قاضي الإحالة مرجعاً استئنافياً لقرارات قاضي التحقيق إن قاضي الإحالة هو المرجع الاستئنافي لقرارات قاضي التحقيق، والاستئناف وسيلة قررها المشرع الأطراف الدعوى يلجأ إليها من يشعر بأن القرار الذي أصدره قاضي التحقيق مشوب بخطأ يجب تصحيحه، أو مبني على أساس غير سليم يقتضي تعديله أو إلغاؤه.
وينصب استئناف قرار قاضي التحقيق على الخطأ في تقدير الوقائع، أو في تطبيق أحكام القانون وتفسيره. وقرارات قاضي التحقيق إما قرارات تحقيقية أو قرارات قضائية.
1- القرارات التحقيقية:
هي القرارات التي يصدرها قاضي التحقيق في أثناء سير التحقيق سواء كانت من إجراءات جمع الأدلة، كالقرار بالانتقال إلى مكان الجريمة، ندب الخبراء، إجراء التفتيش، ضبط المواد الجرمية، سماع الشهود، استجواب المدعى عليه… إلخ.
أم كانت من الإجراءات الاحتياطية ضد المدعي عليه، كالقرار بإصدار مذكرة إحضار أو بإصدار مذكرة توقيف أو باستردادها أو بتخلية سبيل الموقوف أو إنابة قاضي تحقيق أخر أو عضو ضابطة عدلية لبعض الأعمال التحقيقية، وغير ذلك.
والأصل أن هذه القرارات التحقيقية لا يجوز استئنافها على وجه مستقل عن القرار النهائي للتحقيق ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
وللخصوم إثارة العيوب التي شابتها حين الطعن في القرار الختامي للتحقيق أو أمام محكمة الموضوع حين إحالة الدعوى إليها”.
2- القرارات القضائية :
هي القرارات التي يصدرها قاضي التحقيق في ختام التحقيق للبت في مصير الدعوى العامة، أو مصير المدعى عليه، كالقرار الصادر بمنع محاكمة المدعى عليه أو بإحالته إلى المحكمة المختصة، أو تلك التي تفصل في مسألة قانونية عرضت أثناء سير التحقيق، كالقرار الفاصل في الاختصاص أو في الدفع بعدم سماع الدعوى أو بسقوطها أو يكون الفعل لا يستوجب عقاباً .
والقاعدة بالنسبة إلى هذه القرارات القضائية جواز استئنافها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
والسؤال الذي لابد من طرحه هو، ما القرارات الصادرة عن قاضي التحقيق والقابلة للاستئناف أمام قاضي الإحالة؟.
أ- نطاق حق الاستئناف
الأصل أن تكون جميع القرارات التي يصدرها قاضي التحقيق قابلة للاستئناف أمام قاضي الإحالة، إلا إذا نص القانون صراحة على خلاف ذلك، وأن يكون جميع الخصوم متساوين في ممارسة حق الطعن في الدعوى.
لكن المشرع لم يأخذ بهذا النهج المنطقي العادل، فهناك بعض القرارات التي لا يجوز للخصوم استئنافها، إضافة إلى أنه لم يطبق مبدأ المساواة لممارسة حق الاستئناف بالنسبة إلى جميع الخصوم في الدعوى.
في جميع الأحوال، إن المادة (139) من قانون أصول المحاكمات الجزائية حددت القرارات القابلة للاستئناف من قبل الخصوم.
أولا- استئناف النيابة العامة
نصت المادة (139) فقرة /1/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه:
“للنائب العام في مطلق الأحوال أن يستأنف قرارات قاضي التحقيق”.
يتضح من قراءة هذه الفقرة أن عبارة (في مطلق الأحوال) تعطي للنيابة العامة حقا واسعة جدا في استئناف قرارات قاضي التحقيق، أي لها أن تستأنف جميع قراراته سواء أكانت هذه القرارات تحقيقية أم قضائية، فلا توجد قرارات يصدرها قاضي التحقيق يمتنع على النيابة العامة استئنافها أيا كانت طبيعتها، حتى ولو كان القرار قد اتخذ بناء على طلبها أو موافقتها. حتى أن من حقها استئناف القرارات التي تلحق ضررة بالمتهم، لأنها تمثل المجتمع، وما يهمها هو تحقيق العدالة.
لكن الواقع والممارسة العملية يظهران أن عبارة (مطلق الأحوال) ليس المقصود منها أن النيابة العامة تستطيع أن تستأنف جميع قرارات قاضي التحقيق، لأنها في هذه الحال ستتدخل في كل كبيرة وصغيرة وفي كل خطوة يخطوها قاضي التحقيق، فيصبح عندئذ أداة في يدها توجهه وفق رغباتها، مع أنها طرف في دعوى الحق العام (هي الطرف المدعي)، لذلك وبما أنها خصم في الدعوى، فإنها لا تستطيع أن تستأنف سوى القرارات التي تمس مصلحة المجتمع بصفتها ممثلة له كالقرار بمنع محاكمة المدعى عليه، أو قرار الظن بالمدعى عليه، أو القرار المتعلق بحجز حريته، أو قرار عدم الاختصاص، وغير ذلك من القرارات التي تتعلق بمسائل قانونية.
أما القرارات المتعلقة بخطة العمل التي يسير عليها قاضي التحقيق، أو بتعديل تلك الخطة، تبعا لما يستجد من معطيات وظروف، فلا شأن للنيابة العامة بها،
وعلى ذلك فهي تستطيع أن تستأنف كافة القرارات التي تقبل الاستئناف من قبل أطراف الدعوى الآخرين، ولكن ليس من حقها أن تستأنف كل ما يصدره قاضي التحقيق من القرارات التي تدخل في خطة عمله، ولا شأن لها بها، وإنما يبقى من حقها إثارة عدم الاستجابة لمطالبها في لائحتها الاستئنافية المتعلقة بالقرار النهائي الذي يصدره قاضي التحقيق، إذا ما تراءى لها أن تستأنفه إلى قاضي الإحالة.
وبذلك يمكن القول إن المادة (139) الفقرة /1)، تعني أن من حق النيابة العامة أن تستأنف جميع القرارات التي تقبل الاستئناف من قبل الخصوم الآخرين في الدعوى، لا إلى استئناف كل ما يصدره قاضي التحقيق من قرارات.
ثانيا استئناف المدعي الشخصي
نصت الفقرة الثانية من المادة (139) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: “وللمدعي الشخصي أن يستأنف القرارات الصادرة بمقتضى المواد 118و132 و 133 و134 والقرارات المتعلقة بعدم الاختصاص وكل قرار من شأنه أن يضر بحقوقه الشخصية”.
يتضح من هذه الفقرة أن المشرع مكن المتضرر من الجريمة، إذا نصب نفسه مدعية شخصية أمام قاضي التحقيق، أن يمارس إشرافا واسعا على سير الدعوى وأن يستأنف عددا أوسع من القرارات القضائية التي يحق للمدعى عليه أن يستأنفها.
والقرارات القضائية التي يملك المدعي الشخصي حق استئنافها والتي وردت على سبيل الحصر هي:
أ- قرار إخلاء سبيل المدعى عليه الموقوف، بكفالة أو بدونها.
ب – قرار منع محاكمة المدعى عليه، المبني على أن الفعل لا يؤلف جرمأ أو لعدم وجود دليل على ارتكابه إياه واطلاق سراحها ج- القرار القاضي باعتبار الفعل مخالفة، وإحالة الفاعل إلى محكمة الصلح وإطلاق سراحه.
د – القرار القاضي باعتبار الفعل جنحة واحالة الظنين إلى محاكم الدرجة الأولى المختصة مع إطلاق سراحه إذا كان الفعل لا يستوجب الحبس.
ه- القرار الصادر بعدم الاختصاص. والسبب أن هذا القرار قد يحرج المدعي الشخصي كما قد يكون مخالفة لقواعد الاختصاص، لذلك لابد من تمكين المدعي الشخصي من الطعن فيه تسهيلا عليه للحصول على حقه بصورة أسرع.
ز – كل قرار من شأنه أن يضر بحقوقه الشخصية. فإذا رفض قاضي التحقيق سماع أحد شهود المدعي الشخصي، أو قبل سماع أحد شهود خصمه. أمكن تفسير الرفض أو القبول بأنه ضار بحقوق المدعي الشخصي. لذلك لابد من تفسير هذا النص بشكل ضيق، وأن يشترط التطبيقه أن تتضرر مصلحة المدعي الشخصي ضررة حقيقية، وعليه أن يقدم الدليل على ذلك.
ومن القرارات التي تضر بالحقوق الشخصية، القرار الذي يصدره قاضي التحقيق برد طلب إعادة الخبرة لإثبات التزوير، أو إجراء التحقيق في غيبة المدعي الشخصي أو وكيله حسب نص المادة (70) الفقرة /1/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
ولكي يستطيع المضرور استئناف قرارات قاضي التحقيق، لابد من أن تكون له صفة المدعي الشخصي.
أي لا يقبل استئناف المتضرر الذي يتقدم بشكوى إلى قاضي التحقيق يطالب فيها بحقوق مدنية إذا كان قاضي التحقيق لم يقبل تدخله كمدع شخصي.
كما لا يجوز لمن قبل تدخله بهذه الصفة أن يستأنف قرار أصدره قاضي التحقيق قبل ثبوت الصفة المذكورة له .
ثالثا- استئناف المدعى عليها القرارات التي يحق للمدعى عليه استئنافها هي :
1 – قرار قاضي التحقيق برفض طلب إخلاء سبيله بحق أو بكفالة أو دونها.
2- القرار الصادر برد دفعه بعدم اختصاص قاضي التحقيق
.
3- القرار الصادر برد دفعه بعدم سماع الدعوى العامة أو المدنية.
4- القرار الصادر برد دفعه بسقوط الدعوى العامة.
5 – القرار الصادر برد دفعه لأن الفعل لا يشكل جرمأ جزائياً.
لكن المشرع حجب عن المدعى عليه استئناف قرار الظن به وإحالته إلى محكمة الدرجة الأولى في جنحة أو مخالفة. وتعليله لذلك أنه يستطيع أن يدافع عن نفسه أمام المحكمة كما يشاء.
كما لا يحق له أن يستأنف قرار منع محاكمته، ولو كانت أسبابه لا تعجبه أو كانت تؤذي سمعته.