عد المشرع السوري بنص المادة / 57 / من قانون البينات السوري- بالإضافة إلى رابطة الزوجية – القرابة ما بين الأصول والفروع، وما بين الحواشي حتى الدرجة الثالثة، وما بين أحد الزوجين وأبوي الزوج الآخر مانعاً أدبياً بحكم القانون . أي أن المشرع اعتبر مجر توافر إحدى حالات القرابة المنصوص عليها في المادة / 57 / من قانون البينات قرينة قانونية على قيام المانع الأدبي بين أطراف التصرف القانوني، إلا أن هذه القرينة ليست قاطعة، بل تعتبر قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس بأحد الأسباب التي تؤدي لإهدار المانع الأدبي. وهذا هو اتجاه محكمة النقض السورية فقد ورد في قرار لها تأكيداً لقرار سابق:
( استقر الاجتهاد القضائي على أنه يظل المانع الأدبي الناشئ عن القرابة مفترضاً حتى يقوم الدليل على زواله)
نقض سوري، الغرفة المدنيةٌ الثانية، قرار 151 ، أساس 491 ، تار خٌ 26/1/1997 , مشار اليه في محمد أديب الحسيني, مرجع سابق, ص 607 .
واذا كان المشرع قد حدد حالات القرابة التي تعتبر مانع اً أدبياً بحكم القانون ؛ إلا أن ذلك لا يعني أن حالات القرابة الأخرى غير المنصوص عليها في المادة / 57 / لا تعتبر مانعاً أدبياً. ولكن يجب على من يدعي وجود المانع الأدبي في غير حالات القرابة المنصوص عليها أن يثبت وجوده، فالقرينة القانونية لا تكون إلا حيث ينص عليها القانون .
وبناء على ذلك فإن المشرع السوري لم يقصد من تعداد بعض الحالات التي تعتبر مانعاً أدبياً حصرها في هذا النطاق، فيتحول بذلك المانع الأدبي من مانع خاص ذاتي إلى مانع موضوعي عام، مما يسلب القاضي سلطته في تقدير المانع الأدبي بشكل مطلق.
والواضح من ذلك أن المشرع افترض ونظراً لصلة القرابة الشديدة في الحالات التي ذكرها أن علاقات الود والمحبة والثقة التي يقوم عليها المانع الأدبي قائمة، فأعفى بذلك من يريد التمسك ب وجود المانع الأدبي من عبء إثباته ، وأتاح في الوقت نفسه للطرف الآخر أن ينفي قيام هذه العلاقات ويهدر المانع الأدبي المفترض وجوده.
وهذا ما أكدته محكمة النقض السورية في العديد من قراراتها حيث جاء في أحدها:
(1- . إن القرابة المحددة بالمادة / 57 / بينات تشكل مانعاً أدبياً بنص القانون بمجرد قيام هذه الدرجة، أما باقي درجات القرابة فلا تشكل مانعاً أدبياً إلا إذا تبين للمحكمة توفر ظروف معينة وثقة متبادلة تمنع من الحصول على دليل كتابي.
2- إن التعداد الوارد في المادة / 57 / بينات لجهات المانع الأدبي والقرابة هو تعداد حصري لا يجوز التوسع فيه أو الإضافة عليه.
3- إن هناك نوعين من المانع الأدبي في القرابة: الأول هو القرابة المحددة في حد ذاتها في المادة / 57 / بينات، ويعتبر المانع الأدبي قائماً فيها بحكم القانون حتى يثبت زواله،
أما النوع الثاني فهو القرابة بين سائر الأقارب الآخرين والذي على من يدعي وجود المانع الأدبي بينهم أن يثبت قيامه، ولا يعتبر قائماً بحكم القانون)
نقض سوري, الغرفة المدنية الثانية , قرار 983 أساس 875 تاريخ 24/9/1995 , مشا اليه محمد أديب الحسيني , المرجع السابق, ص 692-693 .
والمقصود بالتعداد الحصري هنا، درجات القرابة المحددة بالنص، والتي تشكل مانع مفترض بحكم القانون ، وليس حصر المانع في هذا النطاق، وهو ما أوضحه الحكم في فقرته الثالثة.
والمبدأ الذي يقوم عليه تحديد درجات القرابة في مجال تطبيق المانع الأدبي أوردته الهيئة العامة لمحكمة النقض السورية في قرار لها جاء فيه:
( إن مبدأ درجة القرابة في مجال تطبيق المانع الأدبي الوارد في قانون البينات ومجال
تحديد درجة القرابة الواردة في قانون البينات هو المنصوص عنيا في المادة / 38 / من
القانون المدني. ولا ارتباط بين هذا الاتجاه ودرجات الترتيب في الإرث الواردة في قانون
الأحوال الشخصية )
نقض مدني سوري, الهيئة العامة, قرار 24, تاريخ 22/11/1981 , شاراليه في ممدوح عطري, أسعد الكوراني, قانون البينات في الفقه والاجتهاد ج 2 , مؤسسة النوري, 1995, ص 883-884 .