1-تكييف عقد الأمانة:
إن تكييف العقد يعتبر من عمل محكمة الموضوع التي عليها أن تبحث عن الإرادة المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، والمحكمة غير مقيدة بالوصف الذي يعطيه المتعاقدان الاتفاقهما، فالعبرة بالمقاصد و المعاني لا بالألفاظ والمباني.
فعندما تكشف المحكمة عن إرادة المتعاقدين فعليها أن تكيفها بعد ذلك التكييف القانوني الصحيح دون أن تتقيد بما يخلعه أطرافه عليه من وصف غير صحيح.
و المثال على ذلك أن عقد القرض ليس من العقود الائتمانية، فإذا أقرض شخص أخر مبلغا من المال، ولكي يضمن سداده اتفق مع المدين على تسمية العقد بالوديعة حتى يعاقب المدين إذا أخل بالتزامه، فإن هذا التكييف لا يقيد المحكمة التي لها أن تعتبر العقد قرضا، فلا تقوم تبعا لهذا جريمة إساءة الائتمان .
إذن فالمقترض لا يعد مسيئا للائتمان إذا امتنع عن رد المبلغ في الميعاد المحدد، ولو كان ثابتا في الاتفاق بينه وبين المقرض أنه يحوز المبلغ على سبيل الوديعة.
ولكن ألا يمكن اعتبار عقد القرض المخفي بعقد وديعة مشمولا بنص المادة 657؟
إذا عدنا إلى نص هذه المادة نلاحظ أنها نصت على كل من تصرف بمبلغ من المال أو بأشياء أخرى من المثليات سلمت إليه لعمل معين…”.
والعمل المعين هنا يتضمن الوكالة و المقاولة والنقل والخدمات المجانية، وبالتالي يستبعد من نطاق شمولها العقود التي لا تتضمن القيام بعمل معين كالوديعة.
لذلك نرى أن عقد القرض المخفي بعقد الوديعة يدخل ضمن نطاق المادة 656، باعتبارها تشمل الأشياء القيمية والمثلية في آن واحد، ومنها النقود.
وكي تقوم جريمة إساءة الائتمان في هذه الحالة يجب أن تسلم النقود على وجه الوديعة وليس على وجه التصرف.
فالتسليم في إساءة الائتمان يجب أن يكون للحيازة الناقصة وليس للحيازة التامة.
ومثالها أن يطلب شخص من أخر أن يودع لديه مبلغاً من المال لمدة معينة.
فعقد الوديعة لا يعطي للمؤتمن سلطة التصرف بالمال، فإذا تصرف به اعتبر مسيئاً اللائتمان. بينما في عقد الوديعة الذي يخفي عقد قرض، فهذا عقد القرض يعطي للمدين صلاحية التصرف بالمال وإعادة قيمته حين انتهاء أجل القرض، لأن التسليم فيه ينقل الحيازة التامة.
نخلص بالنتيجة إلى أنه إذا ثبت للمحكمة أن العقد ليس من عقود الأمانة، فلا تصح إدانة المدعى عليه بإساءة الائتمان ولو بناء على اعترافه الصريح بأن العقد وديعة متى كان ذلك مخالفا للحقيقة.
فعلى المحكمة في حالة القرض المستتر بوديعة أن تعطي الوصف الحقيقي للعقد في هذه الحالة باعتباره عقد قرض وليس عقد وديعة، واستبعاد شمول جرم إساءة الائتمان لهذه الفرضية. وبذلك استقر رأي الهيئة العامة لمحكمة النقض السورية بأنه يجب على المحكمة الناظرة بدعوى متعلقة بجرم إساءة الأمانة أن تتأكد من أن المدعى عليه قد استلم المبلغ على سبيل الأمانة فإن لم يستلم المبلغ على سبيل الأمانة وإنما استلمه کدين شخصي فإن الركن الأساسي لجرم إساءة الائتمان، وهو كتم الأمانة ،ينتفي، والمحكمة إذا لم تتنبه و تتأكد من هذه النواحي تكون مرتكبة للخطأ المهني الجسيم .
وتكييف العقد وإعطاءه الوصف الصحيح من قبل محكمة الموضوع يخضع لرقابة محكمة النقض التي يكون لها الرأي النهائي في ذلك.
2- استبدال عقد الائتمان:
للطرفين مطلق الحرية في استبدال عقد بأخر، فالعقود كما تنشأ بالتراضي تنتهي كذلك به.
فقد يتفق الطرفان على استبدال عقد الأمانة القائم بينهما بعقد أخر، فلا صعوبة في الأمر إذا استبدلاه بعقد أمانة أخر، كأن يكون العقد الأول إيجار فيحل محله عقد وديعة، لأن التصرف في المال محل العقد الجديد تقوم به جريمة إساءة الائتمان.
أما إذا استبدل عقد الأمانة بعقد غير ائتماني، کاستبدال عقد الإيجار بعقد البيع، فلا تقوم جريمة إساءة الائتمان عند التصرف بالمال، لأن عقد البيع ينقل الحيازة التامة وليس الناقصة.
بيد أنه كي ينتج العقد الجديد أثره في عدم وقوع الجريمة لا بد من توافر شرطين:
. أن يكون الاستبدال جدياً. .
أن يتم الاستبدال قبل وقوع الجريمة.