التقصي الإلكتروني أو المراقبة الإلكترونية
يقصد بالتقصي الإلكتروني أو المراقبة الإلكترونية “ذلك العمل الذي يقوم به المراقب، باستخدام التقنية الإلكترونية، لجمع المعلومات عن المشتبه به، سواء أكان شخصا أم مكانة أم شيئا، وذلك لتحقيق غرض أمني .
فالمشتبه به الإلكتروني يمكن أن يكون شخصا، أو موقعة، أو بريدة إلكترونية مخالفة للقانون. وتشمل المراقبة الإلكترونية جميع تحركات المشتبه به عبر الإنترنت، بما في ذلك بريده الإلكتروني.
ويشترط في المراقبة الإلكترونية أن تكون مشروعة.
والغرض من هذه المشروعية هو تحقيق نوع من التوازن بين حق الأفراد في الخصوصية، وحق المجتمع في مكافحة الجريمة بوسائل فعالة حفاظاً على أمنه.
وعلى ذلك فيمكن لرجل الضابطة العدلية أن يقوم طبقاً للقانون بمراقبة أحد الهكرة أثناء اختراقه الحاسوب المجني عليه، أو أن يراقب أحد المواقع التي أعدت للاحتيال على الناس… الخ.
ومن الملاحظ أن معظم الدول أخذت بنظام المراقبة الإلكترونية ضمن شروط معينة، بهدف رصد الجرائم المستحدثة.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية، نظم قانون خصوصية الاتصالات الإلكترونية ECPA كيفية حصول أجهزة العدالة على المعلومات المخزنة في مختمات مزودي خدمة الإنترنت، فأعطى الحق لرجل الضبط القضائي في الحصول على المعلومات الأساسية للمشترك (كالاسم والعنوان وغيرها)، أو المعلومات المتعلقة ببريده الإلكتروني أو بريده الصوتي، بمجرد توجيه أمر من المحكمة إلى مزود خدمة الإنترنت تأمره فيه بالكشف عن محتويات الحساب .
أما الاتفاقية الأوربية حول الجريمة الافتراضية لعام 2001، فقد سمحت المادتان /20 / و /21/ منها بمراقبة حركة البيانات ومحتواها أثناء عملية التراسل (49).
وفي فرنسا، أصدر المشرع الفرنسي القانون المؤرخ في 2000/8/1 ، الذي عدل قانون حرية الاتصالات المؤرخ في 1986/9/30 ، حيث سمح بمقتضى هذا التعديل لمزودي الخدمات بمراقبة حركة أعضاء الإنترنت .
وفي هولندا، يجوز لقاضي التحقيق أن يأمر بالتنصت على شبكات الاتصالات الحاسوبية، إذا كانت هناك جرائم خطيرة ارتكبها المتهم .
و في سورية فقد سمحت الفقرة أمن المادة 26 من قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية بالتقصي الإلكتروني أو المراقبة الإلكترونية بشرط الحصول على إذن من السلطة القضائية المختصة، ويشمل مفهوم السلطة القضائية النيابة العامة وقضاء التحقيق والمحاكم الجزائية.
والسؤال المطروح هنا هو:
ما هي التقنية المستخدمة في المراقبة الإلكترونية؟
تعددت التقنيات المستخدمة في مجال المراقبة الإلكترونية، فهناك برامج مخصصة لفحص الرسائل الإلكترونية الصادرة والواردة، وبرامج تقوم باستعادة الرسائل التي تم إلغاؤها أو محوها، وأخرى تقوم بتعقب المواقع الإباحية، وغير ذلك من هذه البرمجيات. وسنتناول فيما يلي أبرز أنواع هذه البرمجيات:
1- تقنية برنامج “كارنيفور” للتنصت على البريد الإلكتروني:
طورت إدارة تكنولوجيا المعلومات التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، برنامج أطلق عليه اسم “كارنيفور”، حيث يقوم هذا البرنامج بتعقب وفحص رسائل البريد الإلكتروني الصادرة والواردة عبر المخدمات المستخدمة من قبل مزودي خدمة الإنترنت، إذا كان هناك اشتباه بأن هذه الرسائل تحمل معلومات عن جرائم أو حوادث جرمية.
فهذا البرنامج يقوم بفحص وتسجيل الرسائل التي تحتوي كلمات أو معلومات يشتبه في أن لها علاقة بالجرائم، ويتجاهل الرسائل الأخرى .
2- برامج استعادة الوثائق الإلكترونية الممحاة:
في عام 1988، أسس الأمريكي “جون جيسين” شركة تدعى “اكتشاف الأدلة أو القرائن الإلكترونية”.
وقد اتجهت هذه الشركة لتسهيل عملها في البحث والتحري نحو الوثائق الإلكترونية، باعتبار أن هذه الوثائق تترك وراءها أثرا لأ يمحى، ويمكن استعادتها مهما اجتهد الفاعل في محوها، وذلك على عكس الوثائق الورقية التي تتحول إلى مادة يصعب استرجاع المعلومات منها بعد حرقها أو تمزيقها.
وقد طورت هذه الشركة العديد من برامج البحث في ذاكرة الحاسوب عن الرسائل الممحاة والمعلومات المصاحبة لها، وهذه المعلومات تشمل الطريق الذي سلكته الرسالة والمرفقات التي أرسلت معها، وأجهزة الحاسوب التي مرت بها، فكأن هذا البرنامج يخرج الحي من الميت.
و من أشهر القضايا الذي اعتمدت على هذا الأسلوب، القضية التي رفعتها وزارة العدل الأمريكية وتسع عشرة ولاية ضد شركة مايكروسوفت، لمحاولتها احتكار أنظمة تصفح الإنترنت.
فبعد البحث في نظام البريد الإلكتروني العائد لهذه الشركة، تم اكتشاف رسائل إلكترونية تتعلق بمحاولة الإضرار بالمنافسين التجاريين، التي اعتقد أصحابها أنهم قاموا بمحوها.
ومن أشهر الرسائل الممحاة التي استخدمت في هذه القضية، الرسالة التي سأل فيها رئيس مايكروسوفت عدداً من كبار الموظفين في شركته عما إذا كان لديهم خطة تتعلق بما يمكن فعله من أجل إلحاق الضرر بالخصوم التجاريين .
3- برنامج مراقبة البريد الإلكتروني:
وهو برنامج صممه المبرمج الأمريكي ريتشارد إتوني”، حيث يقوم هذا البرنامج بسبر محتوى البريد الإلكتروني موضوع المراقبة، وقراءة الرسائل التي قام صاحبها بإتلافها، أو تلك التي لم يقم بتخزينها أصلا، ويمكن تحميل هذا البرنامج على أي جهاز حاسوب بهدف مراقبة بريده الإلكتروني.
وقد استخدمت المخابرات الأمريكية هذا البرنامج لكشف مشتبه به من الجنسية الروسية حاول اختراق بعض المواقع على شبكة الإنترنت .
4- برنامج تعقب المواقع الإباحية:
ويعرف هذا البرنامج باسم “نوید شرطة الإنترنت” وهو يقوم بالبحث عن الصور الجنسية المخلة بالأخلاق في أنظمة الحواسيب التي تعمل وفق برنامج تشغيل ويندوز بإصداراته الحديثة، ثم يقوم بتبليغ الهيئات الحكومية عنها، بهدف تطهير شبكة الإنترنت من هذه المواقع والصور .
ومن الأمثلة الشهيرة للمراقبة الإلكترونية، أنه تم الكشف عن العلاقة الغرامية بين الرئيس الأمريكي السابق “كلينتون” والآنسة “مونيكا لوينسكي”، عن طريق مراقبة البريد الإلكتروني لهما .