مقدمة حول المحاكمة في قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري
تمثل المحاكمة المرحلة الختامية للدعوى العامة، وتتكون من مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى تمحيص أدلة الدعوى جميعها ما كان منها ضد مصلحة المتهم أو في مصلحته، فهدف هذه الإجراءات تقصي الحقيقة الواقعية والقانونية في شأن تلك الدعوى ثم الفصل في موضوعها بالإدانة أو بالبراءة .
وتخضع المحاكمة لمجموعة من القواعد التي تعد من الخصائص التي تميز هذه المرحلة من مراحل الدعوى العامة، وهي تختلف عن مرحلة التحقيق الابتدائي من حيث الغرض منها. فالتحقيق الابتدائي لا يهتم إلا بجمع عناصر الدعوى بصورة أولية لإحالتها إلى محاكم الموضوع للبت فيها بحكم قضائي،
أما الهدف من المحاكمة فهو تحري الحقيقة عن طريق الأدلة الحاسمة لكي يمكن الوصول من خلالها إلى حق الدولة في العقاب، أي لابد من الوصول إلى اليقين التام عند تقرير الإدانة أو البراءة.
ويتصف التحقيق الابتدائي بأنه سري ومكتوب ويجري دون مواجهة الخصوم، أما المحاكمة فتتصف بصفات معاكسة.
علنية المحاكمة
أوجبت المادة 190 من قانون أصول المحاكمات الجزائية إجراء المحاكمة أمام محاكم الدرجة الأولى علانية تحت طائلة البطلان، وقضت المادة (257) من هذا القانون بأن تجري المحاكمة الاستئنافية علنا، كما أن المادة (278) من القانون نفسه أوجبت إجراء المحاكمة علنا أمام محكمة الجنايات.
والعلنية شرط لصحة الإجراءات، ومن واجب المحكمة أن تصرح بها في قرار الحكم تحت طائلة البطلان. قمبدأ العلنية يعد من النظام العام، إلا أن علنية المحاكمة لا تطال المداولة في الأحكام حيث تكون بصورة سرية بين القضاة مجتمعين .
وقد فرض المشرع العلنية لغايتين، الأولى إعطاء ضمانة واسعة للمدعى عليه لكي تجري المحاكمة تحت إشراف الرأي العام، والثانية من أجل حماية القاضي من الشكوك التي قد تحوم حوله فيما إذا أجريت المحاكمة سر دون سبب قانوني.
وليس المقصود بعلانية جلسات المحاكمة أن تجري بحضور الخصوم فقط، وإنما يجب فتح أبواب قاعة المحاكمة وقت الجلسة، والسماح لكل من يشاء من الناس بحضورها ضمن حدود استيعاب تلك القاعة، وجواز حرية نشر وقائع المحاكمة في الصحف والإذاعة والتلفزيون ومختلف وسائل النشر والإعلام.
إلا أن تحديد عدد الحضور، محافظة على النظام ودواعي الأمن، لا يعد خرقاً لقاعدة العلانية، طالما أن هذا التحديد لا يشمل فئة معينة من الناس، وإنما يشمل كل الذين طلبوا الحضور. وإخراج عدد معين من الحضور لأي سبب تراه المحكمة، لا يخرق قاعدة علانية المحاكمة، فقد يقتضي الأمر إخراج عدد منهم بسبب صغر أعمارهم، أو بسبب ضيق المكان عن اتساعهم ، أو لاحتمال إخلالهم بنظام الجلسة.
لرئيس المحكمة أن يأمر بعد دخول الجمهور إلى قاعة المحكمة بغلق أبوابها لمنع التشويش الحاصل من تزاحم الموجودين خارج الجلسة الراغبين في الدخول إليها، وإخراج من يحدث تشويشة داخل الجلسة.
– استثناءات علنية المحاكمة:
لكن المشرع أجاز في بعض الأحوال الخاصة إجراء المحاكمة بصورة سرية في حالتين ذكرتا على سبيل الحصر، هما:
1- المحافظة على النظام، كما لو كانت الدعوى تتعلق بتهمة تجسس خطيرة.
2- المحافظة على الأخلاق العامة، أي إذا تعلق الأمر بجريمة من جرائم الاعتداء على الشرف والعرض.
ويشترط لإجراء المحاكمة سراً أن تقرر المحكمة سريتها، وأن توضح في قرارها الأسباب الموجبة لها، وللمحكمة أن تتخذ قرارها هذا إما عفواً من تلقاء ذاتها وإما بناء على طلب أحد الخصوم. ويجب عليها تعليل قرارها المتخذ بهذا الشأن.
ومتى ذكرت المحكمة السبب الذي حملها على جعل الجلسة سرية، فإن قرارها هذا لا يخضع لرقابة محكمة النقض.
ويجب أن يصدر الأمر بالسرية في جلسة علنية حتى يعلم الجميع بأن المحكمة قد عدلت عن مبدأ علنية الجلسات لاعتبارات دعتها إلى ذلك.
كما أن للمحكمة أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها بصورة سرية.
كما لها أن تقررها بالنسبة إلى بعض الإجراءات مثل سماع الشهود أو استجواب المدعى عليه… الخ أو بالنسبة إلى جميع الناس أو بعضهم كالنساء.
كما أن سرية المحاكمة لا تنصرف إلى المدعى عليه أو وكيله أو باقي الخصوم في الدعوى، لأن ذلك يعد ماسأ بحق الدفاع، ولا إلى المحامين المترافعين في الدعوى وغير المترافعين، فهؤلاء لهم دائما حق حضور الجلسة.
أما الحكم فلا يجوز إصداره إلا في جلسة علنية، سواء أكانت المحاكمة سرية أم علنية.