قتل الأصل أو الفرع
أطلقت بعض التشريعات العربية ظرف التشديد المستند إلى صلة القربي ليشمل إضافة للقرابة المباشرة بين الأصول والفروع، قرابة الحواشي والنسب، فشددت القتل الواقع على الأخوة والأخوات، والقتل الواقع على الزوج أو الزوجة .
في حين أن تشريعات أخرى قصرت ظرف التشديد هذا على الجرم الواقع على الأصول دون الفروع .
أما قانون العقوبات السوري فلقد اتخذ موقفاً وسط مشدداً عقاب القتل إلى الإعدام، في الفقرة الثالثة من المادة 435، إذا ارتكب على أحد أصول المجرم أو فروعه”.
فهو، من جهة، قصر ظرف التشديد على القرابة المباشرة بين القاتل والمقتول، دون أن يشمل علاقة الزوجية والأخوة والأخوات.
ومن جهة أخرى لم يقصر ظرف التشديد على القتل الواقع على الأصل دون الفرع، بل جاء النص شاملاً جميع الأصول وإن علوا، الأب والأم والجد والجدة وأبو أو أم الجد أو الجدة. وجميع الفروع ، الأبناء والأحفاد مهما نزلوا، ذكورا كانوا أو إناث.
ولا ريب أن تشديد المشرع عقاب قاتل أصله أو فرعه إلى الإعدام مرده إلى صلة القربي التي تفترض أقوى الأواصر وأقدس القيم الإنسانية، بحنان الأصل على الفرع، وبر الفرع للأصل.
ولا بد لتوفر هذا الظرف المشدد أن يكون هناك اعتداء مقصود منه إزهاق روح إنسان حي، سواء أفضى هذا الاعتداء إلى نتيجة أم بقي في حيز الشروع.
وأن يكون هناك صلة القربی المحددة بالنص، وهي القرابة المباشرة، فلا يجوز القياس أو التوسع في التفسير ليشمل التشديد الأخ أو الأخت أو العم أو الخال، أو الأزواج فيما بينهم. وأن يتوفر أخيراً القصد الجرمي، الذي يجب أن يكون “مزدوجاً أو مضاعفاً “.
فيجب أن يتوفر لدى الفاعل القصد الجرمي العام المطلوب توافره أصلاً لجرم القتل البسيط، وهو نية إزهاق روح إنسان حي، إضافة لوجوب اتجاه هذا القصد إلى الأصل أو الفرع.
ويبني على ذلك مجموعة من النتائج:
1- إذا حصلت الوفاة نتيجة الاعتداء الفاعل، بالرغم من انتفاء القصد العام، أي نية إزهاق الروح، فالجرم لا يعدو أن يكون سوى قتلا خطأ، أو إيذاء مفضي إلى الموت.
وفي الحالتين تنتفي إمكانية تشديد العقاب، إذا كان الميت احد أصول الفاعل أو فروعه.
2- إن أسباب التبرير وموانع العقاب تسري على جميع الجرائم، بما فيها القتل الواقع على الأصل أو الفرع.
وعلى ذلك فلا تشديد ولا عقاب على من يقدم على قتل أصله أو فرعه دفاعاً عن النفس أو إنفاذاً لنص قانوني أو في حالة جنون أو قوة قاهرة.
3- ينتفي هذا الظرف المشدد عند وقوع غلط في الشخصية.
فلو أن أحدهم أطلق النار على شخص قاصدا قتله، معتقدا أنه خصمه، فإذا به يفاجأ أنه قتل أصله أو فرعه.
فهنا توفر لدى هذا القاتل القصد الجرمي العام المتمثل بنية إزهاق روح إنسان حي، وانتفى لديه القصد المضاعف أو المزدوج، فهو لم يكن يريد أن يزهق روح أصله أو فرعه.
4- كما ينتفي هذا الظرف المشدد عند وقوع غلط في الشخص أو خطأ في التصويب.
فلو أراد الفاعل قتل خصمه فأخطأه فأصاب ابنه أو أبيه الذي كان واقفاً أو مارة بجانب خصمه.
فلا تشديد أيضاً لانتقاء القصد المزدوج أو المضاعف.
بالمقابل يتوفر هذا الظرف إذا توفر القصد المزدوج، في حالة اتجاه قصد الفاعل إلى إزهاق روح أصله أو فرعه، فأطلق عليه النار فأصاب شخصا أخر ومات نتيجة لذلك.
لأن الجريمة التي تقع على غير الشخص المقصود بها يعاقب فاعلها كما لو كان اقترف الفعل بحق من كان يقصد .
ويرى بعض الفقه، الذي نؤيده، أن نص المادة 205لا يجب أن يطبق في هذه الحالة بحرفيته، وإنما يجب تطبيقه الضمن إطار المبادئ العامة التي عالجت أحكام الغلط المادي وأثره في المسئولية الجزائية .
لاسيما وأن المادة 223 من قانون العقوبات في فقرتها الثانية قضت بأنه
“إذا وقع الغلط على أحد الظروف المشددة فإن المجرم لا يكون مسئولا عن هذا الظرف، و هو بعكس ذلك يستفيد من العذر الذي جهل وجوده”.
يستخلص من ذلك أن الفاعل الذي قصد قتل أباه أو ابنه فأصاب شخص أخر وقتله، إنما يعاقب بالعقوبة المقررة للقتل المقصود، ولا سبيل للأخذ بالظرف المشدد المستند إلى صلة القربي.
ويرى بعض الفقه أن الفاعل يلاحق في هذه الحالة عن قتل تام غير مشدد بالنسبة للضحية، و عن شروع في قتل مشدد بالنسبة لأصله أو فرعه.
وهذا يشكل اجتماعاً معنوياً الجرائم، تطبق فيه عقوبة الجرم الأشد، و هي عقوبة القتل التام .
والمسألة الأخيرة التي تثار في هذا الصدد تتعلق بتعدد المساهمين في جريمة قتل الأصل أو الفرع.
فهل يشمل ظرف التشديد جميع المساهمين أم يقتصر فقط على الشخص الذي يتوافر فيه؟
إن المادة 215 من قانون العقوبات قد وضعت حلاً عاماً لهذه المسألة.
بمقتضاه إن الظروف المادية التي من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها أو الإعفاء منها تسري على جميع الشركاء في الجريمة والمتدخلين فيها.
كما تسري عليهم أيضاً الظروف المشددة الشخصية والمزدوجة التي سهلت اقتراف الجريمة. وما عدا ذلك من الظروف فلا تطال إلا الشخص الذي تتعلق به.
ولا ريب أن صلة القربي هي ظرف مشدد شخصي يقتصر مفعوله على الشخص الذي تتوافر فيه صلة القربي هذه دون غيره من الشركاء والمتدخلين، بشرط أن لا تكون هذه القرابة هي التي سهلت اقتراف الجريمة، فإن العقوبة المشددة تطال الجميع عندئذ.