يبني على مفهوم الدعوى والتعاريف المتداولة لها، ومن تحديد طبيعتها القانوني المستقلة، وجود مجموعة من الخصائص التي تستقل بها الدعوى، ومجموعة من الفروق عن بعض النظم المتقاربة معها، لذلك سنبين أهم خصائص الدعوى وتميزها عن غيرها من النظم المتقاربة معها فيما يلي:
أ- خصائص الدعوى
تتمتع الدعوى بمجموعة من الخصائص تتصف بها، وتضعها في نظام قانوني ذي طبيعة خاصة مستقلة عن غيرها من النظم القانونية، وهي تختلف فيها عن غيرها من طرق المراجعة الودية أو الإدارية التي قد يلجأ الأفراد إليها، ونلخص ذلك .
أولاً – الدعوى وسيلة قانونية:
فالدعوى هي الوسيلة الوحيدة أو الأساسية التي عينها القانون من أجل اللجوء إلى عدالة الدولة ممثلة بالمحاكم الاقتضاء حق أو حمايته وذلك إضافة إلى اللجوء إلى دائرة التنفيذ لتحصيل الديون الثابتة بالكتابة، أو ممارسة حق الدفاع المشروع بشروطه)، وهي بذلك تختلف عن المراجعات الإدارية أو الشكاوى أو التظلمات التي يقدمها أصحاب المصالح بصيغة التماس أمر ما.
ثانياً – الدعوى حق أو سلطة أو مكنة:
فالدعوى هي حق أو مكنة أو سلطة تعطي صاحبها صلاحية المطالبة بحق أو الذود عنه أو إلزام الغير باحترامه، لأنه لم يعد مبدئيا من الجائز قيام الأفراد أو غيرهم باستيفاء حقوقهم بأنفسهم، لأن استيفاء الحق بالذات أصبح جريمة يعاقب عليها القانون.
ثالثاً- الدعوى وسيلة اختيارية:
فالدائن أو المعتدى عليه ليس ملزمة باستعمال الدعوى من أجل اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالدين أو الدفع الاعتداء، بل له الحرية في ذلك، فهي لا تغدو كونها وسيلة موضوعة بين يديه إذا رغب في إلزام خصمه بأداء الدين أو وقف الاعتداء وإزالة آثاره،
كما يمكنه اللجوء إلى الحلول الودية أو التصالحية، أو إلى التحكيم، وعلى ذلك فإن الدعوى هي حق وواجب، لأن عدم استعمال الدعوى لاقتضاء الحق أو الدفاع عنه يؤدي إلى تعريض المجتمع لخطر الإخلال بميزان العدل والأمن فيه، لأن مفهوم سيادة القانون لا يقوم إلا عند مباشرة كل صاحب حق لحقه لأنه عندئذ يسود العدل والاطمئنان في المجتمع .
لذا، فإن استعمال الدعوى بوصفها حقا شخصية لصاحبها استعمالها أو عدم استعمالها، إلا أن استعمالها يجب أن لا ينطوي على التعسف في استعمال الحق لأنه لا يجوز استعمال حق الادعاء من أجل الكيد أو إلحاق الضرر بمصالح الأخرين.
رابعاً – إن الدعوى تقبل التنازل والحوالة:
تستند الدعوى إلى المطالبة بحق أو حمايته، وبالتالي فإن التنازل عن الحق أو الحماية، يؤدي إلى التنازل عن الدعوى، كما أنه يمكن التنازل عن الدعوى دون التنازل عن الحق،
و يمكن أن ينتقل الحق بالدعوى المقامة إلى الغير إذا ما تم التنازل عن مضمونها عن طريق حوالة الحق، وتنتقل أيضا إلى الخلف العام (الورثة والموصى لهم).
أما إذا كانت الدعوى تتعلق بحماية حق من الحقوق الملازمة لشخصية الإنسان أو بشخص صاحبها فلا يمكن أن تنتقل إلى الغير كدعوى الطلاق أو النفقة الزوجية، أو دعوى حماية الحياة الخاصة أو دعوى التعويض عن الضرر الأدبي فلا تنتقل إلى الغير إلا إذا كان قد أقامها فعلا أمام القضاء.
خامساً- تقبل الدعوى الانقضاء والتقادم:
يجب رفع الدعوى خلال عدد محددة، فإذا انقضت الآجال المحددة في أحكام خاصة دون رفعها تقادمت الدعوى وانقضى الحق فيها، ولم يعد بالإمكان رفعها ويتحول الحق موضوعها إلى التزام طبیعی،
وان الحق برفع الدعوى لا يقوم إلا بعد نشوء السبب الذي تقوم عليه فلا ينشأ الحق برفع دعوى التعويض إلا بعد الإخلال بالالتزام التعاقدي أو وقوع الفعل الضار،
ولا يبدأ سريان التقادم إلا من اليوم الذي يصبح فيه الدين مستحق الأداء، وإن تقادم الدعوى من حيث النتيجة هو تقادم للحق أو الالتزام مضمونها.
ب- تمیز الدعوى عن غيرها من الوسائل
تتميز الدعوى عن غيرها من المفاهيم أو المصطلحات القريبة منها والتي تستخدم في ساحة القضاء، كالمطالبة القضائية، والخصومة القضائية، وحق التقاضي، ونجد هذا التمييز وفق الآتي:
أولا- الدعوى والمطالبة القضائية .
تمثل الدعوى الوسيلة القانونية لحماية الحق من خلال سلطة أو حق الالتجاء إلى القضاء، وهي موجودة مادام الحق موجودة سواء طلب صاحب الحق اللجوء إلى القضاء أم لم يطلب وعندما يلجأ الشخص إلى القضاء المباشرة حقه في الدعوى نكون أمام مطالبة قضائية، حيث أن أساس المطالبة القضائية هو حق التقاضي.
فالمطالبة القضائية هي إجراء شكلي ينظمه القانون، ويتم به رفع الدعوى أمام القضاء استعما؟ للحق في الادعاء أمام القضاء، بينما الدعوى هي مضمون المطالبة القضائية، ولا يتم النظر في الدعوى إلا بمراعاة إجراءات رفعها، وإذا تم رفعها وفق الإجراءات المحددة في القانون تلزم المحكمة بنظر الدعوى بغض النظر عن قبول الدعوى من عدمه.
وعلى هذا فإنه يترتب على عدم مراعاة شروط الإجراء هو بطلان الإجراء، أما تخلف شرط من شروط قبول الدعوة هو رفض الدعوى.
ثانياً – الدعوي والخصومة:
إذا كانت الدعوى هي الوسيلة القانونية لاقتضاء الحقوق وحمايتها، فإن الخصومة تتمثل في مجموعة الإجراءات أو الأعمال التي تتم في ساحة القضاء بدءاً من انعقاد الخصومة بالتبليغ مرورا بالتحقيق أو الإثبات وحتى إصدار الحكم،
وعلى ذلك يقال أن الدعوى هي موضوع الخصومة، والخصومة هي الوسيلة أو الوعاء الذي يحتويها أمام القضاء، وبالتالي فإن لكل من الدعوى والخصومة شروط خاصة بكل منهما، وكل منها يؤدي إلى نتائج محددة ومختلفة.
ثالثا- الدعوى وحق التقاضي:
تعد الدعوى من طبيعة الحقوق الخاصة التي تنظمها قواعد قانون أصول المحاكمات، أما حق التقاضي فهو الرخصة الممنوحة للأشخاص بحق مراجعة القضاء لرفع الدعوى المتضمنة المطالبة القضائية المتمثلة في الحق المراد اقتضائه أو حمايته،
وبذلك فإن حق التقاضي ينتمي إلى مفهوم الحقوق العامة التي يحميها الدستور للمواطنين والأجانب في الحدود التي سبق ذكرها في هذا المجال، وبالتالي فإن حق التقاضي يختلف عن الدعوى، ويظهر هذا الاختلاف في أنه يصح التنازل عن الدعوى وحوالتها كما سبق البيان بينما لايصح ولا يجوز التنازل عن الحق في اللجوء إلى القضاء، لأنه لا يجوز التنازل عن الحقوق العامة ومنها الحقوق الدستورية.