سلطات الضابطة العدلية في الجنايات المشهودة
أجاز المشرع لبعض رجال الضابطة العدلية القيام ببعض أعمال التحقيق الابتدائي التي هي في الأصل من اختصاص قاضي التحقيق، وذلك في حالات استثنائية اقتضتها مصلحة العدالة لما قد يترتب عليها من نتائج قانونية تتسم بخطورة خاصة ولتعلقها بكرامات الناس وحرياتهم، لذلك فقد قصرها المشرع مبدئية على حالة الجناية المشهودة، كما قصرها بصورة صريحة على رجال النيابة العامة وقضاة الصلح في المراكز التي لا يوجد فيها نيابة عامة) وضباط الشرطة ورؤساء المخافر دون سواهم. وهذا التعداد حصري.
كما أعطى المشرع، بنص صريح، قاضي التحقيق حقوق النائب العام في حالة الجريمة المشهودة، لذلك فإن من حقه أن يباشر التحقيق دون انتظار إقامة الدعوى العامة لديه.
وقد نصت المادة (46) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على الأعمال التحقيقية التي أجازها المشرع لأعضاء الضابطة العدلية حيث جاء فيها:
“إن موظفي الضابطة العدلية المذكورين في المادة 44 ملزمون في حال وقوع جرم مشهود… بأن ينظموا ورقة الضبط ويستمعوا لإفادات الشهود وأن يجروا التحريات وتفتيش المنازل وسائر المعاملات التي هي في مثل هذه الأحوال من وظائف النائب العام..”،
و يدخل في هذه الأحوال حق القبض على المشتبه به.
يتضح من كل ما سبق أن الجناية المشهودة ترتب على الضابطة العدلية القيام بعدة إجراءات وهي:
1- الانتقال إلى موقع الجريمة:
أوجب المشرع على الضابط العدلي أن ينتقل في الحال إلى موقع الجريمة وأن ينظم محضرا بالحادثة وبكيفية ومحل وقوعها وأن يدون أقوال من شهد الواقعة ومن كانت لديه معلومات عنها أو معلومات ذات فائدة كالأقارب والجيران والخدم قبل أن يحدث شيء يؤدي إلى تغييرها أو تشويه حقيقتها. ويصادق أصحاب الإفادات المستمعة على إفاداتهم بتوقيعها، وعند تمنعهم عن التوقيع يصرح بذلك في المحضر .
ويتوجب على من انتقل إلى مكان وقوع الجريمة أن يحيط قاضي التحقيق علما بانتقاله ولا يكون ملزمة بانتظار حضوره لمباشرة عمله.
واذا كانت طبيعة الجريمة وظروف اقترافها تحتاج في معرفتها إلى أهل الخبرة، فلعضو الضابطة العدلية أن يصطحب عند انتقاله إلى موقع الجريمة واحدة أو أكثر منهم، كما هي الحال إذا مات شخص قتلاً أو بأسباب مجهولة باعثة على الشبهة فيستعين عضو الضابطة العدلية بطبيب أو أكثر لتنظيم تقرير أسباب الوفاة وبحالة جثة الميت.
وعلى الأطباء والخبراء أن يقسموا قبل مباشرتهم العمل يمينا بأن يقوموا بالمهمة الموكولة لهم بشرف وأمانة.
2 – منع الحاضرين من الابتعاد:
لعضو الضابطة العدلية منع أي شخص موجود في البيت أو المكان الذي وقعت فيه الجريمة من الخروج منه أو الابتعاد عنه.
والمقصود بهذا الإجراء العمل على استقرار النظام في محل وقوع الجريمة ليتاح للضابط العدلي تأدية مهمته، ومنع العبث أو تبديد أدلة الجريمة.. ومن يخالف هذا المنع يوضع في محل التوقيف ثم يحضر لدى قاضي التحقيق لمحاكمته والحكم عليه بعد سماع دفاعه ومطالبة النائب العام.
واذا لم يمكن القبض عليه ولم يحضر بعد تبلغه مذكرة الدعوة يحكم عليه غيابية ولا يقبل الحكم أي طريق من طرق المراجعة وينفذ في الحال.
كما أن العقوبة التي يمكن القاضي التحقيق أن يحكم بها هي الحبس التكديري من يوم إلى عشرة أيام والغرامة من 25 ليرة إلى 100 ليرة، ويستمر هذا المنع حتى تنظيم المحضر بتثبيت حالة المكان والجريمة والأشخاص. ومتى انتهى عضو الضابطة العدلية من تنظيم المحضر، رفع المنع.
3- القبض على فاعل الجرم وتفتيشه:
القبض إجراء يستهدف سلب حرية الشخص م قصيرة، ولذلك فإن صدوره يجب أن يكون من سلطة مختصة بالتحقيق نظرا إلى خطورته، لكن المشرع أجاز لعضو الضابطة العدلية في حالة الجناية المشهودة أن يأمر بالقبض على كل شخص من الحضور يستدل بالقرائن القوية على أنه فاعل ذلك الجرم. وإن لم يكن حاضرة أصدر عضو الضابطة العدلية أمرأ بإحضاره، والمذكرة التي تتضمن هذا الأمر تسمى مذكرة إحضار، وعلى هذا العضو أن يستجوب في الحال الشخص المحضر لديه.
وحق القبض على المتهم يستلزم في ذاته حق تفتیشه وضبط ما يحمله مما تعد حيازته جريمة أو يكون دليلا على الجريمة كالسلاح غير المرخص أو المخدرات..
فمتى كان القبض صحيحة فإن تفتيش المقبوض عليه يكون عم مشروعة ليس فيه انتهاك لحرية الفرد.
وهو ضرورة لازمة، خشية من شر المقبوض عليه.
كما أن إباحة تفتيش المقبوض عليه تشمل كل ما يحمله معه من حقائب وأشياء وأوراق. كما يجب أن تراعى في تفتیش شخص المقبوض عليه قواعد القانون والآداب والأخلاق، فمثلا تفتيش الأنثى يجب أن يتم بمعرفة أنثى تنتدب لذلك.
4 – تفتيش منزل المتهم وضبط الأشياء:
إن أعمال التفتيش في الأصل من اختصاص سلطة التحقيق، لكن المشرع أجاز لموظفي الضابطة العدلية في حالات معينة تقتضيها ظروف الجريمة والسرعة في التعرف إلى أدلتها، القيام بالتفتيش عندما يتبين لهم من ماهية الجريمة أن الأوراق والأشياء الموجودة لدى المدعى عليه يمكن أن تكون مدار استدلال على ارتكابه الجريمة، عندئذ لهم الانتقال حالاً إلى مسكن المدعى عليه للتفتيش عن الأشياء التي تؤدي إلى إظهار الحقيقة وتجري معاملات التفتيش بحضور المدعى عليه موقوفا أو غير موقوف.
فإن رفض الحضور أو تعذر حضوره جرت المعاملة أمام وكيله أو أمام اثنين من أفراد عائلته والا فبحضور شاهدين يستدعيهما عضو الضابطة العدلية.
ولا يجوز دخول المنزل وتفتيشه إلا إذا كان الشخص المراد تفتيش منزله مشتبه فيه بأنه فاعل جرم أو شريك أو متدخل فيه، أو حائز أشياء تتعلق بالجرم.
أي لا يجوز له أن يفتش منزل غير المتهم، فالمشرع لم يسمح بهذا الإجراء إلا القاضي التحقيق.
وعلى عضو الضابطة العدلية أن يضبط الأسلحة وكل ما يظهر أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو أعد لهذا الغرض، كما يضبط كل ما يرى من آثار الجريمة وسائر الأشياء التي تساعد على إظهار الحقيقة كالمسدس الذي اقترفت فيه الجريمة أو الرصاصات الفارغة التي وجدت في مكان الحادث أو ملابس المجني عليه والمتهم الملوثة بالدماء.
أي عليه ضبط كل الأشياء أو الأوراق التي تؤيد التهمة أو البراءة وعند ضبط مثل هذه الأشياء، على عضو الضابطة العدلية أن يقوم بعرضها على المتهم أو من ينوب عنه واستجوابه بشأنها، ثم ينظم محضراً يوقعه مع المدعى عليه أو من ينوب عنه واذا تمنع عن التوقيع صرح بذلك في المحضر.
وعلى عضو الضابطة العدلية أن يعني بحفظ الأشياء المضبوطة بالحالة التي كانت عليها، فتحزم أو توضع في وعاء إذا اقتضت ماهيتها ذلك وتختم في الحالتين بخاتم رسمي.
وإذا وجدت أوراق نقدية لا يستوجب الأمر الاحتفاظ بها بالذات لاستظهار الحقيقة أو لحفظ حقوق الطرفين أو حقوق الغير جاز لعضو الضابطة العدلية أن يأذن بإيداعها صندوق الخزينة.
والملاحظ أن الأعمال والإجراءات السابق بيانها والتي يقوم بها أعضاء الضابطة العدلية على سبيل الاستثناء في الجناية المشهودة لا تعد جميعها من قبيل معاملات التحقيق الابتدائي في معناها الدقيق، لأن بعضها يعد من أعمال التحقيق الأولى الجائز لهم القيام بها في غير أحوال الجرم المشهود، کالانتقال إلى مكان وقوع الجريمة، وتنظيم محضر بالواقعة، وضبط كل ما يتعلق بالجريمة وآثارها وأدلتها، كالأسلحة والأوراق وما إليها.
ولا يعد من أعمال التحقيق الابتدائي سوى القبض على المشتبه به إن كان حاضرا، أو إحضاره بمذكرة إن كان غائبة، وتفتیش شخصه ومسكنه، ومنع الحاضرين من مغادرة المكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الابتعاد عنه، وتوقيف كل من يخالف هذا الأمر.