النشاط الجرمي (فعل الخداع)
إن فعل الخداع يعني تغيير الحقيقة في شأن واقعة ما تغييراً يؤدي إلى وقوع المجني عليه في غلط يدفعه إلى تسليم ماله إلى المحتال .
فقوام الخداع هو الكذب المستهدف إيقاع شخص في الغلط للاستيلاء على ماله.
ولكن ليس كل كذب يقوم به النشاط الجرمي في الاحتيال، بل لا بد أن يتجلى هذا الكذب بإحدى الوسائل الخمسة التي حددها نص المادة 641 وهي:
1- دس الدسائس.
2- تلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية.
3- ظرف مهد له الفاعل أو ظرف استفاد منه.
4- استعمال اسم مستعار أو صفة غير حقيقية.
5- التصرف بأموال منقولة أو غير منقولة يعلم المحتال أنه ليس ذي صفة للتصرف فيها.
نستخلص من ذلك أن أي كذب أخر لا يدخل ضمن هذه الوسائل الخمسة لا يمكن أن يشكل النشاط الجرمي للاحتيال.
وعلة ذلك واضحة، فلقد انتقى المشرع أخطر الوسائل التي تجسد الكذب والخداع، والتي تمثل خطرا على الملكية والثقة وحسن النية في المعاملات، وارتأى إسباغ الصفة الجرمية عليها . فالمشرع يتطلب من الناس كافة قدرة عادية من الحيطة والحرص في تعاملاتهم مع بعضهم، بحيث لا يستسلمون لأي كذب أو خداع يتعرضون له.
ومن ثم فهو لا يحميهم إلا إذا تعرضوا لأساليب لا يتيسر للحيطة والحذر العاديين اكتشافها، وهو ما ارتاد المشرع في الأساليب الخمسة التي ذكرها والتي اعتبرها الأكثر وقوع و شمو وخطرة.
أما إذا انخدع شخص بكذية ساذجة لا تنطوي ضمن هذه الأساليب المحددة، ولا تنطلي على أي شخص عادي أخر، فيكون هذا الشخص قد قصر في حق نفسه ولا يستحق الحماية الجزائية، فالقانون لا يحمي المغفلين.
فلو باع شخص منزله لأخر وقبض نصف الثمن على العقد وأجل النصف الآخر للدفع عند التنازل عن الملكية في السجل العقاري، فأي إنسان عادي على قدر من الحيطة والحذر لا يمكن أن ينقل ملكية العقار إلا بعد استلامه النصف الآخر من ثمن المنزل.
فلو ادعى المشتري، في مثالنا، كذبا أنه بحاجة لنقل الملكية لأية غاية، ووعده بأداء بقية الثمن بعد ذلك، فانخدع البائع بكذب المشتري وتنازل له عن الملكية دون قبض الثمن، ثم نكر المشتري عليه بقية قيمة المنزل.
فإن كذب المشتري هذا لا يشكل النشاط الجرمي للاحتيال، لا سيما وأن البائع لم يتأكد من كذب المشتري بتقصي الحقيقة حول مزاعمه، ولم يقم المشتري بالتالي بأي مناورات احتيالية أو مظاهر خارجية تؤيد كذبه، بل اكتفى بالكذب المجرد الذي صدقه البائع، فقصر في حق نفسه، وخسر الحماية الجزائية بهذا التقصير.
تخلص من ذلك إلى أنه لا بد لقيام النشاط الجرمي في الاحتيال أن يتوفر الكذب الذي يمكن أن ينطلي على أي شخص عادي، أي أن يتم الكذب بصورة إحدى الوسائل التي حددها نص المادة 641، فيقع المجني عليه في الغلط، فيسلم المحتال ماله معتقداً أن ما يفعله صواب .
والسؤال الذي يعرض هنا يتعلق بعدد وسائل الخداع التي نص عليها المشرع: أهي وسائل خمس كما يبدو من ظاهر النص؟
يرى بعض الفقه أن عدد هذه الوسائل ثلاث فقط، باعتبار أنه “ليس ثمة اختلاف من حيث العناصر والطبيعة القانونية بين الوسيلة الأولى، وهي استعمال الدسائس وبين الوسيلتين الثانية والثالثة “،
إذ أن الأخريين ليستا مستقلتين عن الأولى، بل هما مجرد تفصيل وتوضيح لها.
وهناك رأي فقهي أخر، نؤيده، يرى أن وسائل الخداع خمسة، وأن مركز الوسيلة الأولى من الوسيلة الثانية والثالثة كمركز الأنموذج العام من الخاص، وليس کمركز المجمل غير الموضح من المفصل الموضح، ومن المقرر أن المركز الخاص يتضمن جميع عناصر التكوين التي يحتويها المركز العام ويضيف إليها عناصر مخصصة، وفي هذا يختلف المركز الخاص عن المركز المفصل والموضح “.
ونحن بتأييدنا لهذا الرأي نستند على حرفية نص المادة 641 من قانون العقوبات التي حددت وسائل الاحتيال صراحة بخمسة، فلا يعقل أن نعتبر الوسائل ثلاثة قبالة ذلك وإلا سنعتبر أن الوسيلتين الثانية والثالثة مجرد تزيد غير مدروس من المشرع، وهذا غير معقول.