تعريفها:
لم يكن قانون التجارة الملغي قد أعطى تعريفا لشركة المحاصة، بل اكتفى بتمييزها عن الشركات التجارية الأخرى من خلال إبراز الخصائص المميزة لها، وترك للفقه استخلاص تعريف لها من الفوارق الخاصة بها.
أما قانون الشركات رقم 3 لعام 2008 فقد جاء بتعريف الشركة المحاصة وذلك بنص المادة 51 منه التي تقضي بأن:
“1- شركة المحاصة هي شركة تعقد بين شخصين أو أكثر ليست معدة لاطلاع الغير عليها وينحصر كيانها بين المتعاقدين ويمارس أعمالها شريك ظاهر يتعامل مع الغير.
2- ليس لشركة المحاصة شخصية اعتبارية ولا تخضع لمعاملات الشهر المفروضة على الشركات الأخرى”.
ويستفاد من هذا النص أن شركة المحاصة مستترة وليس لها عنونة تجارية تظهر به تجاه الغير، ولا تملك شخصية اعتبارية وبالتالي فليس لها ذمة مالية خاصة بها، كما أنها غير خاضعة الإجراءات الشهر التي فرضها المشرع على الشركات الأخرى، وأن التعامل مع الغير يكون باسم أحد الشركاء، إذ لا يمكن أن يوقع باسم الشركة أو يتخذ لها عنونة تجارية. وقد تختص هذه الشركة بعمل أو أكثر الذي قد يكون مدنية (كالزراعة) أو تجارية.
وتعد شركة المحاصة من شركات الأشخاص لأنها تقوم على الاعتبار الشخصي للشركاء.
وينتج عن ذلك أن الغلط في شخص أحد الشركاء يفسد العقد، كما أن وفاة أحدهم، أو إفلاسه أو فقدانه الأهلية قد يؤدي إلى انحلال عقد الشركة، لاسيما إذا ثبت أن شخصية هذا الشريك كانت الباعث على قيام الشركة، لما لذلك الشريك من صفات إدارية خاصة بحيث لا يمكن القيام بغرض الشركة وعملها بدونه.
كما أنه لا يمكن أن تمثل حصص الشركاء، أسوة بشركات الأشخاص الأخرى، بأسناد قابلة للتداول بالطرق التجارية، ولا يجوز التفرغ عن هذه الحصص إلا برضاء جميع الشركاء ما لم ينص عقد الشركة على خلاف ذلك.
تطبيقاتها:
ينتشر هذا النوع من الشركات في الحياة العملية نظرا لصفتها المستترة، ويمكن أن تظهر التطبيقات العملية لشركة المحاصة في مجالات كثيرة:
كأن يتفق شخص يرغب في الاستتار وإخفاء اسمه عن الجمهور مع شخص آخر على القيام بعمل معين.
أو أن يتفق شخصان على أن يرسل أحدهما بضاعة فيصرفها الآخر ويتقاسمان الأرباح.
أو أن يتفق مهندس مع مالكي أرض على تشييد بناء وبيعه واقتسام ما قد ينشأ عن ذلك من ربح أو خسارة.
أو أن يتفق شخصان على شراء ثمار أرض زراعية وإعادة بيعها واقتسام الربح والخسارة.
وعليه نجد أن انتشار شركة المحاصة في الحياة العملية يعود إلى بساطتها، ولأنها لا تحتاج لأي شكل من أشكال الشهر وقد تبقى مجهولة للغير إذا رغب الشركاء في ذلك، لذلك لا نجد لها تطبيقا في مشاريع طويلة وواسعة.
نشأتها:
ترجع أصول شركة المحاصة إلى عقد التوصية أو “الكومندا” ووضع الثقة الذي التجأ إليه أصحاب الأموال تحايلا على تحريم الربا الذي فرضته الكنيسة إبان العصور الوسطى.
فأدى هذا العقد، عندما كان يمارس بطريقة مستترة وخفية، إلى إرساء اللبنات الأولى لهذا النوع من الشركات.
وهذا ما حدا بالبعض على صعوبة التمييز بين شركة المحاصة وشركة التوصية عندما كانت هذه الأخيرة غير متمتعة بالشخصية الاعتبارية .
كما شبه آخرون شركة المحاصة بشركة المضاربة في الفقه الإسلامي والتوصية، حيث كان المتمولون يرغبون في استثمار أموالهم في التجارة دون تعاطيها بأنفسهم لأن وضعهم السياسي أو الاجتماعي أو المهني كان يحظر عليهم ذلك. حيال الغير، على أن يحاسب شريكه بنتائج عمله.
وهذا حال شركة المحاصة في تشريعنا حيث يتم العمل المشترك باسم أحد الشركاء فقط ويطلق عليه اسم المدير الذي يتعامل مع الغير باسمه الشخصي ويلتزم وحده حيالهم، غير أنه في علاقته مع شركائه المتخاصمون- يحول لهم الحقوق المستمدة من العمل المشترك ويطالبهم بما ينوبهم من الالتزامات كل بالنسبة والشروط المتفق عليها في عقد الشركة .