القتل والإيذاء عن غير قصد
قليلة هي الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات إذا ارتكبت عن غير قصد. والقتل والإيذاء تعتبر من أهمها.
فهذه الجرائم يعتمد المشرع اتجاهها سياسة العقاب ليس استناداً إلى قصد جرمي وإنما استناداً إلى خطأ وقع به الفاعل أدى إلى موت الضحية أو إيذائها.
والحكمة في تجريم القتل والإيذاء خطأ تكمن في رغبة المشرع بصيانة أرواح الناس وسلامتهم البدنية، ولو كان الفعل في الحالتين ناتج عن خطأ لا عن قصد.
ولضرورة كون السياسة التي يعتمدها المشرع في العقاب عادلة، يجب أن يميز في العقاب بين القتل والإيذاء قصدأ والقتل والإيذاء خطأ بجعل المسئولية الناتجة عن الخطأ أخف بكثير من تلك الناتجة عن القصد.
وتجدر الإشارة إلى أن جرائم القتل والإيذاء خطأ تتحد مع بعضها في أركان الجريمة، سواء منها الركن المفترض وهو الإنسان الحي، أو الركن المادي المتمثل في سلوك الفاعل، أو في الركن المعنوي وهو الخطأ الذي يتجسد بإحدى صور ثلاث:
الإهمال – قلة الاحتراز – عدم مراعاة الشرائع والأنظمة.
إلا أن الفرق بين القتل والإيذاء خطأ يظهر في جسامة النتيجة الجرمية المتولدة عن هذا الخطأ، فبينما تتمثل هذه النتيجة في القتل بالوفاة، نراها في الإيذاء تتمثل بمجرد المساس بصحة المجني عليه أو بسلامته الجسدية.
هذا التوافق بين القتل والإيذاء الخطأ هو ما دفع المشرع السوري إلى تناول أحكامهما معا و على التوالي في المواد 550 إلى 553 من قانون العقوبات.
حيث تناول أو جرم القتل في المادة 550 كما يلي:
“من سبب موت إنسان عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”.
ثم تصدى للإيذاء غير المقصود في المادة 551 على الشكل التالي:
“1- إذا لم ينجم عن خطأ المجرم إلا إيذاء كالذي نصت عليه المواد 542 -544 كان العقاب من شهرين إلى سنة.
2- يعاقب على كل إيذاء آخر غير مقصود بالحبس ستة أشهر على الأكثر أو بغرامة لا تتجاوز المائة ليرة.
3- وتعلق الملاحقة على شكوى المجني عليه إذا لم ينجم عن الإيذاء مرض أو تعطيل عن العمل لمدة تجاوز العشرة أيام ويكون لتنازل الشاكي عن حقه نفس المفاعيل المبينة في المادتين 540 – 541″.
ونتيجة لكثرة حوادث القتل والإيذاء الخطأ الناجمة عن استعمال السيارات أورد المشرع نص المادة 552 كما يلي:
“كل سائق مركبة تسبب بحادث ولو مادي، ولم يقف من فوراُ، أو لم يعني بالمجني عليه، أو حاول التملص من التبعة بالهرب يعاقب بالحبس التكديري وبغرامة لا تتجاوز الخمسين ليرة”.
ثم أورد المشرع في نص المادة 553 ظرفاً مشدداً للقتل والإيذاء غير المقصودين كما يلي:
“يزاد على العقوبات المذكورة في المادتين 550 و 551 نصفها إذا اقترف المجرم أحد الأفعال الواردة في المادة السابقة”.
يتبين من مراجعة نص المادتين 550 و 551 أن أركان جريمتي القتل والإيذاء خطأ واحدة، وكل ما في الأمر أن المشرع وضعهما في نصين مختلفين بسبب اختلاف النتيجة في كل منهما، فهي في الأولى الوفاة وفي الأخرى المساس بسلامة الضحية البدنية
وهذه الأركان هي: الركن المفترض – الركن المادي – الركن المعنوي.
والركن المفترض يقتضي وقوع فعل الاعتداء على إنسان حي. ولقد سبق التصدي لهذا الركن في معرض الحديث عن أركان القتل المقصود وما يصح قوله هناك يصح قوله هنا.
والركن المادي له ثلاثة عناصر:
نشاط الفاعل سواء تمثل بصورة إيجابية أو سلبية. والنتيجة الضارة الناجمة عن هذا النشاط وهي الوفاة أو الإصابة. والرابطة السببية بين النشاط و النتيجة.
أما الركن المعنوي فيتمثل في الخطأ. والخطأ هذا هو انعكاس لنشاط الفاعل، أي أن ثمة تلازم بين نشاط الفاعل وخطئه، فهذا الخطأ يكمن في النشاط الذي يأتيه الفاعل”.
فسائق السيارة عندما يقود بسرعة يرتكب نشاطاً محرماً هو السرعة وهذا النشاط بحد ذاته يؤلف الخطأ وينطوي على الركن المعنوي.
وبناء على هذا التلازم بين النشاط والخطا سيتم تناول النشاط الجرمي والركن المعنوي معا تحت عنوان الخطا، متطرقين ضمنها للأشخاص المسئولين، إضافة للنتيجة المعاقب عليها والعلاقة السببية بين الخطأ والنتيجة. ثم نتطرق إلى درجات القتل والإيذاء الخطأ أي أوصافهما القانونية المختلفة.