لا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد بلا سبب شرعي
هذه القاعدة تأكيد للقاعدتين السابقتين وتطبيق لهما إلا أن فيها بما تضمنته القاعدتان السابقتان ضمناً بدون تصريح، وهو أن عدم جواز أخذ مال الغير مشروط بعدم وجود سبب شرعي، فإذا كان له سبب شرعي
تصريحاً كان جائزاً.
وهذه القاعدة مأخوذة من الحديث: «لا يحل لأحد أن يأخذ متاع أخيه لاعباً ولا جاداً، فإن أخذه فليرده ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم وقال : «إنما أنا بشر وأنتم تختصمون إليّ، ولعلَّ بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذ منه شيئاً، فإنما أقضي له بقطعة من نار فليأخذها أو يتركها»، فبكيا وقال كل واحد منهما : حقي لصاحبي، فقال عليه الصلاة والسلام : اذهبا فتوخيا، ثم استهما، ثم ليحل كل واحد منكما صاحبه» [رواه الستة بألفاظ متقاربة، فإذا أخذ شخص شيئاً بلا سبب شرعي كان ضامناً حتى يرده لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» [رواه أحمد وأصحاب السنن] ، ويرده عيناً إن كان قائماً وإلا يضمن قيمته إن كان قيمياً، ومثله إن كان مثلياً، والنسيان ليس عذراً في تضييع حقوق العباد. .
تنبيه : والسبب الشرعي إما أن يكون قوياً أو يكون ضعيفاً، فالسبب القوي لا يحتاج في تجويز الأخذ به إلى قضاء القاضي وإن لم يرض من عليه الحق، كثمن البياعات وبدل القرض وبدل الإجارة عند اشتراط تعجيله أو مضي مدة الإجارة والمال المكفول به والمال الموروث ونفقة الزوجة والأولاد والأبوين ….
أما السبب الضعيف فلا يجوز الأخذ معه بدون رضا من عليه الحق أو بقضاء القاضي كاسترداد العين الموهوبة ونفقة الأقارب وذوي الأرحام وكتناول أولاد البنت مع أولاد البنين من غلة الوقف على الأولاد وكأخذ العقار بالشفعة وكأخذ الدائن دينه من غير جنسه على المروي في المذهب.
وعلى هذا كان التقادم بمرور الزمن على حق أو عين دون أن يطالب صاحبهما وهو قادر على المطالبة لا يسقط عن المدعى عليه الحق ولا يملكه شيئاً بالتقادم، بل عليه ردّه في حكم الديانة؛ لأن التقادم ليس سبباً من أسباب الملكية، إنما هو حاجز قضائي مانع لسماع الدعوى أمام المحاكم مع اعتبار الملكية أو الحق في الواقع باقيين على حالهما السابق، وهذا ما يعرف بالتقادم المانع. أما إذا اعتبر التقادم سبباً لملكية صاحب اليد وانقطاع حق صاحب الحق المهمل بتاتاً، فهو التقادم المكتسب، لأنه أكسب الإنسان ملكية في شيء هو في الأصل لغيره. .
فإن كان السبب شرعياً في الظاهر ولكن لم يكن في الواقع حقيقياً كالصلح عن دعوى كاذبة على بدل فإن قضي بهذا البدل لا يحل له ويجب عليه ديانة رده إن أخذه؛ لأنه والحالة هذه حكمه كالرشوة لأنه أخذه لقاء كف ظلمه وتعديه بهذه الدعوى الكاذبة التي لا تسوغ له أخذ البدل فيما بينه وبين ربه سبحانه، ولو اعترف بعد الصلح بكونه مبطلاً في الدعوى وإنه لم يكن له على المدعي شيء بطل الصلح ويسترد المدعى عليه البدل.
إذا أخذ أحد مال الآخره بدون قصد السرقة هازلاً معه أو مختبراً مبلغ غضبه فيكون قد ارتكب الفعل المحرم شرعاً لأن اللعب في السرقة جد.
يجوز للأب الفقير أن يأخذ من مال ابنه القاصر لنفسه مقدار حاجته ومن غير إذن لوجوب نفقته عليه، وهو سبب شرعي لذلك.