القتل دفاعاً عن العرض أو الشرف
أورد المشرع السوري في المادة 548 من قانون العقوبات حكما يعفي بموجبه مرتكب القتل أو الإيذاء من العقاب، أو يخفف عقابه فقط، عند إقدامه على الفعل مدفوعاً بعامل العرض أو الشرف.
وهذا العذر المحل او المخفف يعتبر انعكاساً لتقاليدنا الاجتماعية الموروثة منذ القدم، تلك التقاليد التي يستغلها البعض، أحياناً، ويسيء استخدامها مستفيداً من الرخصة القانونية بالقتل التي منحها المشرع في المادة 548، ليمارس سطوة الذكر على الأنثى التي لم تعد تأتلف مع التطور الاجتماعي والاقتصادي والعلمي الذي بلغه المجتمع، بمساواة الأنثى مع الذكر في الحياة العامة.
وكثيرا ما نسمع عن إقدام أخ على قتل أخته أو أب على قتل ابنته لمجرد خروجها مع شاب غريب، أو زواجها به دون موافقتهما، أو لمجرد نشوء علاقة حب بريئة ونبيلة بينهما، مستغلين استغلالاً سيئاً لعادات المجتمع وأخلاقه ومثله وحرصه في المحافظة على الشرف والعرض.
أما نص المادة 548 فجاء كما يلي:
“1- يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل او إيذاء احدهما بغير عمد.
2- يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع أخر”.
بتحليل هذا النص نستخلص النقاط التالية:
– إن الحكمة والأساس الذي يقوم عليه العذر الوارد فيه هو الاستفزاز العنيف الذي يبعث الإثارة في نفس الفاعل، ويفقده أعصابه وحرية تفكيره.
فهذه الحالة التي يوجد فيها مرتكب الفعل عند مفاجأته لزوجته أو قريبته في وضع حساس يثير في نفسه الغضب الشديد والاستفزاز نتيجة هذا المشهد الذي لم يتوقعه فيقدم على فعل القتل تحت تأثير الغضب و هول المفاجأة التي سيطرت على نفسه فأنقصت من قوة إرادته وحرية اختياره أو أعدمتهما، وهذا ما ينقص من مسئوليته الجزائية التي تقوم أصلاً على الإدراك وحرية الاختيار.
– تطلب المشرع للاستفادة من العذر شروطاً خاصة بأطراف العذر تتمثل في العلاقة التي تربط الجاني بالمجني عليه أو الصفات التي يجب توافرها فيهما.
كما تطلب شروط خاصة بالواقعة التي أدت إلى ارتكاب القتل، الجرم المشهود أو الوضع المريب، وبظروف الحادثة من حيث توفر عنصر المفاجأة.
أولا- الشروط المتعلقة بأطراف العذر.
هذه الشروط تتمثل في العلاقة التي تربط الجاني بالمجني عليه، ومدى أهمية وجود هذه العلاقة في الحكمة من تطبيق العذر.
فنص المادة 548 اشترط وجود علاقة الزوجية أو رابطة القرابة بين أطراف العذر، وقام بتحديد الأشخاص المستفيدين من العذر وشخص المجني عليه بصورة حصرية لا يمكن التوسع فيها، ولا القياس عليها.
1- علاقة الزوجية.
عرف قانون الأحوال الشخصية في مادته الأولى الزواج بأنه
“عقد بين رجل وامرأة تحل له شرع غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل”.
وهذا النص هو المرجع في تحديد الصفة الزوجية بالنسبة للسوريين المسلمين وغير المسلمين .
وهذا الزواج هو ما تشترط المادة 548 قيامه، أي الزواج الشرعي الذي استوفي كافة أركان انعقاده.
أما العلاقة التي تقوم بين رجل وامرأة دون عقد زواج (concobinage، المساكنة)، فلا يستفيد بموجبها الجاني من العذر حتى ولو تجسدت هذه العلاقة بالاتصال الجنسي والعيش المشترك وإنجاب الأطفال، طالما أن هذه العلاقة غير شرعية.
والعشيق الذي يفاجأ عشيقته في صلات جنسية مع شخص أخر فيقدم على قتلها أو إيذائها لا يستفيد من هذا العذر.
والعلاقة الزوجية هي من العلاقات المؤقتة التي تبدأ في وقت محدد (بالعقد)، وتنتهي في وقت محدد أيضا، بالطلاق البائن أو الفسخ أو الموت.
ولا يستفيد الشخص من العذر الوارد في المادة 548 إلا أثناء قيام العلاقة الزوجية، لا قبلها ولا بعدها.
والطلاق الرجعي لا ينهي العلاقة الزوجية ما دامت عدته لم تنتهي، فالزوج يستفيد من العذر إذا قتل مطلقته رجعية إذا فاجأها بالأوضاع السابقة خلال فترة العدة .
والواضح من نص المادة المذكورة أنها تشمل كلا طرفي العلاقة الزوجية (الزوج والزوجة ) في الاستفادة من العذر الوارد بها، إذا أقدم أحدهما على قتل أو إيذاء الأخر حال مفاجأته بجرم الزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة.
فباستخدامه لعبارة ” من فاجأ زوجه ” التي تفيد معنى الزوج والزوجة على حد سواء يقطع الجدل القائم على أن هذا الحق هو للزوج فقط دون الزوجة.
لا سيما وأن عبارة زوجه هي ترجمة من الأصل الفرنسي لعبارة “conjoint” التي تفيد معنى الذكر والأنثى، ولا تقتصر على أحدهما.
فضلا عن أن المشرع لو أراد قصر حق الاستفادة من العذر على الزوج فقط لكان ذكر بصراحة عبارة “زوجته” بدل “زوجة” على نحو ما فعلت تشريعات أخري .
2- رابطة القربي.
وسع المشرع في نص المادة 548 في منح العذر ، فلم يقصره فقط على الزوجين، وإنما مد نطاقه إلى الأقرباء بالدرجة التي حددها على سبيل الحصر ” بالأصول والفروع والأخوة “. فهؤلاء الأقرباء لا تقل درجة استفزازهم في هذا الموقف عن درجة استفزاز الزوج أو الزوجة، وذلك نظرا للصلة الوثيقة التي تربطهم بالمجني عليه، والتي قد تفوق علاقة الزوجية قرية في بعض الأحيان.
صفة الجاني
يلاحظ أن المشرع لم يأخذ في النص بكافة درجات القرابة للاستفادة من العذر، وإنما اشترط صلة قرابة معينة ومحددة على سبيل الحصر، وهي قرابة النسب، أي بين الأصول والفروع، ومن قرابة الحواشي، قرابة الأخوة فقط.
وبذلك لا تصلح قرابة المصاهرة، ولا قرابة الرضاع، التي ليس لها أثر إلا في تحريم الزواج فقط .
باختصار، إن القرابة المشتركة لتطبيق النص هي القرابة النسبية بين الأصول والفروع وبين الأخوة.
ويستفيد من العذر الأصول والفروع سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، فالنص جاء مطلقاً بذكره عبارة ” أحد أصوله أو فروعه “، بالتالي، فالعذر يشمل الأباء والأمهات والجدود والجدات مهما علو ومهما علون، وكذلك الأبناء والبنات والأحفاد والحفيدات مهما نزلوا ومهما نزلن .
أما الأخوة، فلا يستفيد من العذر، بتقديرنا، إلا الذكور فقط دون الأخوات الإناث ذلك لأن النص جاء بعبارة أخته” بين أشخاص المجني عليهم، فالمخاطب فيه هو الذكر، وبالتالي وجب أن يكون الجاني ذكر” وليس أنثى، أي أخا لا أختاً، وذلك بخلاف الأصول والفروع الذين ذكرهم النص بشكل مطلق دون تحديد جنسهم، مما يجعل القاعدة الفقهية القائلة المطلق يجري على إطلاقه” واجبة التطبيق بهذا الصدد.
ويستوي في الأخوة أن يكونوا أشقاء أم غير أشقاء، المهم في ذلك، أن تكون قرابتهم قرابة نسب لا قرابة رضاع.
صفة المجني عليه.
لقد أفاد النص من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما”، إذن فالمجني عليه قد يكون شخصاً واحداً، وقد يكونوا شخصين، بشرط أن يتمتع أحدهما بإحدى صفتين هما: صفة الزوجية أو القرابة، وصفة الشريك.
فقد يكون المجني عليه أحد طرفي العلاقة الزوجية، وهم الزوج أو الزوجة عندما يفاجئه زوجه الأخر بإحدى الأوضاع المحددة في النص.
وقد يكون المجني عليه أحد الأصول أو الفروع أو الأخت، ولا يصلح أن يكون الأخ هو المجني عليه طالما أن النص قيد ذلك بعبارة “أو أخته”.
وبالرغم من أن نص المادة 548 قد يوحي بأن المجني عليه من الأصول والفروع يمكن أن يكون أنثى كما يمكن أن يكون ذكراً، باستخدامه لعبارة أو أحد أصوله أو فروعه، التي تشير إلى الذكور والإناث على حد سواء.
إلا أنه إذا كان يستوي في الجاني أن يكون ذكر أو أنثى في الأصول والفروع، فلا يمكن في المجني عليهم فيها إلا أن يكون أنثى. وهذا ما يؤكده النص الفرنسي الأصلي للمادة 548 القاطع الدلالة في أن المجني عليه في الأصول والفروع لابد أن يكون من الإناث فكان الأولى بالنص العربي أن يكون واضحة وضوح النص الفرنسي بوجوب ذكر أو إحدى أصوله أو فروعه التي تشير إلى الإناث فقط دون الذكور.
والخلاصة، أن الجاني في صلة القربي قد يكون ذكر أو أنثى، أما المجني عليه فيها فلا يمكن إلا أن يكون أنثى.
أما الشريك في المعنى المقصود بالنص فهو الشخص الذي يأتي مع الزوج أو الزوجة أو إحدى الأصول أو الفروع أو الأخوات فعل الزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء، أو يوجد مع أحدهم أو إحداهن في حالة مريبة.
وسيان أن يكون هذا الشريك قريبا للجاني أو غريبة عنه، ذكراً كان أم أنثى، فلا عبرة بعلاقته بالجاني ولا بجنسه.
المهم أن يضبط في إحدى الأوضاع المقررة في النص مع أحد الأشخاص المذكورين فيها. وسيان أيضا أن يقع القتل على الشريك وحده أم على الزوج أو الزوجة أو القريبة وحدها أم على كلاهما، فالجاني يستفيد من العذر.
وتجدر الإشارة إلى أن العذر الوارد في النص هو من الأعذار الشخصية، فلا يستفيد منه إلا الشخص الذي يتوافر فيه.
فإذا تعدد المشتركين في القتل والإيذاء فإن حكم العذر يسري فقط على الشخص الذي تم ذكره فقط في النص، من زوج أو أصل أو فرع أو أخ، أيا كان دوره في الجريمة، سواء كان فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً.
أما المساهمين الأخرين فلا يطالهم الإعفاء، بل تطبق عليهم أحكام جرم القتل المقصود، كل حسب دوره في الجريمة.
ثانيا – الشروط المتعلقة بالواقعة
إضافة للشروط المتعلقة بأطراف العذر، فلقد تطلب المشرع شروط أخرى تتعلق بالواقعة الحاصلة بين هذه الأطراف.
وهذه الواقعة لها وجهان:
الأول، هو الفعل الذي يرتكبه المجني عليه ويفاجئه به الجاني فتثور ثائرته ويقدم على قتله أو إيذائه، ويتمثل هذا الفعل بالزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة مع شخص أخر.
والثاني، وهو فعل الاعتداء الذي يقدم عليه الجاني عند مفاجئته للمجني عليه يرتكب أحد الأفعال السابقة، ويتمثل بالقتل أو الإيذاء.
1- المفاجأة.
إن المفاجأة هي الأساس الذي يرتكز عليه العذر .
ولقد حدد المشرع الحالات الحصرية للمفاجأة وهي الزنا المشهود أو الصلات الجنسية الفحشاء أو الحالة المريبة.
والأسئلة التي تثار هنا:
– ما معنى المفاجأة التي يتطلبها المشرع وعلى من يجب أن تقع؟ – ما مفهوم الزنا المشهود و الصلات الجنسية الفحشاء والحالة المريبة ومعيار التمييز بينهم؟
– بالنسبة للتساؤل الأول، فظاهر النص يوحي بأن الشخص الذي يجب أن يتفاجيء هو المجني عليه فقط دون الجاني. فالنص أورد “من فاجئ زوجه أو …” ولم يورد من امن فوجئ بزوجه أو …. إلا أن الحقيقة غير ذلك، فالمفاجأة يجب أن تقع على الجاني إضافة للمجني عليه.
وذلك لأن علم الجاني بشكل يقيني بزنا زوجته، وعدم توفر عنصر المفاجأة بالنسبة له، لا يجعله مستفيدا من العذر لاسيما وأن نص المادة 548 اشترط أن يكون الجاني قد “أقدم على القتل أو الإيذاء بغير عمد”.
وهذا ما لا يتوافر في حالة العلم اليقيني بزنا الزوجة، حيث يقدم الزوج على فعله بعد تفكير هادئ و عميق بعيدا عن الانفعال والغضب.
إلا أنه يجب التمييز بهذا الصدد بين العلم اليقيني وبين مجرد الشك والارتياب .
ففي الحالة الأولى، عندما يتيقن الجاني من خيانة زوجته أو قريبته فيقدم على القتل مصطنعة المفاجأة، ومدبراً وجود المجني عليها في وضع الزنا كي يستفيد من العذر.
فهذا لا يستفيد طالما انتفي لديه عنصر المفاجأة الذي يخلق لديه الاستفزاز والغضب اللذان يدفعانه إلى ارتكاب الجريمة، كما أنه في أغلب الأحوال يتعمد القتل بدافع الانتقام.
فالزوج الذي يكون واثقاً من خيانة زوجته فيدير الأمر لضبطها متلبسة بخطيئتها، كأن يتظاهر بأنه سيغيب عن البيت ثم يكمن فيه، ويقتل الاثنين متلبسين بالزنا، لا ينال من العذر شيئاً.
أما ذاك الذي يرتاب ويشك بسلوكك زوجته أو أخته مثلا، فيراقبها ليتأكد من صحة شكوكه أو عدم صحتها، حتى إذا تشاهدها ترتكب الزنا، استحال شکه إلى يقين فثار وقتلها، فهذا الجاني يستفيد بلا ريب من العذر .
فالشك أو الارتياب لا ينفي عنصر المفاجأة الذي يتحقق طالما أن احتمال الخيانة لدى الزوج يقابله احتمال عدم الخيانة .
– أما التساؤل الثاني، فالزنا يقع بالاتصال الجنسي الكامل والطبيعي بين رجل وامرأة خارج إطار العلاقة الزوجية.
وتتمثل الاستفادة من العذر عند مفاجأة الزوج لزوجته أو الأخ لأخته في حالة جماع مع شخص غريب.
إلا أن مفهوم الزنا المشهود، حسب المادة 548، لا يقتصر على هذا المعنى الضيق فقط. فليس المقصود في هذا النص أن يشاهد الزوج زوجته في لحظة ارتكاب فعل الزنا نفسه بحيث تصبح الخيانة من الناحية الواقعية حقيقة ثابتة،، بل يكفي أن تكون فكرة الخيانة من الناحية التصورية ماثلة أمامه، أي أن تؤدي جميع الملابسات إلى هذه الفكرة وتجعلها مقبولة عق”.
فيكفي أن يشاهد الزوج زوجته في ظروف لا تترك مجالا للشك عقلا في أن الزنا قد وقع أو أنه وشيك الوقوع.
وتطبيقاُ لذلك قضت محكمة النقض السورية بقيام حالة الزنا المشهود في حالة وجود الزوجة وشريكها في غرفة مغلقة وانفرادهما معا في وقت متأخر من الليل .
وقضت محكمة النقض المصرية بتوافر العذر إذا دخل الزوج غرفة النوم فوجد فيها المتهم مختفيا تحت السرير وكان خالعة حذاءه، وكانت الزوجة عند قدومه في حالة ارتباك شديد ولا يسترها شيء غير جلابية النوم، أو دخل المنزل فوجد زوجته وعشيقها بغير سراويل وقد وضعت ملابسهما الداخلية بعضها بجوار بعض، أو دخل المنزل فلاحظ وجود حركة تحت السرير وبرفعه الملاءة وجد الشريك ونصفه الأسفل عار وهو يمسك بملابسه .
إلا أن الأمر قد لا يقتصر على هذه الصور، فلو فاجأ الزوج زوجته مع غريب في حالة جماع خلاف الطبيعة، أو فاجأها بحالة سحاق مع أخرى ، فهذه الحالات لا تشكل زنا بالمعنى القانوني.
وهذا ما دفع المشرع السوري إلى إيراد عبارة أو صلات جنسية فحشاء” جنبا إلى جنب مع الزنا، ليطال تلك الوقائع الجنسية الفحشاء التي لا ينطبق عليها مفهوم الزنا.
والنتيجة، فإن مفاجأة أحد طرفي العلاقة الزوجية للأخر أو أحد الأصول أو الفروع أو الأخ للأخت أو لإحدى الأصول أو الفروع في حالة الزنا أو الصلات الجنسية الفحشاء المشهودة، يمنح هذا الشخص رخصة في القتل أو الإيذاء، من خلال استفادته من العذر المحل من العقاب.
الحالة المريبة
عندما يفاجأ الزوج زوجته أو ابنته أو أمه أو الأخ أخته في حالة مريبة مع شخص آخر، فيقدم على القتل أو الإيذاء، يستفيد من عذر مخفف للعقاب.
ولقد قلنا سابقا أنه إذا وجدت الزوجة أو من في حكمها في ظروف لا تدع مجالا للشك عقلا في أن الزنا قد وقع أو في سبيله إلى الوقوع فإن هذا يعتبر زن مشهود وفق المادة 548، كمشاهدة المجني عليها مع رجل أجنبي في الفراش وهما يرتديان الملابس الداخلية.
أما الحالة المريبة فلا تعني مفاجأة المجني عليها في ظروف لا تدع مجالا للشك بوقوع الزنا أو في سبيله إلى الوقوع، وإنما تعني الحالة التي تثير الشك والريبة بحدوث الزنا، أي أن هذه الحالة تكون غير مالوفة في المجرى العادي للأمور، ويعتقد معها بوقوع الزنا أو في سبيله إلى الوقوع.
ففي الحالة المريبة لا يشاهد الجاني فعل الزنا الفعلي، ولا تكون الظروف قاطعة على وجه اليقين بوقوع الزنا، وإنما يشاهد حالة تدعو الظروف فيها إلى الارتياب بوقوع الزنا، والظروف التي تدعو إلى الشك هي الظروف المحيطة بالحالة، سواء أكانت موضوعية أم شخصية.
وتطبيقاً لذلك اعتبرت محكمة النقض السورية أن
“الوالد الذي يقتل ابنته في بيت عشيقها الذي تقيم معه، ويتعاطی معها الزنا والفجور في أي وقت، يستفيد من العذر المخفف، لأنها أوجدت نفسها في حالة مريبة و على فراش غير مشروع “.
وفي قرار آخر اعتبرت محكمة النقض
“أن المرأة التي تقيم في منزل قد أعد لارتكاب الفجور بها بصورة سرية أو علنية وأعدت نفسها لتلقي الجماع في أي وقت كان قد أصبحت في حالة مريبة و على فراش غير مشروع وجعلت الاعتداء عليها مقترنا بالعذر المخفف وفقا للمادة 548، فإقدام الفاعل على قتل شقيقته المومس في دار عشيقها يجعله مستفيداً من العذر المخفف.
بالمقابل فلقد اتجه القضاء السوري إلى استبعاد توافر الحالة المريبة عند الشخص الذي يشاهد نتيجة الزنا فقط دون أن يشاهد الفعل أو الحالة المريبة.
فلقد قضت محكمة النقض أن الفاعل لم يفاجأ ابنته المغدورة في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص أخر أو في حالة مريية وإنما شاهد عليها علائم الحمل سفاحا مما يجعل أمر استفادته من العذر المحل أو المخفف غير وارد حسب المادة 548، وان كان الفاعل يستفيد في هذا الحالة من عذر الدافع الشريف .
ولا تعتبر الحالة المريبة متوفرة إذا كانت الظروف المحيطة بالواقعة معتادة بين الزوجة والشخص الذي فاجأها الزوج معه حسب العادات والتقاليد المتعارف عليها، وذلك كوجود الزوجة مع أحد محارمها، أو كانت طبيعة عملها تستدعي وجودها في تلك الحالة، كالطبيبة عندما تكشف على المريض.
كما لا تعتبر الحالة المريبة متوافرة إذا كان الجاني قد راى المجني عليها في وضع تاباه التقاليد ولكنه لا يثير الشك في قيام الصلة الجنسية غير المشروعة بينها وبين آخر أو توقع قيامها، كمشاهدة الأخ لأخته في الطريق العام مع شخص غريب، أو تجلس معه في مكان عام، مطعم أو سينما.
2- فعل الاعتداء.
هو الفعل الذي يقدم عليه الجاني عند مفاجأته للمجني عليه يرتكب أحد الأفعال المحددة بالنص مع شخص آخر، ويتمثل هذا الفعل بالقتل أو الإيذاء.
والعذر يشمل جريمة القتل المقصود، وجريمة الإيذاء المقصود بكافة صورها الجنحية والجنائية.
أما غير هذه الأفعال فلا يستفيد مرتكبها من العذر .
فإقدام الجاني على إتلاف أموال المجني عليه، أو هتك عرض شريك الزانية أو اغتصاب إحدى محارمه وما إلى ذلك من اعتداءات لا يشملها العذر.
وسيان أن يقع القتل أو الإيذاء بأية وسيلة، کالمسدس أو السكين أو الأيدي فقط.
ولقد اشترط نص المادة 548 في فعل القتل أو الإيذاء أن يقع بغير عمد، ذلك لأن الذي يبرر الإعفاء أو التخفيف من العقوبة هو شدة الانفعال النفسي الذي يستبد بالجاني ويدفعه إلى ارتكاب الجريمة، فإذا انتفي هذا الانفعال لدى الجاني، كما في حالة القتل العمد، فلا تتحقق هذه الحكمة، حيث أن الجاني في حالة العمد يقدم على ارتكاب جريمته بعيداً عن الانفعال والغضب، وبعد أن أخذ الوقت الكافي من التفكير الهادئ و التصميم على ارتكاب جريمته.
فلو فاجأ الزوج زوجته بحالة مريبة مع عشيقها ولم يقدم على قتلها فور المفاجأة بل انتظر فترة من الزمن كانت كافية لهدوء نفسه واستعادة وعيه ثم أقدم على قتلها فلا يستفيد من العذر لوقوع الفعل عمدا.
كما يعتبر العمد متوافراً في حالة الجاني الذي يعرض عن فكرة القتل عند مفاجأة المجني عليها، ويستعيد توازنه، ويفكر ملياً، ثم يعود ويقتلها بعد فترة.
أو حالة الجاني الذي يستدرج زوجته أو قريبته بعد علمه بخطيئتها إلى مكان ما، ثم يتآمر على قتلها ويخطط لذلك
– أما عن أثر العذر على العقوبة:
فالعذر المحل يعفي الجاني من العقوبة وحدها دون سائر الآثار القانونية، فيمكن توقيع تدابير الاحتراز وتدابير الإصلاح على المستفيد ما عدا العزلة (م 240 عقوبات).
أما العذر المخفف فهو كما يدل اسمه يخفف العقاب فقط. ولقد سكت نص المادة 548 عن تحديد مفعول هذا العذر ومقداره.
وعند السكوت يحيل القانون إلى نص المادة 241 من قانون العقوبات باعتبارها النص العام، وتخفف العقوبة وفقا لأحكامها .
وبموجب هذا النص فإن الجناية تنقلب إلى جنحة، والجنحة إلى مخالفة.
وتجدر الإشارة أخيرة إلى أن فعل القتل أو الإيذاء في نص المادة 548 إذا لم يستجمع شروط العذر الوارد فيه، فقد يستجمع شروط العذر المخفف الوارد في المادة 242، وهو عذر الإثارة، أو شروط عذر الدافع الشريف الوارد في المادة 192 من قانون العقوبات.
– أما عذر الإثارة فبموجبه “يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير سحق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه”.
ويشترط الاستفادة مرتكب القتل أو الإيذاء من هذا العذر أن تستولي عليه ثورة غضب شديد تسلبه قسماً من وعيه وإرادته كنتيجة لتصرف، غیر محق وعلى جانب من الخطورة، قام به المجني عليه.
أما إذا كان تصرف المجني عليه محق أو مشروعة، كإقدام الشرطي على القبض على السارق، فلا يحق للأخير أن يحتج بالاستفزاز إذا أقدم على الاعتداء على الشرطي.
أما خطورة الفعل فأمر يقدر تبعا للظروف ولدرجة تأثيرها على مرتكب القتل أو الإيذاء.
فما يثير شخصاً عصبية کثیر الحساسية قد لا يكون له أي أثر على شخص يتمتع بأعصاب هادئة ومزاج متزن.
– أما الدافع الشريف، الوارد في المادة 192 من قانون العقوبات، فقد يستفيد منه أيضأ مرتكبي جرائم العرض و الشرف عند فقدان شروط المادة 548.
إلا أن تخفيف العقاب فيه يختلف عن الأعذار الأخرى. فعذر الإثارة يقلب الجناية إلى جنحة، أما عذر الدافع الشريف فيبقي على صفة الجناية المشمولة به .