ركن محل الاحتيال
يتطلب الاحتيال موضوعاً أو محلاً هو ذلك المال المسلم للمدعى عليه نتيجة نشاطه الجرمي المتمثل بالحيلة والخداع.
وقد عبرت الفقرة الأولى من المادة 641 عنه بقولها
“مالا منقولا أو غير منقول أو أسنادا تتضمن تعهدا أو إبراء…
إذن فمحل جريمة الاحتيال هو المال.
وهذا المال يجب أن يكون مادية مملوكة للغير سواء كان منقولا أم غير منقول.
وبالرغم من أن جميع المحررات و السندات والوثائق تدخل ضمن مفهوم المال المنقول إلا أن المشرع نص صراحة على الأسناد المتضمنة تعهدا أو إبراء.
والجدير ذكره أن المال محل جرم الاحتيال هو ذاته المال محل جرم السرقة، باستثناء فارق واحد بينهما ، و هو أن السرقة لا تقع إلا على منقول، بينما الاحتيال يقع، في القانون السوري، على المنقول والعقار.
لذلك سنتعرض بإيجاز المفهوم المال في الاحتيال محيلين بالنسبة لتفصيلاته إلى ما سبق ذكره في جريمة السرقة.
1- إذن يشترط في محل الاحتيال أن يكون مالاً، والمال هو كل شيء يصلح أن يكون محلاً لحق الملكية.
والإنسان لا يمكن أن يكون محلاً لجرم الاحتيال.
فمن يخدع فتاة ويحملها على التسليم في عرضها لا يرتكب جريمة احتيال .
كما لا يرتكبها من يخطف أخر بالحيلة والخداع.
فمحل هذه الجرائم ليس مالاً، وبالتالي يلاحق مرتكبيها عن جرائم أخرى قد تكون الاغتصاب أو الخطف أو الحرمان الحرية.
ويشترط بطبيعة الحال أن يكون المال متقومة، سواء كانت قيمته كبيرة أو ضئيلة، مادية أو معنوية، كتذكار أو رسالة أو خصلة شعر أو أي شيء له مكانة وقيمة لدى حائزه.
2- ويشترط في المال أن يكون ذو طبيعة مادية، أي قابلا للحيازة والتسليم والتملك الشخصي، بصرف النظر عن طبيعة مادته، صلبة أو سائلة أو غازية.
فيخرج بالتالي من مفهوم المال الأشياء المعنوية، أي غير المادية، كالحقوق والأفكار والألحان والمخترعات و الشعر، لأنها أشياء معنوية لا تدرك بالحس وليس لها كيان مادي يمكن الاستيلاء عليه.
بيد أن هذه الأشياء تتحول إلى منقولات مادية صالحة لتكون محلا للاحتيال إذا أفرغت في وعاء مادي، كسند أو كتاب أو نوتة موسيقية أو براءة اختراع وتم الاستيلاء عليه بالخداع، لأن الاحتيال هنا يقع على المادة التي دون بها الحق أو الكتاب الذي وضعت به الأفكار أو النوتة التي تتضمن اللحن الموسيقى أو براءة الاختراع.
أما الحقوق في حد ذاتها والأفكار والألحان والمخترعات فليس لها كيان مادي يصلح ليكون محلا للاحتيال.
3- ويشترط أن يكون المال موضوع الاحتيال مملوكة للغير.
بالتالي لا يقع الاحتيال في حالة من يستعمل الخداع الاسترداد ماله من يد سارقه، أو حالة المؤجر الذي ينتزع بالخداع من المستأجر الشيء الذي أجره له قبل انتهاء مدة العقد، ولو كان المستأجر قد أدي الأجرة عن المدة بأكملها.
ولا يرتكب جريمة الاحتيال أيضا من يستولي على مال لا مالك له، مثل المال المباح أو المتروك.
والمثال على ذلك أن يهم شخص بحيازة مال مباح فيتدخل شخص ويدعي ملكيته للمال ويؤيده شخص ثالث بذلك، فهو لا يرتكب الاحتيال لأن محله غير مملوك لأحد.
إلا أن الحكم يختلف لو أن الشخص هذا حاز الشيء المتروك أو المباح فقام المحتال بخداعه وحصل عليه، فهنا تقوم جريمة الاحتيال لأن المال المباح أصبحت ملكيته لمن يحوزه، والتسليم هنا انصب على مال مملوك للغير.
ويستوي أخيرا أن يكون محل الاحتيال ما منقوط أو غير منقول. وهذا ما يميز الاحتيال عن السرقة وعن إساءة الائتمان، اللتان لا تقعا إلا على مال منقول.
وللمنقول في جريمة الاحتيال ذات المعنى الذي حددناه في جريمة السرقة، فنحيل إليه.
وبالرغم من دخول الأسناد ضمن مفهوم المال المنقول، إلا أن المشرع ذكرها صراحة بعبارة “الأسناد التي تتضمن تعهدا أو إبراء”.
والأسناد تعني الصكوك أو المحررات ذات القيمة المالية، أي كل ورقة تحمل تعهدا أو إبراء. والمراد بالتعهدات الموجبات على اختلاف موضوعاتها، ومثالها سند الدين.
أما الإبراء فيراد به كل إنهاء الموجب أيا كان سبب هذا الإنهاء، ومثاله سند المخالصة، أي السند الذي يثبت الإبراء من الدين.
ويبدو أن الحكمة من إيراد الأسناد بصورة مستقلة عن المنقول تتجلى بكون الاحتيال الذي يكون محله الأسناد يظهر في صورتين مختلفتين:
الأولى: تتمثل بالحصول بطريق الخداع على السند ذاته المتضمن تعهدا أو إبراء.
فللسند في هذه الحالة طبيعة مادية وله بالإضافة إلى ذلك قيمة مالية، فأمره لا يثير صعوبة تذكر، والاحتيال يقوم بهذه الحالة.
الثانية: تتمثل بالحصول بطريق الخداع على التعهد أو الإبراء في سند موجود في حيازة المجني عليه، ودون أن يقتضي ذلك حصول المحتال على السند ذاته.
والفرض هنا أن يستطيع المحتال أن يحصل على تعهد في ذمة الغير المصلحته أو أن يحصل على إبراء من تعهد في ذمته دون أن يقتضي ذلك حصوله على السند.
والمثال على ذلك أن يحصل المحتال بالخداع على تسجيل اسمه في قائمة من يستحقون إعانة بطالة أو مرض أو تعويض عائلي، أو أن يحمل المجني عليه على أن يثبت في دفتره اسمه على أنه يستحق ما في ذمته، أو على أن يحذف من دفاتره مبلغا كان ثابتا في ذمته .