1- تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين البحري:
تنص المادة (387) من قانون التجارة البحرية على ما يلي:
1 – تنقضي بمضي سنتين كل دعوى ناشئة عن عقد التأمين البحري:
ومما تجدر ملاحظته هنا بأن المشرع قد قصر مدة التقادم في عقود التأمين البحرية وذلك لضرورة سرعة إنهاء المعاملات المتعلقة بالأمور التجارية وتسهيل المعاملات و انتقال وتدوير رأس المال في المجتمع الاقتصادي وخوفا على ضياع وسائل الإثبات.
ومن أهم الدعاوى التي تنشأ عن عقد التأمين البحري هي دعاوى المؤمن له ضد المؤمن ودعاوى الغير ضد المؤمن وضد المؤمن له. فمن الدعاوى التي تحمي حقوق أو مصالح المؤمن له: دعوى المطالبة بمبلغ التأمين عند استحقاقه بوقوع الحادث أو دعوى البطلان أو الفسخ أو التعويض .
ومن الدعاوى التي تحمي حقوق ومصالح المؤمن: دعوى المطالبة بالأقساط ودعاوى البطلان أو الفسخ أيا كان سببه ودعوى استرداد ما دفع بغير وجه حق ودعوى التعويض .
أما دعوى المضرور ضد المسؤول المؤمن له) في التأمين من المسؤولية أو دعوى المؤمن له على المسؤول عن وقوع الخطر المؤمن منه، فإنها تخضع إلى ما قرره القانون لهم من حق خاص في المادة (173) من القانون المدني التي تقضي بسقوط دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بمضي ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسؤول عنه.
أو بمرور خمس عشرة سنة من وقوع العمل غير المشروع أي المدتين تقضي أولاً.
ويقول القضاء في هذا الشأن أن حق المضرور ينشأ قبل المؤمن له من وقت وقوع الحادث الذي ترتبت عليه مسؤولية المؤمن له مستقلا عن حق المؤمن له قبل المؤمن لأن المضرور يستمد حقه مباشرة بموجب النص القانوني من العمل غير المشروع الذي أنشأ حقه قبل المؤمن له وبذلك يستطيع المضرور أن يرفع دعواه المباشرة، على المؤمن من وقت وقوع الفعل الذي سبب له الضرر، مما يترتب عليه أن مدة الثلاث سنوات المقررة لتقادم هذه الدعوى تسري من هذا الوقت، وهي في هذا تختلف عن دعوى المؤمن له قبل المؤمن التي لا يبدأ سريان تقادمها إلا من وقت مطالبة المضرور للمؤمن له بالتعويض.
أما فيما يتعلق بدعوى الحلول التي يرفعها المؤمن ضد المسؤول عن الحادث الذي كان بسبب وفائه بالتعويض للمؤمن له. فهنا نميز بين حالتين:
أ- إذا كان المؤمن يستعمل حق المؤمن له في الرجوع على المسؤول: فتخضع دعوى الحلول لتقادم حق المؤمن له ذاته في تعويض المسؤولية بحسب طبيعة نشوء هذا الحق، حيث أنه نشأ هذا الحق عن الفعل الضار فإن دعوى الحلول لا تستند إلى عقد التأمين.
ب – أما إذا كانت دعوى الحلول يباشرها أحد المؤمنين في حالة تعدد المؤمنين أو أكثر فإن الدعوى تعد ناشئة عن عقد التأمين وتخضع للتقادم الذي تقرره المادة 387 من قانون التجارة البحرية.
2- بدء سريان التقادم:
وضحت الفقرة الثانية من المادة 387 من قانون التجارة البحرية حالات بداية مدة التقادم تبعا للواقعة المنشئة لدعوى التقادم وذلك على النحو التالي:
1- إذا كانت الدعوى قائمة على أساس المطالبة بقسط التأمين وهي عادة الدعوى التي يرفعها المؤمن له، فإن مدة السنتين اللازمة لتقادم هذه الدعوى تبدأ من تاريخ استحقاق قسط التأمين.
2 – تبدأ مدة التقادم بمضي سنتين من تاريخ وقوع الحادث الذي تنشأ عنه الدعوى فيما يتعلق بدعوى المطالبة بتعويض الأضرار التي تلحق بالسفينة، ذلك أن التزام المؤمن بالتعويض لا يستحق إلا بتحقق الخطر على نحو يشمله التأمين ولا يكفي وقوع الخطر بل لا بد من العلم به أيضا.
3 – تبدأ مدة التقادم فيما يتعلق بدعوى المطالبة بتعويض الأضرار التي تلحق بالبضائع من تاريخ وصول السفينة إلى ميناء الوصول أو التاريخ الذي كان يجب أن تصل فيه فيما لو لم تصل لسبب من الأسباب، وهذا التاريخ يمكن معرفته من وكيل السفينة في ميناء الوصول بعد تسلم سندات الشحن، فإن كان الحادث الذي نجم عنه هلاك أو تلف البضاعة المؤمن عليها قد حدث بعد وصول السفينة لميناء الوصول أو بعد التاريخ الذي كان يجب أن تصل فيه، فإن التقادم يبدأ من تاریخ وقوع الحادث.
4 – في حال نجم عن الحادث البحري ترك السفينة أو البضاعة للمؤمن، فإن دعوى المطالبة بتسوية الأضرار بطريق الترك تبدأ مدة تقادمها من تاريخ وقوع الحادث الذي سبب الترك، فإذا كان عقد التأمين يحتوي على مهلة لاقامة دعوى الترك، فإن التقادم يسري من تاريخ انقضاء هذه المهلة.
5 – في حال كانت الدعوى هي مطالبة المؤمن له بالتعويض عما ساهم به الخسارة المشتركة أو عما دفعه بموجب دعوى المطالبة بمكافأة الإنقاذ المستحقة، فتقادم هذه الدعوى التي تقام قبل المؤمن يبدأ من تاريخ وفاء المؤمن له بما استحق عليه سواء في الخسارة المشتركة أو في مكافأة المساعدة.
6 – تبدأ مدة تقادم دعوى المؤمن له في مواجهة المؤمن لمطالبته بما رجع الغير عليه من التاريخ الذي يقيم فيه الغير الدعوى على المؤمن له بالوفاء بما يطالب به الغير، مما يعني أن تقادم السنتين لا يبدأ بالسريان إلا من اليوم الذي يستعمل فيه هذا الغير دعواه في الرجوع على المؤمن له.
والذي نلاحظه هنا أن المشرع قد اشترط لبدء سريان مدة التقادم وجود دعوى للمطالبة من قبل الغير تجاه المؤمن له، فهو لم يأخذ ببدء سريان التقادم من وقت مطالبة المضرور للمؤمن له بالتعويض. إذ أن هذه المطالبة قد لا تقترن بدعوى وإنما قد تتم بطرق ودية أو سلمية أو بطرق أخرى غير الدعوى.
7 – تنقضي بمضي سنتين دعوى استرداد المبالغ المدفوعة بغير وجه حق (سواء أكان من رفعها هو المؤمن أم المؤمن له)، وتبدأ مدة التقادم في هذه الحالة من تاريخ علم من دفع هذه المبالغ بحقه في الاسترداد.
3- انقطاع التقادم:
سكت المشرع السوري في قانون التجارة البحرية عن بيان أحكام وقف التقادم بل اكتفى بذكر بعض الحكام المتعلقة بانقطاع التقادم في الفقرة الرابعة من المادة (387) وعليه سنعود إلى أحكام وقف التقادم التي جاء بها القانون المدني في المادة (379) التي نصت على ما يأتي:
1- لا يسري التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبية وكذلك لا يسري التقادم فيما بين الأصيل والنائب.
2 – ولا يسري التقادم الذي تزيد مدته على خمس سنوات في حق كل من لا تتوافر فيه الأهلية أو في حق الغائب أو في حق المحكوم عليه بعقوبة جناية إذا لم يكن له نائب يمثله قانوناً.
وأمر تقدير موانع وقف التقادم يعود إلى قاضي الموضوع. ويعتقد أن الكذب وكتمان المعلومات التي يجب أن يقدمها المؤمن له للمؤمن مانعة يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه، إلا بعد العلم بذلك مما يوقف التقادم خلال مدة جهله بتلك المعلومات، ومتی أوقف سريان التقادم بسبب أو لآخر فإن المدة التي وقف سريان التقادم في خلالها لا تحسب ضمن مدة التقادم وتحسب المدة السابقة والمدة اللاحقة.
وبخصوص حالات انقطاع التقادم في قانون التجارة البحرية فلقد نصت الفقرة الرابعة من المادة 387 على انقطاع سريان التقادم بالمطالبة إذا قام المدعى بمطالبة المدعى عليه بموجب كتاب سجل، يضاف إلى ذلك أن التقادم ينقطع إذا تمت بين الطرفين مفاوضات لتسوية الخلاف ودية أو إذا تم انتداب خبير المعاينة الحادث وتقدير الأضرار الناجمة عنه.
هذا بالإضافة إلى الأسباب المقررة قانوناً.
وبالعودة إلى القانون المدني، نجد تلك الأسباب هي:
أ- المطالبة القضائية وما في حكمها من رفع الدعوى أمام المحكمة ولو كانت غير مختصة مكانية أو نوعية وهذا ما أكدته محكمة النقض في قراراتها إذ قالت:
“إن رفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة يقطع التقادم في كل الأحوال حتى ولو كان لا ولاية للمحكمة بالنظر في النزاع” والسبب في ذلك بأن المدعي يكون قد أظهر نيته المحققة في أنه يريد تقاضي هذا الحق قضائية وبالتالي يجزم بوجود الحق الذي يراد اقتضاؤه.
ولكن يجب الملاحظة في أن التظلم المرفوع إلى سلطة إدارية لا يكفي لقطع التقادم.
ب – التنبيه: وقد فسرت محكمة النقض التنبيه الذي يقطع التقادم بقولها: (إن التنبيه الذي يقطع التقادم والوارد ذكره في المادة 380 من القانون المدني إنما يعني الإخطار التنفيذي وإن مجرد مراجعة الدائن لدائرة التنفيذ وإيداعه سنده لديها لا يؤدي إلى انقطاع التقادم إذا لم يبلغ المدين الإخطار التنفيذي أصولا قبل شطب المعاملة) .
ج – الحجز يقطع التقادم سواء أكان حجزة تنفيذية أم حجزة احتياطية. وعلى هذا قالت محكمة النقض: “إن الحجز الذي يقطع تقادم الأحكام هو الحجز التنفيذي أما الحجز الاحتياطي فإنه يعتبر قاطعة للتقادم بالنسبة للدعوى “.
لذلك فإجراءات الحجز تقطع التقادم باعتبارها من الإجراءات التنفيذية الذي يستخدمها صاحب الحق للمطالبة بحقه ومنع المدين من تهريب أمواله المنقولة وغير المنقولة التي تعد جميعها ضمانة للدين استنادا إلى أحكام المادة (305) من القانون المدني السوري.
والحجز يمكن أن يكون احتياطية أو تنفيذية وفي كلتا الحالتين ينقطع التقادم بالحجز بنوعيه، فالحجز الاحتياطي لا يسبقه التنبيه المنصوص عليه في الفقرة السابقة ومن ثم لا ينقطع التقادم إلا بتاريخ توقيع الحجز الاحتياطي بالذات.
وأما الحجز التنفيذي فيسبقه التنبيه الذي يقطع التقادم ومن ثم يأتي بعده الحجز التنفيذي الذي يتم تنفيذه في السجل العقاري وإن تسجيل الحجز التنفيذي في السجل العقاري يعتبر قطعة للتقادم من جديد وذلك اعتبارا من تاريخ تسجيل الحجز في السجل العقاري.
د – الطلب الذي يتقدم به الدائن لقبول حقه في تفليس أو في توزيع وبأي عمل يقوم به الدائن للتمسك بحقه في إحدى الدعاوى كما لو تدخل في دعوى مرفوعة من قبل مطالبة بالحق لنفسه أو أبدى طلباً عارضاً في دعوى مرفوعة ضد مدينه.
هـ – إقرار المدين بحق الدائن: صراحة أو ضمنا كما لو وضع المدين تحت يد الدائن مالا مرهونة رهنا حيازياً تأميناً لوفاء دينه فكلاهما يصلح لقطع التقادم.
حيث قضت محكمة النقض أن: “الإقرار القضائي الضمني بالمسؤولية يكفي لقطع التقادم “.
ويترتب على انقطاع التقادم سقوط المدة السابقة .
و – سريان تقادم جديد يبدأ من وقت انتهاء الأثر المترتب على سبب الانقطاع وتكون مدته هي مدة التقادم الأول.
وفي حال خكم بالدين وحاز الحكم قوة القضية المقضية كانت مدة التقادم الجديد وفقا للقواعد العامة خمسة عشر سنة، وكذلك الحال إذا كان هناك دين مما يتقادم بسنة واحدة وانقطع تقادمه بإقرار المدين( الفقرة الثانية من المادة 382 من القانون المدني).