ليلة الرعب في منزل عائلة ديفو
قصة الجريمة التي روعت أميركا
سکون عجيب يلف الحي ويمنح الناظر شعوراً زائفاً بالأمان، كل شيء بدا هادئاً ذلك المساء، لكنه كان هدوءاً كاذباً أشبه بذلك الذي يسبق العاصفة، لا أحد يعلم على وجه الدقة ماذا جرى في تلك الليلة ولا كيف جرى؟
لكن الأكيد والمتفق عليه هو أن عدة أرواح بريئة أزهقت ببشاعة وبدم بارد على يد أقرب الناس إليها في جريمة غريبة حامت حولها الكثير من الأسئلة، هل تلبس الشيطان جسد القاتل حسب ادعائه ؟
هل ساعده شخص آخر في تنفيذ جريمته ؟
هل المنزل مسكون بالجن حقاً ؟
لا جواب وإنما المزيد والمزيد من علامات الاستفهام تتراكم عاماً بعد عام حتى أصبح اللغز أحجية عجز أبرع محققي العالم عن حله.
صوت شيطاني كان يدوي في رأسي .. اقتل .. أقتل .. اقتل
في مساء ليلة 13 تشرين الثاني / نوفمبر عام 1974م. دخل شاب في العشرينيات من عمره مسرعاً إلى إحدى حانات بلدة امتيفيل في نيويورك، بدا مضطرباً وخائفاً، وسرعان ما توجهت جميع الأنظار إليه بعد أن ارتفع صوته صارخاً:
«يجب أن تساعدوني، أعتقد أن أبي وأمي قد قتلا رمياً بالرصاص»..
لم تكن جرائم القتل أمراً شائعاً في البلدة الهادئة الصغيرة، لذلك أسرع بعض روّاد البار مع الشاب إلى منزله لرؤية ما حدث هناك، لوهلة بدا كل شيء عاديا داخل المنزل، لم تكن هناك آثار لعنف أو دماء، لكن في إحدى غرف النوم في الطابق الثاني تمدد «رونالد ديفو» (43 عاما) و «لويز ديفو» (42 عاما) وسط بركة صغيرة من الدماء، كانا مستلقيين جنباً إلى جنب فوق فراشها، وبدا أنها قتلا بغتة أثناء نومها.
وفي غرفة أخرى في نفس الطابق تم اكتشاف جثتين أخريين، كانتا لصبيين هما «مارك ديفو» (12 عاما) و «جون ديفو» (9 أعوام) ويبدو أنها قتلا بنفس الطريقة التي قتل فيها والديهما أي أثناء النوم، وفي هذه الأثناء بدأت سيارات الشرطة تهرع نحو المنزل، وسرعان ما انتشر المحققون وخبراء الأدلة الجنائية في أرجائه.
وأثناء تفتيشها لبقية الغرف اكتشفوا جثتين أخريين في غرفة أخرى، كانتا لفتاتين هما « دوان ديفو» (18 عاما) و «الیسون ديفو» (13 عاما) وقد تم قتلها أثناء النوم أيضا، لقد بدا جلياً أن القاتل قام بقتل جميع أفراد عائلة ديفو باستثناء «رونالد ديفو» الصغير (23 عاما) الابن البكر والذي كان هو أول من اكتشف الجريمة وهرع نحو الحانة القريبة طلبا للنجدة .
أثناء التحقيق الأول اكتشفت الشرطة بأن القاتل استعمل مسدساً «کالیبر» (عيار .35) في قتل ضحاياه، وأن جميع الضحايا قتلوا أثناء النوم، الأب والأم قتلا برصاصتين لكل منها، أما الأبناء فقد قتلوا برصاصة واحدة، والغريب أن جميع الجثث كانت مسجاة ووجهها نحو الأسفل.
كان أول الأشخاص الذين حققت معهم الشرطة هو «رونالد ديفو» الابن الذي ادعى أنه غادر المنزل في الساعة السادسة من صباح اليوم السابق لاكتشاف الجريمة، وأنه قضى نهاره في العمل بمعرض السيارات الذي يملکه والده، ثم توجه عصرا إلى شقة صديقته وأمضى معها بعض الوقت، وخلال اليوم قال رونالد: إنه اتصل بمنزل والديه عدة مرات من دون أن يرد أحد، لذلك شعر بالقلق فتوجه نحو المنزل عند الساعة السادسة مساء وقد طرق الباب عدة مرات لكن أحداً لم يرد عليه، لذلك تسلل إلى داخل المنزل عبر النافذة، وتوجه إلى غرفة والديه ليضم برؤية جثتيهما، فهرع مسرعا إلى البار ليطلب المساعدة، وعندما سألته الشرطة حول ما إذا كان يتهم شخصاً ما باقتراف الجريمة، ادعى «رونالد» بأنه يشك في رجل عصابات اسمه «لويس فليني» كان قد تشاجر معه سابقاً وهدده بتصفية جميع أفراد عائلته.
في اليومين اللاحقين لاكتشاف الجريمة أخذت الشرطة تحقق مع جيران وأصدقاء العائلة، وبدأت تتكشف بعض الحقائق المثيرة، لقد عرفت الشرطة بأن «رونالد ديفوه الأب كان رجلاً متسلطاً وسريع الغضب، وأن ابنه رونالد الصغير كان أسوأ منه في رداءة الطباع والأخلاق، وأن علاقة الأب والابن غالباً ما كانت تشوبها الكثير من المشاكل، وقد حدثت بينها الكثير من المشاجرات العنيفة.
ولكن رغم هذه العلاقة السيئة فإن «رونالد» الأب الذي كان ميسور الحال لم يكن يبخل على ابنه بالمال، كما عرفت الشرطة بأن رونالد الابن كان مدمناً على المخدرات، وقد وصفه بعض أصدقائه بأنه شخص عنيف وسريع الغضب، وأنه يتاجر أحيانا في بيع وشراء الأسلحة النارية.
هذه المعلومات حول رونالد الابن أثارت شكوك الشرطة حوله خاصة وأن التحقيق أظهر بجلاء بأن الشخص الذي نفذ الجريمة كان يعرف منزل عائلة ديفو جيداً، وأنه تنقل بين غرف الضحايا من دون أن يثير أي شكوك حوله.
ثم اكتشفت الشرطة شيئاً آخر زاد من شكوكها، فأثناء تفتيشها لغرفة رونالد الابن في منزل والديه وجد أحد المحققين صندوقين خشبيين من النوعية التي تعمل لحفظ المسدسات، كان أحد الصندوقين يعود لمسدس من عيار «كاليبر 35» وهي نفس ماركة السلاح الذي استعمل في تنفيذ الجريمة.
ثم أخيرا جاء تقرير تشريح جثث الضحايا ليحول شكوك الشرطة إلى اتهام، فقد ذكر التقرير بأن أفراد عائلة ديفو تم قتلهم بين الساعة الثانية والرابعة بعد منتصف الليلة التي سبقت اكتشاف جثثهم، أي أن رونالد الابن کان موجوداً في المنزل ساعة حدوث الجريمة؛ لأنه كان قد أخبر الشرطة بأنه غادر المنزل في الساعة السادسة من صباح ليلة الجريمة.
سرعان ما ألقت الشرطة القبض على «رونالد ديفو» الابن بتهمة قتل أفراد عائلته، في البداية أنكر جميع التهم الموجهة إليه، وادعى البراءة، لكن عندما حاصره رجال الشرطة بالأسئلة، وبعد أن واجهوه بالتناقض الكبير في أقواله، أخفی رونالد ديفو الابن رأسه بين يديه ثم أردف قائلا بيأس:
«لقد حدث كل شيء بسرعة، عندما بدأت لم أستطع التوقف، لقد حدث كل شيء بسرعة»
ثم اعترف للشرطة عن الكيفية التي نفذ بها جريمته، حيث زعم بأنه أطلق النار أولا على والده في مؤخرته، وعندما قام فزعاً وحاول مهاجمته عاجله بطلقة أخرى في رأسه، وأثناء ذلك استيقظت والدته وأخذت تصرخ وتتوسل، فعاجلها بطلقة في صدرها، ثم أردفها بأخرى في رأسها، ثم انتقل إلى غرفة شقيقيه فأطلق طلقة واحدة على رأس كل منهما!
وأخيرا ذهب إلى غرفة شقيقتيه وقتلهما بنفس الطريقة، ثم نزل إلى الطابق السفلي واستحم وبعدها ترك المنزل وأخذ معه ملابسه الملطخة بالدماء وسلاح الجريمة من أجل إخفائها.
في 14 تشرين الأول / أكتوبر عام 1975م. بدأت محاكمة «رونالد ديفو»، وقد حاول فريق الدفاع إقناع هيئة المحلفين بأنه يعاني من الجنون، وأنه اقترف جريمته بدون وعي وإدراك، وزعم رونالد أثناء شهادته في المحكمة بأنه اقترف جريمته تحت تأثير صوت شيطاني استحوذ على تفكيره، وكان يدوي في رأسه قائلاً:
«أقتل .. اقتل .. اقتل»، لكن حجة الجنون لم تقنع هيئة المحلفين الذين أجمعوا في قرارهم على أن «رونالد ديفو» الابن مذنب بقتل جميع أفراد عائلته، وقد حكم عليه القاضي بالسجن لمدة 150 عاما بواقع 25 عاماً لكل جريمة على حدة.
رغم إدانة «رونالد ديفو» وسجنه إلا أن أغلب الناس لم يكونوا مقتنعين بروايته حول طريقة قتله لأفراد عائلته، وكذلك كان هناك العديد من رجال الشرطة ممن نظروا بعين الشك نحو حيثيات القضية التي أدين بموجبها رونالد في المحكمة .
كانت المسألة المحيرة في نظر الكثيرين هي الكيفية التي استطاع رونالد ديفو بواسطتها من قتل ستة أشخاص بمفرده و باستعمال مسدس غير مزود بكاتم صوت، كيف لم يسمع أحد صوت الطلقات؟
كان المفروض أن يستيقظ بقية أفراد العائلة منذ الطلقة الأولى التي أطلقها رونالد نحو والده، وحتى على فرض أنهم لم يسمعوا الصوت في الغرف الأخرى، لكن كيف قام بقتل شقيقيه النائمين معاً في غرفة واحدة من دون أن يستيقظ أحدهما؟ ونفس الأمر بالنسبة لشقيقتيه.
العجيب بأنه لم تكن هناك آثار للمقاومة، وأن جميع الجثث كانت مسجاة ووجهها نحو الأسفل، هل يعقل أن أحدهم لم يرفع رأسه ليرى ماذا يجري، هل يعقل بأن لا يستيقظ أي أحد منهم على صوت مسدس يطلق داخل غرفته ؟
هذه الأسئلة جعلت الكثيرين يصون بأن «رونالد ديفو» الابن لم يقترف جريمته لوحده وأن هناك شخصاً أو أشخاصاً آخرين ساعدوه في تنفيذها، ومن الأمور الأخرى التي عجز العديد ممن اطلعوا على وقائع الجريمة عن فهمها: هي لماذا قام رونالد بقتل جميع أفراد أسرته.
الجميع كان يعلم بأن علاقة «رونالد ديفو» الابن بوالده كانت سيئة وأنها طالما تشاجرا معاً، لذلك لم يكن أمرا متبعاً بأن يقوم الابن بقتل أبيه، لكن لماذا قت أفراد العائلة ؟ ربما قتل والدته لأنها كانت في نفس الغرفة، لكن ما الذي دفعه لقتل أشقائه وشقيقاته ؟ هذا هو اللغز الذي بقي بدون جواب حتى اليوم.
خلال السنوات التالية لإدانته جرت عدة مقابلات صحفية مع «رونالد ديفو» في سجنه، وقد روى خلالها قصصاً وروایات متناقضة مما حدث، زعم في أحدها بأن والدته هي من أطلقت النار أولا على والده بسبب مشاجرة حدثت بينهما، وأنه قام تحت تأثير الغضب بقتلها وقتل بقية أفراد العائلة.
وفي رواية أخرى ادعى بأنه اقترف جريمته دفاعاً عن النفس لأن عائلته كانت تريد قتله، وفي مقابلة صحفية أجريت معه في الثمانينيات زعم رونالد بأنه اقترف الجريمة بمساعدة أخته «دوان» وصديقين لم يكشف عن اسميهما.
وفي روايته هذه زعم رونالد بأن علاقة «دوان» بوالدهم كانت سيئة لأنه كان يضيق عليها ويمنعها من الخروج مع صديقها، لذلك تحمست معه من أجل قتله، وأنه قام بمساعدة صديقيه بقتل والديه، وقامت «دوان» بدون علمه بقتل شقيقيه وشقيقته لكي لا يشهدا ضدهما فيما بعد، مما أثار غضبه وجعله يتشاجر معها في غرفتها، وقام بضربها بقوة فوقعت على فراشها مغشياً عليها، فقام بإطلاق النار على رأسها.
الغريب أن تقرير مختبر الأدلة الجنائية أثبت بشكل لا يقبل اللبس وجود آثار للبارود على الملابس التي كانت «دوان» ترتديها ليلة مقتلها، مما جعل بعض محققي الشرطة يرجحون صدق هذه الرواية، إلا أن اعترافات وإدانة رونالد في المحكمة أغلقت الباب أمام المزيد من التحقيقات في القضية.
غموض جريمة عائلة ديفو لم يتوقف عند أسرار ما حدث في ليلة ارتكاب الجريمة بل تعداها إلى منزل العائلة نفسه، فالعائلة التي اشترت المنزل في عام 1976م. اعتقدت بشدة بأنه مسكون بالجن، وأن أحداثاً وأموراً غريبة تجري داخله، ولم تلبث أن فرت منه وتركته خلال فترة لم تتجاوز الثمانية والعشرين يوماً، وهناك أشخاص آخرون اعتقدوا بأن المنزل مسكون بشبح أحد زعماء الهنود الحمر الذين مات ودفن بالقرب من البقعة التي يقوم عليها المنزل منذ زمن بعيد.
وهناك قصص وروايات أخرى زعمت بعضها وجود علاقة جنسية محرمة بين رونالد وشقيقته «دوان» وأنها قاما بقتل والديها بسبب اكتشافها لعلاقتها واعتراضهما الشديد على ذلك.
وقد ساهمت الكتب والأفلام السينمائية التي دارت حول جريمة «عائلة ديفو» في إضفاء المزيد من الغموض والخيال على القضية، لكن رغم جميع ما قيل ويب حول الجريمة يبدو أن أحدا باستثناء الله لن يعلم على وجه الدقة ماذا جرى في تلك الليلة المشؤومة .
وفيا يلي فيديو حقيقي عن الجريمة