القصد المباشر والقصد الاحتمالي في القتل
يكون القصد مباشراً عندما يقصد الفاعل النتيجة ويعمل على تحقيقها. فعندما يكون إزهاق الروح متوقعا من الجاني كنتيجة حتمية ولازمة لفعله، نكون بصدد القصد المباشر.
وعلى هذا فمن يطلق النار على رأس خصمه لقتله، فيموت، يسأل عن قتل مقصود استنادا لقصده المباشر.
فهو أراد النتيجة وعمل لتحقيقها. أما القصد الاحتمالي فيكون عندما يقصد الفاعل نتيجة معينة ويعمل لتحقيقها، ولكنه يتوقع حصول نتیجة أخرى غير النتيجة التي أرادها، وان كان قدر احتمال وقوعها، فيرضى بها، ويتحمل المخاطرة، في سبيل تحقيق غرضه الأساسي .
فلو وضع الجاني السم في طعام خصمه بنية قتله، ولكنه توقع أن يأكل معه صديقه في ذلك اليوم فيموت، فلم يمنعه ذلك من المضي في نشاطه الإجرامي، راضيا بقتل الشخص الأخر، كنتيجة محتملة، قد تقع وقد لا تقع، في سبيل الوصول إلى قتل خصمه، كنتيجة لازمة وحتمية لفعله.
يلاحظ بهذا المثال أن الجاني قد توفر لديه قصد مباشر بالنسبة لخصمه، وقصد احتمالي بالنسبة للصديق.
والقصد الاحتمالي هنا بمثابة القصد المباشر، فيلاحق الفاعل عن قتل مقصود للخصم وللصديق إذا توفيا، وعن شروع في القتل إذا لم تتحقق النتيجة لظرف خارج عن إرادة الفاعل.
إذن الفرق بين القصد المباشر والقصد الاحتمالي هو أن الأول يفترض فيه توقع الفاعل حدوث النتيجة الجرمية على نحو يقيني كأثر أكيد ولازم لفعله.
أما الثاني فيفترض فيه علم الفاعل بحدوث النتيجة الجرمية على نحو احتمالي، فمن المتوقع أن تقع ومن المتوقع أن لا تقع، ومع ذلك يمضي الفاعل في مشروعه الإجرامي، راضية بتحمل المخاطرة .
وقد نصت المادة 188 من قانون العقوبات السوري على القصد الاحتمالي بقولها تعد الجريمة مقصودة وان تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقيل بالمخاطرة”.
من هذا النص نلاحظ أن المشرع السوري ألحق القصد الاحتمالي بالقصد المباشر وساوى بينهما في المسئولية والعقاب، مادام الفاعل في القصد الاحتمالي قد توقع النتيجة فقيل بالمخاطرة، أي قبل بالنتيجة.
إلا أن موقف المشرع السوري من القصد الاحتمالي يختلف في حالة إذا توقع الفاعل وقوع النتيجة الجرمية ولم يقبل بها، بل حسب أن بإمكانه تجنبها وتلافي وقوعها معتمدا على مهارته في تلافيها.
ففي هذه الحالة تخرج الواقعة، بنظر المشرع السوري، تماما من نطاق القصد الجرمي، وتدخل في نطاق الخطأ، فيسأل الفاعل عن جريمة غير مقصودة، لأن الفاعل لم يرضى بحصول النتيجة مقدما، ولم تتجه إليها إرادته.
وقد تناولت هذه الحالة المادة 190 من قانون العقوبات بقولها
“تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين، وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها، وسواء توقعها فحسب أن بإمكانه اجتنابها”.
والمثال النموذجي على ذلك يتمثل بقائد السيارة الذي يسرع في مكان مزدحم بالناس، فيتوقع أن يدهس أحدهم، إلا أنه لا يقبل بهذه النتيجة، وإنما يعتمد على مهارته في القيادة، ويعمل كل جهده في تلافي هذه النتيجة، ومع ذلك يدهس أحدهم ويموت لسوء تقديره.