أجاز المشرع للمحكمة في غير حالتي الوقف الاتفاقي والوقف القانوني للخصومة أن تقرر وقف الخصومة كلما رأت أن حكمها في موضوعها يتوقف على الفصل في مسألة أخرى.
فوقف الخصومة القضائي يتحقق في إحدى حالتين:
إما أن يثير الخصم مسألة يخرج الفصل فيها عن اختصاص المحكمة،
وإما أن يطرأ طارئ على الدعوى يقضي بإيقاف السير فيها حتى الفصل في الطارئ،
وفي كلتا الحالتين لا يجوز للمحكمة إيقاف الدعوى إلا إذا كان الفصل في المسألة الأخرى ضرورية للفصل في الدعوى الموقوفة.
لذا، يسمى هذا الوقف بالوقف التعليقي، أي تعليق الفصل في موضوع الدعوى على الفصل في مسألة أولية لا تدخل في اختصاص المحكمة،
وعادة ما يصدر الحكم في هذه الحالة بوقف الخصومة في الدعوى باعتبارها مستأخرة إلى أن يبت في المسألة التي علق عليها الوقف،
وإن طلب وقف الخصومة في الدعوى الحين الفصل في مسألة أخرى ضرورية للفصل في الدعوى الموقوفة لا يعد طلباً جديداً لأن الطلب الجديد الذي لا يجوز قبوله لأول مرة أمام محكمة الدرجة الثانية هو الذي يكون من شانه إدخال تغيير على موضوع الدعوى، أو يهدف إلى تغيير في صفة الخصوم، وهو غير متوفر في طلب وقف الخصومة في الدعوى لحين الفصل في الدعوى،
وبالتالي يمكن أن يتم الوقف القضائي أمام محاكم الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية على حد سواء.
لذلك سنعرض شروط الوقف القضائي للخصومة، وبعض حالات الوقف التعليقي وفق الأتي:
أولاً- شروط الوقف القضائي:
يقضي المبدأ القانوني . وفقا لما تم التنويه إليه أعلاه . أنه لا محل لوقف الدعوى إلا إذا كان الفصل بالمسألة التي ترى المحكمة تعليق حكمها عليها ضرورية.
لذا، يجب قيام مجموعة من الشروط کي تمارس المحكمة سلطتها في وقف الخصومة في الدعوى باعتبار الدعوى مستأخرة إلى حين الفصل في مسألة أولية وهذه الشروط هي:
1- أن تثار مسألة أولية في الدعوى:
تعد مسألة أولية في الدعوى إذا كان يتوقف على حلها الفصل في موضوع الدعوى، كمسألة ثبوت الملكية في دعوى إزالة الشيوع، وثبوت النسب في دعوى النفقة، وثبوت ارتكاب الجاني للجرم من أجل الحكم بالتعويض.
ففي هذه الحالات لا تستطيع المحكمة أن تفصل سلباً أو إيجاباً في موضوع الدعوى المرفوعة إليها قبل ثبوت المسألة الأخرى،
وفي الأحوال جميعها يتعين قيام ارتباط بين موضوع الدعوى المنظورة والمسألة التي تستدعي وقف الخصومة،
وإن تقدير قيام الارتباط من عدمه يعود للمحكمة التي تملك سلطة تكييف الوقائع وتحديد الوصف القانوني الصحيح لتحديد ما إذا كان الفصل في الدعوى المنظورة من قبلها يحتاج إلى الفصل في مسألة أخرى أم لا.
2- أن تكون المسألة الأولية من اختصاص محكمة أخرى:
يقضي المبدأ القانوني أن المحكمة ملزمة بالفصل بالدعوى، ولا يجوز وقفها إلا في الأحوال التي نص عليها القانون،
أو إذا رأت أن الحكم فيها يتوقف على الفصل في مسألة أخرى بشرط أن يكون الحكم في هذه المسألة ضرورية للفصل في النزاع القائم، وأن تكون هذه المسألة خارجة عن صلاحية المحكمة،
كما إن قيام حالة حرب قريبة من قرية الطاعن يعد من القوة القاهرة التي توقف الخصومة وسريان المواعيد حتى تاريخ وقف إطلاق النار.
ويجب لوقف الخصومة في الدعوى أن تكون المسألة الأولية المثارة من قبل الخصوم في الدعوى تخرج عن اختصاص المحكمة وتدخل في اختصاص محكمة أخرى سواء كان سبب الاختصاص وظيفية أم ولائية أو نوعية.
كما لو كانت الدعوى تتعلق بمادة إزالة شيوع وأثيرت مسألة أولية تتعلق بشراء العقار محل الدعوى، وكانت القيمة تفوق الاختصاص القيمي المحكمة الصلح، وإذا ثبت البيع انتهت دعوى إزالة الشيوع، عندئذ على محكمة الصلح أن تقرر وقف الخصومة إلى ما بعد البت في مسألة ثبوت البيع،
وذلك بعد إبراز ما يثبت إقامة الدعوى بمادة تثبيت مبيع أمام المحكمة المختصة، واذا لم ترفع الدعوى،
وقبل أن تقرر المحكمة وقف الخصومة بالاستئخار تكلف من أثار الدفع بمراجعة المحكمة المختصة حلال مهلة محددة لرفع الدعوى بتثبيت مبيع تحت طائلة صرف النظر عن هذا الدفع والسير في إجراءات دعوى إزالة الشيوع،
مع الإشارة إلى أنه ليست كل حالات البيع تمنع من السير في إجراءات دعوى إزالة الشيوع، بل في حالة وحيدة هي الحالة التي تجعل من طلب إزالة الشيوع غير مجد.
أما إذا كانت المسألة الأولية تدخل في اختصاص المحكمة ذاتها وترتبط بالدعوى المنظورة، فعندها عليها أن تفصل فيها لا أن توقف الخصومة في الدعوى، وليس بالضرورة أن ترتبط المسألة الأولية باختصاص محكمة أخرى،
بل يمكن أن ترتبط بواقعة معينة بحيث لا يمكن الفصل في الدعوى قبل التثبت من تلك الواقعة، وقد يحتاج ذلك إلى بعض النفقات لإجراء خبرة فنية
مثلا، عندئذ تكلف الطرف المعني بإسلاف نفقات الخبرة ويمتنع عن ذلك أو يماطل في الدفع، فيمكن للمحكمة أن تقرر وقف الخصومة إلى ما بعد تعجيل نفقات الخبرة.
3 – يجب أن يكون وقف الخصومة إلى حين الفصل في المسألة الأولية من المحكمة المختصة واكتساب الحكم الصادر فيها الدرجة القطعية:
يرتبط وقف الخصومة بالاستناد إلى المسألة الأولية بجدية المسألة ومدى ارتباطها بالخصومة، وكل ذلك يعود إلى تقدير المحكمة، إلا أن التقدير يجب أن يحمل ما يقوم عليه في الواقع وفي القانون، وفي جميع الأحوال فإن الحكم بوقف الخصومة قضائية في الخصومة معلقة إلى حين اكتساب الحكم الصادر في المسألة الأولية حجية الأمر المقضي به كي تستطيع المحكمة أن تستأنف الخصومة إجراءاتها إذا كان لا يزال لها مقتضی.
ثانياً – تطبيقات على الوقف القضائي:
يستند الوقف القضائي للخصومة على مجموعة من الأسباب، فمنها ما يرتبط بوجود دعوى جزائية لأن الجزائي يعقل المدني أو يوقفه إلى حين البت في الدعوى الجزائية، حيث نصت المادة (1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه
((يجوز إقامة دعوى الحق الشخصي تبعا لدعوى الحق العام أمام المرجع القضائي المقامة لديه هذه الدعوى كما تجوز أقامتها على حدة لدى القضاء المدني، وفي هذه الحال يتوقف النظر فيها إلى أن تفصل دعوى الحق العام بحكم مبرم)).
إذ تترتب مسؤوليتان على الفعل الضار مدنية وجزائية، ويمكن للمتضرر أن يرفع دعوى المسؤولية المدنية أمام المحكمة المدنية، ودعوى المسؤولية الجزائية أمام المحكمة الجزائية إلا أنه يتعين على المحكمة المدنية في هذه الحالة أن توقف الخصومة في الدعوى المرفوعة أمامها إلى أن يتم الفصل في الدعوى الجزائية بحكم قطعي لا يقبل أي طريق من طرق الطعن العادية،
إلا أن سلوك الطريق المدني يمنع من إعادة سلوك الطريق الجزائي. فلو دفع بالفائدة الفاحشة لم يعد بإمكانه صاحب الدفع رفع الدعوى الجزائية بذلك من أجل وقف الخصومة في الدعوى المدنية.
أما الطرق غير العادية فلا تمنع من السير في إجراءات الدعوى المدنية، والوقف في هذه الحالة وجوبي ولا يملك القاضي المدني سلطة تقديرية في عدم الوقف لأم المحكمة المدنية ملزمة بالحكم الجزائي لجهة وقوع الجريمة بوصفها القانوني ونسبتها للفاعل .
لذلك فإن الجزائي يعقل المدني بغض النظر عن الجهة القضائية التي تنظر في الدعوى الجزائية ، حيث يمكن أن يكون قضاء عادية، أو قضاء عسكرية، أو قضاء استثنائية، أو محكمة أمن الدولة، وبغض النظر عن المحكمة المدنية التي يمكن أن تكون مدنية أو تجارية أو شرعية أو عمالية،
إلا أن الشيء الأساسي هو أن تكون الدعوى الجزائية مرفوعة فعلاً، أما إذا لم تكن قد رفعت فإن المحكمة المدنية تستمر برؤية دعوى المسؤولية المدنية بغض النظر عما إذا كان الفعل يشكل جرم جزائيا أم لا.
إلا أنه إذا رفعت الدعوى الجزائية بعد رفع الدعوى المدنية فعندئذ يعود الحكم بضرورة وقف الدعوى المدنية، إلا أنه يشترط من أجل وقف الدعوى المدنية أن يكون السبب في الدعويين الجزائية والمدنية واحداً.
أي أن الفعل المنشئ للالتزام واحد، أما إذا لم يقم هذا الترابط فلا محل لوقف الدعوى المدنية، لأن علة الوقف تتعلق بالعدالة التي تحول دون صدور أحكام متناقضة.
لذا، يتعين في حالات وقف الخصومة جميعها أو تعليقها بسبب الاستئخار للفصل في مسألة أولية، أن يصدر حكم قضائي بذلك، وإن الحكم الصادر بالوقف أو بالتعليق يقبل الاستئناف لأنه فصل في مسألة فرعية ترتب عليه نشوء مراكز قانونية جديدة، لأن المحكمة نظرت في الخصومة وفحصت الوقائع فيها، وتوصلت إلى عدم صلاحية الدعوى للفصل في موضوعها، وإن الحكم الاستئنافي إما أن يؤيد حكم محكمة الدرجة الأولى أو أن يلغيه ،
وفي حالة الإلغاء يتعين علي محكمة الاستئناف أن تعيد الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى للسير فيها من النقطة التي وصلت إليها لا أن تفصل في الموضوع لأن محكمة الدرجة الأولى لم تقل كلمتها بعد ، وبالتالي لم تستنفذ ولايتها، وإن تصدي محكمة الاستئناف للفصل في الموضوع يحرم الخصوم درجة من درجات التقاضي،
أما قرار رد طلب وقف الدعوى لا يقبل الطعن إلا مع الحكم النهائي ، وإن استمرار وقف الخصومة الذي قررته محكمة الاستئناف دون أن يكون الأطراف الدعوى يدأ فيه لمدة ستة أشهر لايستتبع شطب استدعاء الاستئناف لأن المحكمة هي التي تقرر وقف الخصومة ولا شأن للأطراف في ذلك .
أما حالات الوقف القضائي سواء بسبب الاختصاص أم لغيره فهي كثيرة، ولا يمكن وضع لائحة حصرية لها، وهي تختلف وتتنوع بحسب المواضيع المطروحة في ساحة القضاء، ونذكر منها بعض التطبيقات القضائية على سبيل المثال لا الحصر الآتي:
1- اعتبار دعوي تثبيت الزواج مستأخرة ريثما تبت محكمة الأحوال المدنية بتصحيح القيد المدني للزوجة الخروج ذلك عن اختصاص القاضي الشرعي.
2- يتوجب توقيف الخصومة في دعوى إنهاء عقد الرهن إذا أقام شاغل العقار دعوي تثبيت العلاقة الإيجارية أمام المراجع المختصة باعتبار أن الدعوى الإيجارية تحدد العلاقة القائمة ما بين الطرفين ولوجود ارتباط بين الدعويين لأن كلا منها تتعلق بحق الانتفاع.
3- الطعن أمام المحكمة المختصة بوثيقة حصر الإرث الشرعي بطلب بطلانها يوجب استخار النظر في دعوى فسخ تسجيل عقارات مبنية على الوثيقة محل الطعن أمام المحكمة المختصة.
4- الدعوى المقامة أمام المحكمة الشرعية بالطعن بوثيقة إرث شرعية يوجب وقف الخصومة في الدعوى المقامة بطلب إبطال معاملة انتقال بالإسناد إلى معاملة حصر الإرث الشرعي موضوع الطعن أمام المحكمة الشرعية لأنه على ضوء الطعن سيتقرر الورثة الشرعيين
5- إذا استبان للمحكمة صحة إقامة الدعوى بتزوير وثائق يبنى عليها الحكم فعليها وقف الخصومة في النزاع لحين البت بدعوى التزوير أو التحقيق في الدعوى أصولا ومناقشة الدفوع المثارة حول هذه الوثائق ومدى حجيتها.
6- في حال لجوء الخصوم إلى التحكيم يقتضي الأمر على المحكمة أن تقرر وقف الخصومة في الدعوى موضوع التحكيم لا رد الدعوى .
مع هذه الوقائع فإن الاجتهاد القضائي لم يأخذ بنظرية وقف الخصومة بالاستناد إلى طلب استئخار الفصل في بعض الحالات حيث لم يعدها من المسائل الأولية التي تستدعي ذلك ومنها :
1- وقف الخصومة في دعوى أجر المثل حتى يبت في دعوى تملك الشاغل للعقار فيه تعطيل للمادة (825) مدني التي تجعل الحقوق تكتسب وتنتقل بالتسجيل .
2- لا محل لوقف الدعوى انتظارا للفصل بدعوى الاحتيال المقامة أمام القضاء الجزائي مادام من سلطة المحكمة الفصل في الدفع المثار أمامها بحسبان أنه من المقرر أن لا محل لوقف الدعوى إذا كانت المسألة التي ترى المحكمة تعليق حكمها عليها من الممكن أن يؤخذ حكمها من أوراق الدعوى ذاتها المعروضة على المحكمة، فإذا تضمن عقد البيع أن البائع قد باع تمام حصته الإرثية لقاء بدل مقبوض، فإن المبيع يكون محددة ونافية للجهالة.
3- لا توقف الخصومة في دعوى قسمه المال الشائع نتيجة لتدخل شخص يدعي شراء قسم من المال، وإنما تستمر القسمة، ويحل من يثبت شراؤه محل البائع في استيفاء قيمه الحصة المبيعة . 4- لا يجوز وقف الخصومة في دعاوى الحيازة حتى تصحيح أوصاف سند التمليك باعتبار أن تلك الدعاوى لا يتوقف استثباتها على شمول حدود سند التمليك للأراضي المدعى بها أو عدم شموله لها.
كذلك لا يجوز للمحكمة أن توقف الخصومة في الدعوى و تطلب من الخصوم استصدار حكم
بالملكية .
5- إن توقيف أحد المدعى عليهم ليس سبباً يبرر وقف الخصومة لأنه يجوز محاكمته أكان موقوف أم لا .
6- إن إقامة الدعوى الجزائية بجريمة حلف يمين كاذبة لا يوقف نظر الدعوى .
7- إن إقامة دعوى إبطال عقد القسمة الرضائية أمام محكمة البداية لايشكل سببة لوقف دعوي تثبيت القسمة التي تكون محكمة الاستئناف قد وضعت يدها عليها بتاريخ سابق .
القضاء الاداري