إن مفهوم السرقة يتضمن الاستيلاء على الحيازة الكاملة لشيء له صفة المنقول ونقله من مكانه.
وهذا المفهوم لا يستوي إلا إذا كان هذا الشيء مادياً.
والشيء المادي هو “كل ما يشغل حيزا من فراغ هذا الكون ويستطيع الإنسان أن يدركه ببعض حواسه”.
أو هو “كل ماله كيان ذاتي مستقل في العالم الخارجي، أو هو كل ماله طول و عرض وسمك بصرف النظر عن حجمه أو وزنه أو هيئته “.
إذن فمناط الصفة المادية للشيء هو إمكان السيطرة المادية عليه وصلاحيته للتملك.
نستخلص من ذلك نتيجتين:
– الأولى:
أن الأشياء المعنوية، أي غير المادية، لا تصلح محلا للسرقة، كالحقوق والأفكار والألحان والمخترعات والشعر، لأنها أشياء معنوية لا تدرك بالحس وليس لها كيان مادي يمكن الاستيلاء عليه.
بيد أن هذه الأشياء تتحول إلى منقولات مادية صالحة لتكون محلا للسرقة إذا أفرغت في وعاء مادي، کسند أو كتاب أو نوتة موسيقية أو براءة اختراع، لأن السرقة هنا تقع على المادة التي دون بها الحق أو الكتاب الذي وضعت به الأفكار أو النوتة التي تتضمن اللحن الموسيقي أو براءة الاختراع. أما الحقوق في حد ذاتها والأفكار والألحان والمخترعات فليس لها كيان مادي يصلح ليكون محلا للسرقة .
– الثانية:
يستوي في أن يكون هذا الشيء المادي الذي يأخذ صفة المنقول جسم صلب أو سائلا أو غازية، فهو ذو کیان مادي وان اختلفت مادته. والأشياء الصلبة لا يمكن حصرها، فمنها النقود والمواشي والآلات…الخ.
أما الأشياء السائلة، كالماء والزيت والكحول والبترول، فهي سوائل مادية يمكن إحرازها و تملكها، ويخضع الاستيلاء عليها لوصف السرقة.
وعلى ذلك يعتبر سارقاً من يسحب الماء من أرض جاره وينقلها إلى أرضه.
كما يعتبر سارقاً من يستولي على كمية من مياه الشرب أكثر مما حسبه العداد باستعماله طريقة من طرق الغش لأخذ الماء.
كأن يضع ماسورة قبل العداد الذي وضعته الشركة دون أن يجعل الماء يمر بالعداد، أو يجعله يمر بالعداد ولكنه تلاعب في حركته بإبطاء تلك الحركة عن السير العادي.
أما إذا ترك العداد يحسب مقدار كمية المياه المستهلكة بطريقة عادية ثم قام بعد ذلك بتغيير الرقم الحقيقي المبين بالعداد إلى رقم أقل منه فإنه لا يعد مرتكبا لجريمة السرقة، لأن كمية المياه وقت أخذها إنما أخذت واستهلكت بطريقة نظامية، لأن العداد كان يحسبها في أثناء الأخذ بصورة صحيحة، فلم تؤخذ بدون رضاء الشركة، إذ يستفاد هذا الرضا من مرور المياه بالعداد مرورة طبيعية، وإن كان يعتبر سلوكه هذا غشا عقدية غير مشروع في مقدار دین الشركة على مدينها، أو يعتبر غشا قد يصل إلى حد الاحتيال إذا توافرت شروطه، ولكنه ليس سرقة.
أما الأشياء الغازية، فبالرغم من أنها لا تدرك بالعين المجردة، إلا أنها تأخذ حكم الأشياء الصلبة والسائلة، لأنه يمكن حيازتها ونقلها وتملكها من خلال ما تعبأ فيه من أنابيب أو قوارير لاستخدامها في الأغراض الاقتصادية.
ويدخل ضمن هذا المفهوم الطاقة الكهربائية والمغناطيسية التي تعمل على نقل الصوت عبر الأسلاك التلفونية والطاقة النووية.
فهي طاقات تخضع للسيطرة كغيرها من الأشياء المادية، فهي تعبأ وتنقل وتجاز وتقاس ويتحكم فيها سواء بالاستهلاك أو عدمه، و تصلح محلا لحق التملك، وبالتاي محلا لجرم السرقة.
وقد نص المشرع السوري صراحة في المادة 621 فقرة 2 من قانون العقوبات على أن “القوة المحرزة تنزل منزلة الأشياء المنقولة في تطبيق القوانين الجزائية”.
وبذلك أدخل المشرع الكهرباء والغاز والبخار في قائمة الأموال التي تصلح محلا لجرم السرقة.
وعلى ذلك يعتبر سرقة الحصول خلسة على التيار الكهربائي بمد سلك من الخط الرئيسي أو بوضع سلك بطرفي العداد يمر منه التيار دون تسجيله في العداد، باعتبار أن الكهرباء في هذه الحالة لم تسلم رضائياً وفق الشروط التي وضعتها شركة الكهرباء.
أما التلاعب بالعداد بعد الاستحصال على الكهرباء أصوة بتخفيض الكمية المسجلة فيشكل غشا في كمية البضاعة المتعاقد عليها، أو احتيالاً إذا توافرت شروطه وليس سرقة.
ويعتبر مرتكبا لجرم السرقة ايضا، وليس جرم استعمال اشياء الغير دون وجه حق، من يستولي على الخط الهاتفي لجاره، سواء تعطل خط الجار المجني عليه أم لم يتعطل.
فالخط الهاتفي له قيمة مالية تتمثل في تكاليف الاشتراك والمكالمات التلفونية المستهلكة، وقام المتهم بتملك قيمة المكالمات الهاتفية التي استعملها وهو يعلم بأنه غير مالك للخط الهاتفي، ودون رضاء صاحب الخط المجني عليه.