أ- تعريفها:
حجية الشيء المحكوم فيه هي حجية الأحكام القضائية، أي أن الحكم حجة بين الخصوم فيما فصل فيه من حقوق، فلا يجوز لأي منهم أن يعود إلى تجديد النزاع في دعوى جديدة، وقد قررت هذه الحجية المادة (۹۰) من قانون البينات السوري
“1- الأحكام التي حازت درجة القطعية تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة، ولكن لا تكون لتل أن الأحكام هذه القوة إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم من دون أن تتغير صفاتهم، وتعلق النزاع بذات الحق محلا وسيبة،
۲- ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها”.
ولا سبيل إلى التخلص من حجية الحكم إلا في سلوك إحدى طرق الطعن المقررة قانونا، فلا تتقيد محكمة الطعن بداهة بحجية الحكم في حدود هذا الطعن، إنما لا يجوز رفع دعوى مبتدئة تطرح النزاع من جديد، إذ لو أجيز ذلك لترتب عليه تأبيد المنازعات، واحتمال صدور أحكام متعارضة في ذات النزاع وبين الخصوم أنفسهم، وهذا من شأنه أن يفقد القضاء احترامه في النفوس .
ب- الطبيعة القانونية لحجية الشيء المحكوم فيه:
حجية الشيء المحكوم فيه في المسائل المدنية، ليست من النظام العام فلا يجوز للقاضي إثارتها من تلقاء نفسه، بل ينبغي أن يتمسك صاحب المصلحة ويدفع بها، ويجوز له أن ينزل عن حقه في الدفع بها تناز” صريحة أو ضمنية، وإذا نزل عنها فلا يجوز له الرجوع، كما لا يجوز له أن يتمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض، إنما يجوز له ذلك ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، فالدفع بعدم جواز سماع الدعوى لسبق الفصل فيها ليس دفعة من الدفوع الشكلية التي تسقط بمحض التعرض للموضوع، على أن القواعد الخاصة بحجية الشيء المحكوم فيه هي من القواعد الضيقة التفسير التي يجب الاحتراز من توسيع مدى شمولها منعا للأضرار التي قد تترتب على هذا التوسيع، فكلما اختل أي شرط من شروط تلك القاعدة كالسبب أو الموضوع (وحدة المسألة المحكوم فيها) أو الخصوم بصفاتهم، واختلف أيها في الدعوى الثانية عما كان عليه في الدعوى الأولى وجب التقرير بأن لا حجية للحكم الأول تمنع الدعوى الثانية”.
ج- نطاق حجية الشيء المحكوم فيه:
1- من حيث الموضوع:
مر معنا أن الحجية لا تثبت إلا للأحكام القضائية القطعية وهي لا تثبت إلا لمنطوق الحكم وللأسباب التي ارتبط بها المنطوق ارتباطاً وثيقاً بحيث لا يكون له قوام إلا بها، لأنها عندئذ تكون أساس الحكم وتتعلق بموضوعه حتمأ ولا تقوم للمنطوق قائمة إلا بها فهي جزء لا ينفصل عنه، وقد تثار مسألة فرعية في الدعوى ويترافع فيها الخصوم فتبحثها المحكمة في الأسباب وتفصل فيها في هذه الأسباب من دون المنطوق، فالحكم يحوز حجية الشيء المحكوم فيه بالنسبة إلى المسألة الفرعية أيضاً،
وإن كل سبب جرت المناقشة فيه وعمدت إليه المحكمة في أسباب حكمها فبحثته وقررت صحته أو بطلانه، وكان تقريرها هذا هو العلة التي انبنى عليها منطوق الحكم، فإن قضاءها يكون نهائياً في هذا السبب مانعة من التنازع فيه مرة أخرى بين الخصوم أنفسهم، ولا يمنع من حيازته حجية الشيء المحكوم فيه أن يكون التقرير به واردة في الأسباب .
هذا لجهة شروط الحجية من ناحية قانون أصول المحاكمات، أما لجهة شروط الحجية من ناحية قانون البينات، ونقصد فيما يتصل باتحاد الموضوع والسبب والأطراف في الحكم وفي الخصومة التي يتمسك فيها بحجيته، فهي شروط التمسك بحجية الشيء المحكوم فيه فإننا نحيل بشأنها إلى المبحث الخاص بالدفع بحجية الشيء المحكوم فيه في الجزء الأول من شرح قانون أصول المحاكمات.
٢- من حيث الأشخاص:
لا يعد الخلف العام، ولا الدائنون، ولا الخلف الخاص الذي تلقى حقه من أحد الخصوم في الدعوى بعد صدور الحكم فيها، لا يعدون من طائفة الغير فتكون الأحكام الصادرة ضد سلفهم، أو ضد مدينهم حجة عليهم.
إلا أنه بالنسبة إلى الدائنين والخلف الخاص، إذا كان الحكم قد صدر نتيجة للتواطؤ بين المدين أو السلف وبين خصمه في الدعوى، إضرارا بالدائن أو الخلف الخاص، جاز لهذا الأخير سلوك طريق اعتراض الغير على الحكم، والذي يؤدي بخصوص الأحكام الدور الذي تؤديه الدعوى البولصية بخصوص التصرفات القانونية.