1- التعريف بأصول التنفيذ :
من متممات الحكم القضائي، الذي اكتسب الدرجة القطعية، وتضمن التسميم بالحق لمن صدر لمصلحته،
ومن متممات الحق الثابت المعترف به بحكم القانون، أن يكون لصاحـب هذا الحق سلطة إجبار المحكوم عليه أو المدين على تنفيذ ما حكم عليه أو التزام به.
وقال بعضهم: إن الدعوى تربح مرتين: مرة أمام محاكم الموضوع واخرى أمام دوائر التنفيذ.
وان دلّ هذا القول على شيء فإنما يدل على مدى تعقيد أصول التنفيذ من جهة، وعلى هذه الأأصول وأهميتها من لأناحية العملية من جهة أخرى.
فأصول التنفيذ تطرح على بساط البحث مسائل إجرائية وموضوعية لا تقل أهمية عن باقي المسائل التي تطرحها الدراسات القانونية الأخرى،
لما تتمتع به من أهمية كبرى من لأناحية الفقهية والقضائية لأناجمة عن التطبيق اليومي والعملي لأصول التنفيذ.
وقد عملت على تقسيم هذا الموضوع إلى قسمين:
الأول: ويتناول الأحكام العامة لأصول التنفيذ
الثاني: وندرس فيه الأحكام الخاصة لأصول التنفيذ وفقاً لمحل التنفيذ واجراءاته.
وقدمت لذلك بفصل تمهيدي يوضح مفهوم أصول التنفيذ وطبيعتها وعلاقتها بالقوانين الأخرى من خلال تحديد موقعها في فروع القانون.
2- التنفيذ وأنواعه
الأصل أن يقوم المدين بالوفاء اختياراً، فإذا امتنع عن الوفاء طوعاً ، فإن الدائن يستعين بعنصر المسؤولية. فيحصل على الأداء رغم إرادة المدين.
ومن متممات الحكم القضائي، الذي اكتسب الدرجة القطعية، وتضمن التسليم بالحق لمن صدر لمصلحته،
و كذلك من متممات الحق الثابت المعترف به بحكم القانون، أن يكون لصاحب هذا الحق سلطة إجبار المحكوم عليه أو المدين على تنفيذ ما حكم عليه به أو ما التزم به.
وبذلك فإنه يمكننا أن نعرف التنفيذ بأنه: ” قيام المدين بالوفاء بالتزامه أو إجباره على الوفاء به ” .
وعليه، فإن التنفيذ إما أن يكون إختيارياً أو اجبارياً .
ويكون التنفيذ اختيارياً عندما يقوم به المدين طوعاً ،
على أنه يعتبر كذلك، ولو قام به المدين مدفوعاً بالخوف من قهره على الوفاء بواسطة ما أعده التنظيم القانوني من وسائل.
أما إذا لم يقـم المديـن بالوفاء طواعية، والتجأ الدائن إلى عنصر المسؤولية للحصول جـبراً على ما لم يسـتطع الحصول عليه بإرادة المدين، فيسمى التنفيذ حينئذ بالتنفيذ الجبري .
وينظم المشرع نوعين من التنفيذ الجبري:
آ – تنفيذ فردي يرمي إلى إشباع حق دائن معين
ب- وتنفيذ جماعي يرمي إلى إشباع حقوق كل دائني المدين
ويفترض لأنوع الأول عدم أداء المدين لالتزامه ، أما لأنوع الثاني فمفترضه هو إعسـاره أو إفلاسه ، إذ بهذا تنشأ الحاجة إلى حماية كل الدائنين وتصفية ذمة المدين كلها وستقتصر دراستنا على التنفيذ الفردي.
2- طبيعة أصول التنفيذ وموقعها في فروع القانون
تعتبر أصول التنفيذ واجراءاته كمادة حقوقية جزءاً من أصـول المحاكمات وتدخل في نطـاق هذا الفـرع.
الأ أن كثرة أحكام التنفيـذ واجراءاته ووفـرة موادهـا من جهـة، واستقلال موضوعها وابتدائه بعد انتهاء عمليات التقاضي وصدور الحكم من جهة أخرى جعل لأصول التنفيذ شيئاً من الأستقلال سواء في التشريع أو في التطبيق ,
على أن ذلك لم يفقدها صلتها بالفـرع الأم واعتبارها جزءاً من أصول المحاكمات وتابعة لها.
وعليه، فإن اصول التنفيذ تكون كأصول المحاكمات، جزءاً من القواعد الشكلية التي تتضمن تنفيذ الأحكام أو السندات القابمة للتنفيذ، فتكمل مع أصول المحاكمات واجراءاتها أمام المحاكم قيمة القانون.
وتجعل للحق الثابت نفعاً وقوة فعـالة تنفذه عملياً ، ويكون هدف هذه القواعد الشكمية الأصولية تسهيل تطبيق قواعد الأساس المنصوص عليها في القانون المدني والتجاري والجزائي …، تطبيقاً صحيحاً.
على أن ذلك لا يعني أن أصول التنفيذ، منفصلة تمام الأنفصال أو مستقلة كل الأستقلال عن القواعد والأحكام الموضوعية المنصوص عليها في القوانين الأخرى ,
لأن الأتصال بين قواعد الشكل وقواعد الأساس متين مما يجعلنا نعتبر أصول المحاكمات وقواعد الشكل المتعلقة بالحقوق المدنية والتجارية جزءاً من هذه الحقوق.
4- التطور التاريخي لأصول التنفيذ في سوريا
تعد الأحكام ولأنصوص التشريعية الخاصة بالتنفيذ نصوصاً حديثة نسبياً،
وذلك لأن القاضي كان في ظل التشريع الأسلامي وأحكام القرآن، هو المرجع، وهو السلطة المكلفة بحماية الحقوق وصيانتها والعمل على إيصالها إلى أصحابها،
ولذلك، فقد كان من متممات حكم القاضي، أن يعمل بنفسه على تنفيذ أحكامه بذات الطريقـة التي أصدر بيا حكمه ووفق قواعد الحق والعدالة، المستمدة من الشرع والمنطق.
واذا احتاج الأمر، كان للقاضي أن يستعين بالسلطة التنفيذية أو ما يقوم مقامه، لإجبار المحكوم عليه على تنفيذ الحكم.
وعندما بدأت التقنينات العثمانية، وكانت سورية في ظل الحكم العثماني، صدر قانون مدني جديد باسم مجلة الأحكام العدلية عام 1293 هجري
ثم صدر بتاريخ 19 جمادى الأخرة 1295 قانون أصول المحاكمات المدنية الذي لم ينظم أصول التنفيذ.
مما دعى إلى ضرورة وضع تشريع جديد ينظم أصول تنفيذ الأحكام مما يتلائم وتطور المجتمع.
وفي عام 1330 هجري صدر في عيد السلطان رشاد ” قانون الأجراء المؤقت ” الذي ظل نافذاً حتى صدر قانون أصول المحاكمات الذي ألغاه إلغاءاً تاماً.
وقد تضمن قانون أصول المحاكمات أحكام التنفيذ وذلك في الكتاب الثاني منه ومن المواد 273 إلى 475 .
والجدير بالذكر، أن المشرع السوري أخذ عن المشرع المصري أحكام وأصول التنفيذ الجديد الواردة في قانون المرافعات المصري القديم رقم /77/ لعام 1949 مع بعض التعديلات، التي اقتضتها أساليب التنفيذ القديمة وبخاصة تلك التي تتعلق بالسلطة المكلفة بالتنفيذ، و هي في سوريا ” دائرة التنفيذ “.
ومن المفيد أيضاً، الأشارة إلى أن أحكام التنفيذ في قانون أصول المحاكمات لا تشكل لوحدها مجموعة القواعد المنظمة لأصول التنفيذ،
لأن هناك عدداً كبيرًا من التشريعات الخاصة النافذة حالياً، تضمنت نصوصها أصولاً معينة للتنفيذ وهي:
القانون المدني وقانون التجارة وقانون العمل وقانون العاممين الأساسي وقانون المصرف الزراعي التعاوني ومرسوم إحداث المصرف العقاري وقانـون المصرف الصناعي المعـدل وقانون الكاتب بالعـدل وقانون جباية الأمــوال العام رقم /146/ لعام .1964
وجدير بالذكر أن نصوص هذه القوانين الخاصة الموضوعية تطبق أحكامها في الموضوعات التي بحثتها هذه القوانين، عندما تعرض هذه الموضوعات في التنفيذ وتؤلف جـزءاً من إشكالاته التي يعـود حلها لدوائر التنفيذ، لأنها تعتبر من المصادر التشريعية للتنفيذ.