المانع الأدبي فيما يخالف الدليل كتابي :
على الرغم من أن وجود تعامل كتابي واحد لا يهدر المانع الأدبي، إلا أنه إذا كان
أصل الدين أو العقد ثابتاً بالكتابة، فلا يجوز إثبات وفائه أو البراءة منه بالشهادة ولو كان
هناك مانع أدبي بين المتعاقدين؛ لأنه إذا لم تمنع هذه العلاقة بين المتعاقدين من الحصول على سند كتابي بالدين، فلا يصح أن تمنع من الحصول على كتابة بالبراءة من هذا الدين نفسه. فاعتماد الدليل الخطي في واقعة يقتضي توفير دليل مماثل لإثبات نفيها أو التحمل من آثارها، حيث أنه لا يجوز إثبات ما يخالف الدليل الكتابي إلا بمثله ولو كان الطرفان بينهما مانع أدبي إذا رجحا توثيق هذه الواقعة بدليل كتابي رسمي. ولا يجوز الخلط بين المطالبة بإثبات عكس الدليل الكتابي، والذي لا يجوز إثبات عكسه إلا بالكتابة، وبين الاعتياد والموانع الأدبية والتي هي بالأصل لا توجه ضد سند مختلف عليه حيث يبحث عندئذٍ في حال الاعتياد وتعدد الكتابة أم لا.
وقد أكدت محكمة النفض السورية على ذلك في العديد من قراراتها نذكر البعض منها:
(إن تفضيل الدليل الكتابي بين شقيقين يحول دون قبول البينة الشخصية ضده. وان العقد
وان كان مبرماً بين شقيقين، غير أن الطرفين رجحا تأييده بالدليل الكتابي وأظهار إرادتهما
بهذا الشأن في اختيارهما توثيق الاتفاق بعقد خطي، وان هذا الاختيار وتفضيل الدليل
الكتابي يحول دون قبول البينة الشخصية ذات القوة الثبوتية المحدودة بالاستناد إلى موانع
القرابة. وان تحرير السند بين الشقيقين ينفي المانع الأدبي الذي يجيز الإثبات بالبينة
الشخصية ضد هذا السند).
( بعد تنظيم العقد الكتابي بين الطرفين لا يجوز الدفع بقيام المانع الأدبي بينهما تحت أي
ذريعة كانت ومنها الصداقة الحميمة).
( لا يجوز لممدعى عليه إثبات براءة ذمته بالشهادة لعلة الصداقة القوية بينه وبين
المدعي إلا بدليل كتابي آخر يماثل السند في القوة ما دام أن الطرفين تعاملا بالدليل
الخطي).
(استقر الاجتهاد القضائي على عدم جواز الإثبات بالبينة الشخصية حتى لو كان الاتفاق
معقوداً بين الأقارب طالما وثقوا ما اتفقوا عليه بوثيقة خطية).
( إن المطالبة بإثبات عكس ما جاء في العقد واثبات عدم قبض الثمن لا يمكن أن يكون
بالبينة الشخصية، وان كان العقد مبرماً بين طرفين بينهما مانع أدبي بحسبان أن اختيار
الدليل الكتابي الرسمي يحول دون قبول البينة الشخصية).
يتضح من الاجتهاد ات المتقدم ذكرها أن وجود تعامل كتابي وحيد وان كان لا يهدر
المانع الأدبي، إلا أنه إذا كان هذا التعامل بحد ذاته هو محل الخصومة القائمة فأنه لا
يمكن الاحتجاج بمواجهة هذا السند بوجود مانع أدبي حال دون الحصول على دليل
كتابي يثبت ما يخالف أو ما يجاوز ما ورد فيه.
ومن الجدير بالذكر هنا أنه إذا كان وجود سند واحد لا ينفي المانع الأدبي فييما يتجاوز العلاقة الموثقة بهذا السند، إلا أنه إذا كان هذا السند هو الذي أثبت اعتياد التعامل بالكتابة فأنه يهدر المانع الأدبي بالنسبة للعلاقة الموثقة وما يتبعها من تصرفات قانونية تبرم بين الطرفين.
وفي تأكيد ذلك جاء بقرار لمحكمة النقض السورية: ( كما أن انتفاء المانع الأدبي ببين الأقرباء لتوثيقهم بعض علاقاتهم بأسناد لا ينحصر بالعلاقة الموثقة بل يتجاوزها إلى ما بعدها)؛ ذلك أن القول بانتفاء المانع الأدبي ينحصر فيما جرى توثيقو فقط من التزامات بالدليل الكتابي، ولا ينفي وجود المانع الأدبي في الالتزامات الأخرى يبدو غير سليم؛ لأن وجود أدلة كتابية بين الطرفين قرينة على انتفاء الثقة بينهما، مما ينفي وجود المانع الأدبي، إذ لا يجوز القول بوجود ثقة وعدم وجودها في آن واحد.