم لرؤية الدعوى، وهي منازعة للحاكم قبل الدخول بالدعوى، أما الادعاء بالقدم فإن المدعي يطلب إبقاء ما كان على ما كان، وقد اختار جهة للدخول بالدعوى وذلك منه تسليم بصلاحية الحاكم لسماع الدعوى.
Pingback: شرح القاعدة الفهية: الضرر لا يكون قديماً, مع أمثلة - نادي المحامي السوري