دعاوى الفوركس أو الشركات المتعاملة بالعملات الرقمية ومنصات العملات
الحمد لله رب العالمين………… أما بعد :
كثر هذا النوع من القضايا وأقيمت فيها دعاوى عامة وخاصة وتعددت الصور حتى اصبحت بحاجة الى الضبط والتقعيد ونظراً لكثرة الاستفسارات والاستشارات من الزملاء القضاة عن هذه الدعاوى فقد عقدت لقاء قضائيا خصصته لهذا الموضوع وتطرقت أثناء الحديث لبعض الدعاوى التي لا تختص بالفوركس لكن لها شبه بها وقد رغب الزملاء تحرير ما تم طرحه فحررت هذا المختصر والموضوع يستحق بسطاً وتفصيلاً أكبر ولكن ما لا يدرك جله لا يترك كله ولعلي اجعل الكلام في مسائل تيسيراً للتناول والله المسؤول أن يلهمنا رشدنا ويسدد أقوالنا وأحكامنا .
المسألة الأولى :
يعرف الفوركس ( سوق الصرف الأجنبي) أنه المكان الذي يتم فيه تبادل أزواج العملات مثل اليورو مقابل الدولار الأمريكي أو الجنيه الاسترليني مقابل الدولار الأمريكي و استثمار تحركات أسعارها ف السوق لتحقيق الربح . ؛ والفوركس هو سوق خارج البورصة (OTC) يقوم المستثمرون و المتداولون بشراء و بيع أزواج العملات من خلاله.
وأسواق الفوركس ليس لها حصر للسيوله لأنها كبيره جداً وعقودها مفتوحه وليست مغلقه .
المسألة الثانية :
أهم اساسيات الفوركس:
ازواج العملات – والنقاط – والهامش – وحجم العقد – والرافعة المالية – ومنصة التداول – والعقود مقابل الفروقات – والسواب
ومن المهم للقاضي الاطلاع على تفاصيل ذلك كله وهي متاحة في المواقع الالكترونية وصفحات المنصات وأكثر ما يهمنا معرفته هو منصة التداول ومنصات الفوركس ونحوها تعرض نفسها بأنها منصة تتيح إمكانية التداول والوصول إلى مئات الأدوات من جميع أنحاء العالم ، مع توفير حلول محلية ودعم بلغتك الأم.
المسألة الثالثة :
ولتوضيح الصورة عن طريقة التعامل لا بد أن نعرف من هم المتعاملون ف الفوركس وهم
اجمالاً :
١- أكبر المتعاملي هم البنوك و الشركات الضخمة متعددة الجنسيات أو صناديق الاستثمار.
٢- الفئات المتوسطة مثل المستثمرين الخاصي و الشركات المتوسطة الحجم .
٣- وسطاء عبر الإنترنت أو بنوك صغيرة أو تجار تجزئة و مستثمرون.
معظم مشغلي السوق المشار إليهم أعلاه يمكنهم الوصول إلى سوق تداول العملات الأجنبية بين البنوك وهذا يعني أنه يمكنهم تبادل العملات مع بعضهم البعض دون وسطاء.
٤- متداولو التجزئة الأفراد وهؤلاء هم الذين لا يستطيعون التداول إلا بواسطة شركات التداول ( منصات التداول ) .
لأن القوة الشرائية لمتداولي التجزئة المبتدئي ضعيفة لذلك تحتاج إلى وسطاء الفوركس أو البنوك من أجل الحصول على الرافعة المالية و الوصول إلى السوق (من خلال منصة التداول).
وهنا تأخذ هذه المنصات عمولاتها من الأفراد من خلال قيامها بالتوسط لهم لدخول عالم الفوركس .
ومن هنا تنشأ الدعاوى التي ترفع للمحاكم من الأفراد الذين تداولوا عبر هذه المنصات فإما أن يدعوا أنه تم خداعهم من قبل منصات وهمية غير مرخصة أو أن المنصة وإن كانت مرخصة لكنها استولت على أرباحهم وربما رأس المال أيضاً, كما يوجد دعاوى أخرى تتعلق بأشخاص مخادعين يستولون على مبالغ من حسابات الأفراد البنكية من خلال الحصول على أرقامهم السرية من الأفراد انفسهم أو من بعض موظفي المصارف وأحياناً يتم تغيير بعض معلومات الحساب وذلك بتغيير وسيلة التواصل كالهاتف أو الايميل ونحوها .
المسألة الرابعة :
حذرت عدة جهات من التداول ف هذه الشركات والمنصات لكثرة التحايل فيها ولأنها غير مرخصة فالأمن العام ووزارة التجارة والمؤسسات المالية المعنية تعلن ذلك من خلال صفحاتها في النت ووسائل التواصل والاستثمار فيها محفوف بالمخاطر .
ويكفيك أن تعلم أنه في عام من الأعوام بلغت نسبة قضايا الاحتيال المبلغ عنها في هذ ا النوع ٨٠ ٪ من السعودية؟
ومن خلال تتبع السوق لا تجد شركة فوركس مرخصة في السعودية وإن كانت بعض المنصات تدعي ذلك لكن لم تبرز ما يصدقه .
لكن ربما وجد منصة تكون مرخصة من قبل مصرف البحرين المركزي أو الأردني مثلاً وتعرض خدماتها من خلال مواقع التواصل والسوشال عموماً ومن خلالها يتم اشتراك المقيمي في السعودية .
المسألة الخامسة :
يمكن حصر الدعاوى ف هذا الباب في الآتي :
1- الدعوى ضد شركة أو منصة تداول مرخصة أو ضد مدير حساب بخصوص الأرباح أو سعر الشراء والبيع أو مقدار العمولة أو التعويض فهذه دعوى تجارية متى تحقق صحة الاختصاص الدولي لمحاكم المملكة حسب النص النظامي الوارد في نظام المرافعات الشرعية.
وهنا لا تدخل هذه الدعوى ف اختصاص هيئة سوق المال لأن التداول خارج المملكة والأوراق المالية أو الأسهم غير مسجلة لكن العمل تجاري بحت .
2- دعوى من فرد أنه تم تحويل المبلغ من حساب المدعي إلى حساب المدعى عليه من غير علم المدعي ( أو عن طريق الخطأ ) فإن ثبت التحويل أو أقر به المدعى عليه فهذا النوع تنقسم فيه إجابة المدعى عليه إلى أقسام :
القسم الأول : أن يدعي أن المبلغ المحال حق له على المدعي فهنا تنحصر الدعوى بينهما ويطلب من المدعى عليه البينة على ما ادعاه من سبب التحويل فإن عدم البينة كان له يمين المدعي على نفي السبب ويحكم عليه بإعادة المبلغ .
القسم الثاني :
أن يدعي أنه وسيط بين المدعي وحساب آخر ( حساب الشركة أو وسيط ) وأنه قام بتحويل المبلغ له فهنا يطلب من المدعى عليه البينة وإلا فله يمي المدعي على النفي مع عدم إغفال القرائن هنا وظاهر الحال , فعلى سبيل المثال لو كان قد سبق حصول تحويل بهذه الصفة أو كانت المدة بي التحويل والدعوى طويلة ونحو ذلك مما يقوي جانب المدعى عليه فهنا يقدم الظاهر على الأصل .
القسم الثالث :
أن يدعي بأنه لم يعلم بالتحويل أو أنه تعرض حسابه للسحب منه دون علمه ( تهكير أو قرصنة أو تصرف من موظفي المصرف ) وأن المبلغ الذي دخل ف حسابه سحب منه وثبت سحب المبلغ ( غالبا الساحب حساب خارج المملكة ) فهنا ينظر في إجراءات المصرف فإن كان فيها خلل أو اخترق النظام المصرف ( لا الحساب الشخصي ) فالضمان على المصرف لأن هذا موجب نظام مؤسسة النقد ( البنك المركزي) وإن كانت اجراءات المصرف سليمة ونظامية فلا ضمان على المصرف ثم ينظر ف المدعي والمدعى عليه من ناحية التفريط وعدمه والأقسام هنا ثلاثة ( لأن التفريط إما من احدهما أو من كليهما أو لا ينسب إليهما تفريط ) فإن بان التفريط من احدهما فالضمان عليه ( والتفريط يكون إما باعطاء معلومات الحساب لغيره أو تسليم البطاقة له أو تزويده بالأرقام السرية أو فقدان البطاقة ونحو ذلك ) والضمان هنا على المفرط للقاعدة المعروفة .
وإن ظهر أن التفريط من كليهما فهنا إما أن يقال يضمن الساحب وهو المدعى عليه لحديث ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه ) وإما أن يقال يضمن المدعي لأن تفريطه سابق لتفريط المدعى عليه ولأن المدعى عليه لا يد له في خروج المال من يد المدعي ف الظاهر ويد المدعى عليه على المال غير مستقرة بل اليد لمن سحب المال منه فلا يستحق المدعي على المدعى عليه شيئاً وله مطالبة من سحب المبلغ من المدعى عليه ( وهذا الذي أرجحه ) .
وإما أن يقال اشتركا في التفريط فيشتركان في الضمان فيكون للمدعي نصف المبلغ . وإن لم يظهر من أحدهما تفريط فهنا إما أن يقال يضمن الساحب ( المدعى عليه ) لحديث ( على اليد ما أخذت ) ويده على الحساب حكمية فيضمن هو للمسحوب منه ( المدعي ) وله مطالبة الساحب منه ( من احيل له المبلغ أخيرا ) .
وإما أن يقال لا ضمان هنا لأن سبب الضمان غير متحقق وهو التفريط أو اليد فلا تفريط من المدعى عليه كما أنه لا يد له مستقرة على المال بل اليد لمن سحب المال منه واستقر في يده أخيراً ( وهذا الذي أرجحه ) .
3- دعوى من فرد أنه حول مبلغاً من المال لحساب فرد آخر أو مؤسسة باعتباره وسيطاً بينه وبين شركة التداول ( خارج المملكة ) وأقر المدعى عليه بذلك فهنا قسمان :
القسم الأول : أن يدعي أن المدعى عليه لم يحول المبالغ الى الشركة فعلى المدعى عليه البينة على التحويل وإلا حكم عليه .
القسم الثاني : أن يثبت التحويل من الوسيط الى الشركة ببينة أو اقرار فهنا تارة يبرأ الوسيط وتارة لا يبرأ وسيأتي تفصيل من يضمن ومن لا يضمن من الوسطاء .
المسألة السادسة :
أنواع الوسطاء في شركات ( منصات ) الفوركس ومن يضمن ومن لا يضمن منهم :
في أكثر القضايا يطلب المدعي تضمين الوسيط ومن خلال السبر لقضايا الفوركس يظهر أن الوسطاء فيها متعددون وهم إجمالاً وسيط بين المتداول والشركة ووسيط بين المتداول ووسيط آخر
ووسيط بين وسيطي
ووسيط بين وسيط والشركة
هذا من حيث تسلسل الوسطاء .
وأما من حيث أنواع الوسطاء من ناحية الضمان وعدمه فيمكن تقسيم الوسطاء فيها إلى أربعة أنواع :
١- وسيط مجرد وهذا إذا ثبت تسليمه المبلغ لمن بعده ( وسيط أو الشركة ) فلا يضمن لأنه مجرد وسيط .
٢- وسيط وكيل سواء كان وكيلا للمتداول أو لوسيط آخر أو للشركة فهذا له أحكام الوكالة
٣- وسيط ضامن وهو الوسيط الذي توسط بين ( المتداول ) والشركة أو وسيط آخر وضمن المال إما صراحة أو ضمن معرفة الشركة أما الضمان الصريح فهو ضامن لحديث (الزعيم غارم ) .
وإن كان ضمن معرفتها فقد اختلف اهل العلم والراجح الضمان فيضمن المال كما اختاره شيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم لأن المتداول لم يسلمه المال إلا لضمانه .
٤- وسيط شريك وهو الوسيط الذي توسط بين المتداول ومن بعده ( الشركة أو وسيط آخر ) وهو شريك في الشركة إما شريك أصلي أو شريك هرمي أما الشريك الأصلي فيضمن لأنه تصرف بصفته شريكاً وهو قابض بهذه الصفة فيضمن كما نص عليه اهل العلم في قاعدة قبض المال المشترك .
وأما الشريك الهرمي وهو الذي يستحق جزءاً من العمولة بحسب عدد المتداولين عن طريقه فهذا لا يضمن لأنه في الحقيقة ليس بشريك بل هو بالنسبة للشركة وكيل وسمسار ( بعوض ) والسمسار والوكيل لا يضمنان .
المسألة السابعة:
تنبيهات :
# من الوارد في دعاوى اختراق الحسابات البنكية أن يكون الطرفان المدعي والمدعى عليه ضحيتي لعملية خداع ومن الوارد أن يكونا متواطئي لتمرير أموال خارج المملكة واقامة دعوى صورية حماية لهما من الملاحقة الجنائية ومن الوارد كون احدهما ضحية والآخر مخادع فلا بد من استحضار ذلك عند النظر ف القضية .
# النظام المصرفي في المملكة يتمتع بنظام حماية ومراقبة دقيقة جداً وهو من أكفأ الأنظمة في العالم وهذا لا بد من معرفته لما له من أثر ف نظر الدعوى واعتبار الأصل والظاهر .
# هذا النوع من الدعاوى فيه جانبان الحق الخاص وهو ما تقدم تحريره والحق العام وقد صدر نظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة بالمرسوم الملكي رقم (م/ ٧٩ ) وتاريخ ١٤٤٢ ه وتضمن عقوبات نظامية للمحتالي والمتواطئي . /٠٩ /١٠
١٤٤٢ ه / ١ / وقد صدر من النائب العام قرار رقم ( ١) وتاريخ ١ وجاء فيه فقرة ( ٨ ) وتنص على أنه:
من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف قضايا النصب والاحتيال بشتى أنواعها بما يزيد عن ٢٠ ألف ريال.
# لا بد ف نظر هذه الدعاوى من إعمال عدة قواعد كقاعدة التفريط والضمان واليد كما أنه لا بد من مراعاة التسلسل بين الوسطاء بحسب صفة كل وسيط ( الضامن والمجرد والشريك والوكيل ) مع الدقة ف التكييف فليس كل يد تلقت عن يد ضمان ضامنة ولا كل يد تلقت عن يد أمانة أمينة بل حسب صفة من تلقى المال .
# عندما يوجد سبب للضمان من أحد أطراف القضية فيضمن ومن لا يوجد منه سبب للضمان فلا يضمن وهذا كله أمر ظاهر لكن لو اجتمع أكثر من سبب للضمان من أكثر من طرف كما لو كان سبب الضمان من أحدهما التفريط ومن الآخر التعدي أو من أحدهما التلف ومن الآخر اليد ونحو ذلك فهنا لا بد من إعمال قواعد الترجيح بي أسباب الضمان وهي مفصلة ف كتب القواعد كقواعد ابن رجب وفروق القراف والزريراني وغيرها فعلى سبيل المثال لو اجتمع التفريط من أحدهما مع الإتلاف من الآخر فالضمان على المتلف اعمالاً لقاعدة التسبب والمباشرة وهكذا .
# الوسيط الالكتروني للشركة حكمه حكم الوسيط المباشر وكذلك الوكيل الالكتروني للشركة لكن لا بد من تحقق الصفة فقابض المال بصفته وكيلاً أو وسيطاً إذا لم يثبتصفته بالمستندات فهو ضامن لأنه لا صفة له في القبض ولا يصح تكييفه وكيلاً عن المتداول لأنه حال القبض ليس كذلك بل لم يقبض إلا بصفته وكيلاً أو وسيطاً للشركة ( المنصة )
وختاماً :
هذه الدعاوى من النوازل المتجددة والتي تتغير بسرعة فينبغي متابعة تغيراتها ومعرفة الأساليب المتبعة ف التعامل كما أنها بحاجة إلى دراستها دراسة شاملة وحصر الصوروالمسائل المتعلقة بها ولعل المراكز العلمية ودور الإفتاء والجامعات تنهض بهذا الدور من خلال البحوث المحكمة والدراسات المقارنة ولعلي اقترح في ختام هذا التحرير أن يتم إنشاء إدارة ( أو تطوير إدارة المستشارين بالمجلس ) بحيث تزود بعدد من الكفاءات العلمية من القضاة أو غيرهم لتتولى بحث المواضيع العلمية خاصة المستجد منها والتي تشكل على كثير من القضاة وتصدر فيها بحوثاً علمية مؤصلة يستعي بها القضاة على اختلاف درجاتهم ويمكن ف هذا الصدد مد جسور التعاون بي المجلس والجامعات والمراكز البحثية والعلمية وهي كثيرة ومنتشرة ف بلادنا ول الحمد وال أعلم وصلى ال وسلم على نبينا محمد وآله .
كتبه قاضي الاستئناف
عبدالرحمن التويجري