قرارات رئيس التنفيذ
تنص المادة ( 277 )من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه:
” 1ـ يفصل الرئيس في جميع الطلبات التنفيذية بالإستناد إلى أوراق الملف بدون دعوة الخصوم.
2ـ تقبل القـرارات التي يصدرها رئيس التنفيذ الطعن لدى محكمة استئناف المنطقة.
3ـ يخضع الإستئناف للميعاد والأصول المتبعة في إستئناف القضايا المسـتعجلة.
4ـ تفصل محكمة الإستئناف في غرفة المذاكرة في الطعن بقرار له قوة القضية المقضية. ” وبموجب هذا النص لا بد من دراسة طبيعة القرار الصادر عن رئيس التنفيذ، وطرق الطعن به، وحجيته.
أولاً: طبيعة قرار رئيس التنفيذ
وفقاً للفقرة الأولى من المادة /277/ أصول، يصدر رئيس التنفيذ قراره في الطلبات التنفيذية استناداً إلى أوراق الملف التنفيذي بدون دعوة الخصوم،
فهل يعتبر قراره الصادر بهذا الشكل قرارًا صادراً في قضاء الولاية أم في قضاء الخصومة،
لأنه إذا اعتبر من النوع الأول لم تكن لو حجية، وجاز له الرجوع عنه،
في حين أنه إذا اعتبر من النوع الثاني أي في قضاء الخصومة كانت لو حجية ولايجوز الرجوع عنه، ووجب على صاحب المصلحة أن يطعن فيه بالإستئناف.
ولمعـرفة ذلك لا بد من البحث عن معيار للتمييز بين القرار الولائي وبين القرار القضائي.
ذهبت محكمة النقض الفرنسية بادئ ذي بدء إلى تبني المعيار الثاني للتمييز بين القرارين السابقين، فقالت إن القرار إذا كان قد أتخذ بعد دعوة الطرفين عد قراراً قضائياً والإ كان ولائياً.
ثم مالبثت أن تخلت عن هذا المعيار الشكلي في التفريق وتبنت وجهة النظر القائمة بأن القرار إذا كان قد صدر في منازعة عدّ قضائياً والإ كان ولائياً بغض النظر عن صدوره إذا كان بعد دعوة الطرفين أو بدون دعوتهما على الإطلاق،
لأن غاية الوظيفة القضائية وضع حد للخصومات لذلك فإن الصفة القضائية لقرار ما لاتعطى على أساس دعوة الطرفين،
بل على أساس السلطة المعطاة للقاضي والتي استعملها في إصدار الحكم، فإذا كان الحكم قد حسم النزاع أو ناحية من نواحيه كان صادراً في قضاء الخصـومة والإ اعتبر صادراً في قضاء الولاية. وفي هذا الإتجاه ذهبت محكمة استئناف دمشق.
وعليه، فإن القرار الصادر في احتمال المنازعة يبقى ولائياً بحسب الرأي الراجح .
والمثال على ذلك قرار الحجز فإن صدوره يثير احتمال منازعة المحجوز عليه فيه ومع ذلك يعد قرار الحجز صادراً في قضاء الولاية لأنه لم يصدر في منازعة.
إذاً فقضاء الولاية لا يبت في منازعة على الإطلاق بل يتخذ إجراءً إدارياً بناءً على الطلب أو يرفض اتخاذ مثل هذا الإجراء.
فإذا طلب الدائن إلقاء الحجز على أمـوال المدين، فإن قرار رئيس التنفيذ الصادر بالرفض أو بالإيجاب لا يعتبر متخذاً في قضاء الخصومة لأنه لم يبت في منازعة وانما في قضاء الولاية.
واذا طعن صاحب المصلحة بهذا القرار بطريق الإستئناف تطبيقاً لمبدأ قابلية قرارات رئيس التنفيذ للطعن بالإستئناف،
فإن هذا الطعن يثير منازعة حول الموضوع الذي وقع عليه، ويكون قرار محكمة الإستئناف صادراً في قضاء الخصومة بينما قرار رئيس التنفيذ صــادراً في قضاء الولاية.
ثأنها ـ الطعن في قرارات رئيس التنفيذ:
وفقاً ألحكام المادة ( 277) أصول، أخضع المشرع السوري قرارات رئيس التنفيذ للطعن بطريق الإستئناف وجعل لقرارات محكمة الإستئناف فيها قوة القضية المقضية،
حتى لا يؤخر و يطيل أمد الفصل في المعاملات التنفيذية لأنها تتطلب بطبيعتها سرعة البت والإنجاز.
وقد أخضع المشرع وبنفس المادة الإستئناف للميعاد والأصول المتبعة في القضايا المستعجلة.
فجعل ميعاد الطعن في قرارات رئيس التنفيذ خمسة ايام، تبدأ من اليوم الذي يلي تاريخ تبليغ قرار رئيس التنفيذ،
ويبدأ ميعاد الطعن أيضاً من اليوم الذي يلي تاريخ ثبوت اطلاع المقصود بالقرار التنفيذي عليه، وذلك من خلال اطلاعه على القرار لدى مراجعته دائرة التنفيذ وصدور طلبات خطية عنه في الملف التنفيذي ومحضر التنفيذ العام.
فإذا لم يثبت هذا الإطلاع ، وبصورة خطية، فإن الإستئناف يبقى مقبولاً شكلاً لتقديمه في الميعاد، ولو ورد بعد عشرة أيام أو أكثر من تاريخ صدور القرار التنفيذي.
وقد أكدت محكمة الإستئناف المدنية بحلب بقرارها المؤرخ في 1964/12/19 أن التبليغ ليس شرطاً في القرارات التنفيذية ومجرد حصول العلم وصدور القرار يعتبر مبدأ لسريان ميعاد الإستئناف.
ويجب أن يقدم الإستئناف من قبل صاحب العلاقة المقصود بقرار رئيس التنفيذ، فلا يحق لمن ليس خصماً أو طرفاً في الملف التنفيذي التقدم به،
وعلى المستأنف أن يتقدم باستدعاء استئنافه إلى محكمة الإستئناف مشتملاً على البيانات المطلوبة في استدعاء الدعوى والمنصوص عليها في المادة (94) من قانون أصول المحاكمات المدنية تحت طائلة البطلان.
كما يجب على المستأنف أن يشير في استدعاء الإستئناف إلى الحكم المســتأنف وأســباب الإســتئناف وأن يودع كذلك التأمينات القانونيــة المتوجبـــة ( مادة232 أصول ).
تفصل محكمة الإستئناف بالطعن في غرفة المذاكرة بقرار له قوة القضية المقضيـة (م 2/ 277 أصول المعدلة بالقانون 85 لعام 1958) .
وعندما تبت محكمـة الإســتئناف بالطعن تستند في ذلك إلى حق التصدي الذي تملكه،
ولا يـجوز لها أن تعيد الملف إلى رئيس التنفيذ لاستكمال بعضالنواقص أو الحكم في الموضوع مجدداً وعليها إكمالها والحكم في الطعن عملباً بأحكام المادة 2/236 من قانون أصول المحاكمات التي أوجبت على محكمة الإستئناف في حال فسخ الحكم أن تقضي في موضوع الطعن.
هذا وان القرار الصادر عن محكمة الإستئناف في القضية التنفيذية لا يقبل الطعن بطريق النقض، حتى ولو كان هناك مخالفة في قواعد الإختصاص النوعي أو لخروج الحكم عن ميدان الطلبات التنفيذية المنصوص عنه بالمادة /472/ من قانون أصول المحاكمات.
وقد أكّدت ذلك محكمة النقض بقرارىا الصادر بتاريخ 1966/11/29 رقـــم 1106/ 404 والذي جاء فيه:
” إن الخطأ الذي قد يرافق إجراءات الحكم لدى محكمة الإستئناف في موضوع غير تابع بالأساس لطريق الطعن بالنقض لا يفسح المجال أمام من يدعي وقوع هذا الخطأ بأن يلجأ إلى طلب إصالحه بطريقة لم يسمح القانون باتباعها “.
ومع ذلك فإن من حق صاحب المصلحة أن يتقدم بدعوى إلى محكمة النقض يخاصم فيها هيئة محكمة الإستئناف مصدرة القرار إلى جانب خصمه في الملف، ويطلب منها وقف تنفيذ قرار محكمة الإستئناف
عند قبول دعواه شكلا، وابطال هذا القرار عند قبول دعوى المخاصمة موضوعاً مع التعويض الذي يعتبر شرطاً لقبول دعوى المخاصمة.
ولا بد من الإشارة إلى أن الحكم الصادر في القضية التنفيذية لا يقبل الطعن بطريق اعتراض الغير أو بطريق إعادة المحاكمة،
ذلك وفقاً لما ذهب إليه الإجتهاد القضائي بالنسبة للقرارات الصادرة عن القضاء المستعجل،
لأن هذين الطريقين مقبولان ضد الإحكام الصادرة في أساس الدعوى، بينما القرارات الصادرة عن القضاء المستعجل لا تبحث في أساس النزاع ولا تحول دون مراجعة المتضرر لمحكمة الموضوع التي تملك اتخاذ قرارات مغايرة للقرارات الصادرة عن القضاء المستعجل وفقاً لما يتراءى لقاضي الإساس من ظروف الدعوى الجديدة .
ثالثاً: حجية قرارات رئيس التنفيذ
يقصد بحجية قرارات رئيس التنفيذ مدى إمكانية الرجوع عن القرار الصادر في القضية التنفيذية , وما إذا كان يحق له في حالة الطعن بقراره وصدور قرار محكمة الإستئناف بتعديله أو تبديله أو فسخه، الإصرار على قراره السابق ؟
نعتقد وبما لا يدع مجالإ للشك، أن رئيس التنفيذ لا يملك إطلاقاً الإصرار على قراره السابق بعد فسخه أو تعديله أو تبديله من محكمة الإستئناف،
لأن قرار المحكمة ملزم له طالما يتمتع بقوة القضية المقضية.
الإ إذا طرأت وقائع جديدة أو تبدلت بعض ظروف الملف فيجوز في هذه الحالة إتخاذ قرار مغاير للقرار السابق الصادر عن رئيس التنفيذ أو الصادر عن محكمة الإستئناف.
وهذا ما ذهبت إليه محكمـة إستئناف دمشق:
” يجوز لرئيس التنفيذ الرجوع عن قراره المجادل فيه والمكتسب الدرجة القطعية إذا ظهرت وثائق جديدة، مرفقة بدليل، لم تكن مبرزة سابقاً ” .
أما فيما يتعلق برجوع رئيس التنفيذ عن قراره الصادر في القضية التنفيذية، فيجب التمييز بين ما إذا كان القرار قد صدر في قضاء الولاية أو اقتضته الإجراءات التنفيذية ولا يتعلق بفصل نزاع قانوني، جاز الرجوع عنه. أما إذا كان القرار قد صدر في قضاء الخصومة أو يتعلق بفصل مشكلة تنفيذية امتنع عليه الرجوع عنه.
فالقرارات الصادرة في قضاء الولاية أو التي تقتضيها الإجراءات التنفيذية لاتتعلق بفصل نزاع قانوني كقرار الحجز أو قرار تعيين موعد جلسة للبيع،
فليس هناك مايمنع رئيس التنفيذ من الرجـوع عنها من تلقاء نفسه، أو بسبب مراجعة ذوي الشأن،
إذا تبين لو قبل تنفيذها، وقبل أن يترتب عليها أي أثر أنها صدرت خلافاً للأصول والقانون،
وذلك تحاشياً لتعقيد و تطويل الإجراءات بدون فائدة، طالما أن المتضرر من هذا الرجوع يملك حق الطعن فيها بطريق الإستئناف.
أما القرارات الصادرة في قضاء الخصومة أو المتعلقة بفصل مشكلة تنفيذية ( نزاع أو عقبة قانونية ) أثارها المطلوب ضده التنفيذ، فلا يجوز لرئيس التنفيذ أن يرجع عن قراره أو يعدله أو يلغيـه،
وذلك لأن هذا القرار هو حكم قضائي لايجوز الرجوع عنه أو تعديله.
ويستثنى من ذلك ما لو كان الرجوع أوجبته طبيعة الإجراءات التنفيذية لأنقضاءها بسبب قانوني
“كما لو انقضت أكثر من ستة أشهر على عدم المراجعة من قبل مباشر الإجراءات وترتب على ذلك شطب الملف التنفيذي واعتبار الإجراءات لاغية حكماً،
يملك رئيس التنفيذ في مثل هذه الحالة، إلغاء قراره السابق بحجز العقار ورفع الإشارة المتعلقة به من صحيفته العقارية “
كذلك الإمر فيما لو اتفق الطرفان على تأجيل الدين ورفع الإجراءات التنفيذية فهنا يملك رئيس التنفيذ إلغاء قراره بالحجز.
وتتمتـع القرارات الصادرة عن رئيـس التنفيذ أو محكمة الإستئناف بقوة القضية المقضية، وتلزم محاكم الإسـاس بما جاء فيها ولا تملك مخالفتها، أو إعادة البحث بما تضمنته.