بعد أن ينتهي قاضي التحقيق من التحقيق في الدعوى ويجد أن الفعل يشكل جناية، فإنه لا يستطيع أن يحيل الدعوى إلى محكمة الجنايات مباشرة، كما يفعل في الجنح والمخالفات، لأن المشرع وضع هذا الأمر في يد قاضي الإحالة الذي ينفرد وحده باتخاذ القرار اللازم بإحالته إلى القضاء أو منع محاكمته.
وقد نصت المادة (137) الفقرة /1/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه:
“إذا اعتبر قاضي التحقيق أن الفعل جناية وأن الأدلة كافية لإدانة المدعى عليه فإنه يقرر إيداع النائب العام أوراق التحقيق في الحال لإجراء المعاملات المبينة في فصل الاتهام”.
فقاضي التحقيق بعد أن يصدر قراره بحسبان الفعل جناية، يرسل ملف الدعوى إلى النائب العام الذي يحيله إلى قاضي الإحالة .
أي إن قاضي الإحالة يعد بمثابة الجسر الذي تعبر منه الدعوى العامة في دعاوى الجنايات إلى محكمة الجنايات.
وكما قال بعض الفقهاء: “إن قاضي الإحالة يعد بمثابة (البواب) لمحكمة الجنايات، فهو يملك أن يفتح أو يغلق بصورة نهائية باب الدخول إليها”.
وقد أوجب المشرع حسب نص المادة (144) من قانون أصول المحاكمات الجزائية أن على النائب العام أن يهيئ الدعوى خلال خمسة أيام من استلامه الأوراق المرسلة إليه وأن ينظم تقريره في الخمسة أيام التالية على الأكثر ويودعه مع الأوراق وما يكون الظنين أو المدعي الشخصي قد قدماه من لوائح في ديوان قاضي الإحالة الذي يطلع على تقرير النائب العام ويبت في الطلبات الواردة فيه في الحال أو في ميعاد ثلاثة أيام على الأكثر .
والهدف من تقديم مطالب ودفوع الظنين والمدعي الشخصي إلى النيابة العامة، هو أن تصل الدعوى إلى قاضي الإحالة مشفوعة برأي النيابة العامة التي تشرح فيه رأيها في الواقعة الجرمية وفي أدلتها بأمانة وتجرد دون أن يكون لها أي رأي مسبق أو حكم عاجل، مع ملاحظات الأطراف، بعد أن يكون الجميع قد اطلعوا على محاضر التحقيق.
فصفة السرية تزول بمجرد صدور قرار قاضي التحقيق.
عندئذ يقوم قاضي الإحالة بدراسة الدعوى بحكم القانون، فيدقق في وقائع الدعوى ليرى هل الفعل جناية وهل الأدلة كافية لاتهام الظنين، من أجل إصدار قراره النهائي.
فإذا وجد أن التحقيق الذي أجراه قاضي التحقيق غير مكتمل أو غير قاطع في تحديد موقف المدعى عليه بالنسبة إلى الاتهام أو منع المحاكمة، أو إذا كانت القضية بالنظر إلى ظروفها وملابساتها تحتاج إلى تحقيق دقيق ومتشعب، فإنه يقرر إما توسيع التحقيق أو القيام بتحقيق جديد، ويقوم به إما بنفسه أو بواسطة القاضي الذي قام بالتحقيق أولا أو بواسطة غيره من القضاة المختصين.
ويكون القاضي الإحالة أو القاضي التحقيق المندوب سلطات وصلاحيات قاضي التحقيق الأصلي، فله اتخاذ كافة الإجراءات التي يستلزمها إجراء التحقيق، مثل سماع الشهود، وتعيين الخبراء، والمعاينة، وضبط الأشياء، وتنظيم محضر بالأدلة والقرائن الحاصلة لديه، ويصدر مذكرة إحضار أو مذكرة توقيف بحسب مقتضى الحال .
وبعد أن ينتهي من التحقيق، لابد من إيداع الأوراق مجددا النائب العام ليطلع على ما استجد من أمور ، ويبدي مطالبته بشأنها، وإلا كان القرار الذي يصدره دونها باطلاً.
يتبين لنا من كل ما سبق ذكره أن الدعاوى لا تحال إلى محكمة الجنايات إلا من قبل قاضي الإحالة، فهو القناة الإجبارية لإيصال الجناية إلى محكمة الجنايات.
لذلك يمكن القول إن قضاء الإحالة يعد ضمانة هامة لأن من شأنه عدم إحالة الدعاوى إلى محكمة الجنايات إلا بعد دراستها وتمحيصها من قبل قاضي الإحالة، وبعد أن تكون مرتكزة على أساس متين من الوقائع والقانون.