على غرار الاحتيال، لم يعرف المشرع السوري إساءة الائتمان. ويمكننا تعريفها بأنها استيلاء شخص على مال منقول يحوزه بناء أحد عقود الائتمان بتحويل حيازته من ناقصة إلى تامة، أي من حائز لحساب المالك إلى مدع الملكية .
وجريمة إساءة الائتمان تفترض أن المال المنقول قد سلم إلى المدعى عليه تسليماً ناقلاً للحيازة الناقصة بناء على أحد العقود الائتمانية المحددة قانوناً بشكل حصري، وهي الوديعة و الوكالة والإجارة والعارية و الرهن والمقاولة والنقل وعقد الخدمات المجانية.
وتشترك هذه العقود في أنها تفترض ثقة المسلم بالمستلم. فحيازة المستلم للمال هي حيازة ناقصة، فعليه أن يستعمله في غرض معين أو يحفظه، ثم عليه أن يرده إلى صاحبه عينا أو يرد ما يماثله أحيانا، بيد أنه يستغل وجود المنقول في حيازته فيخون الثقة التي أودعت فيه بمقتضى العقد، ويتصرف بالمال تصرف المالك .
إساءة الائتمان والسرقة
تتفق إساءة الائتمان مع السرقة في ركن المحل والركن المعنوي.
فهما تقعان على حق الملكية، ومحل الجريمة فيهما هو المال المنقول، ويتوجب لقيامهما توفر نية التملك لدى الفاعل، أي اتجاه نيته للتصرف بالمال تصرف المالك.
والخلاف بينهما يظهر في الركن المادي.
فالسرقة تفترض أخذ مال الغير دون رضاه، في حين أنه في إساءة الائتمان يوجد الشيء في حيازة الفاعل برضا المجني عليه فهو الذي قام بتسليمه ماله بإرادته شريطة أن يرد إليه هذا المال فيما بعد.
ففي إساءة الائتمان تتحقق الجريمة بتغيير صفة الحيازة وتحويلها من حيازة ناقصة إلى حيازة تامة خلافا للسرقة التي تقتضي أخذ الحيازة نفسها .
إساءة الائتمان والاحتيال
تتفق إساءة الائتمان مع الاحتيال في ركن المحل والركن المعنوي أيضا.
فهما تقعان على حق الملكية، إلا أن محل الجريمة في إساءة الائتمان لا يكون إلا منقولاً، في حين أن المحل في الاحتيال قد يكون منقولاً أو عقاراً.
ويتوجب لقيامهما أيضاً توفر نية التملك، أي نية الظهور بمظهر المالك على المال.
والخلاف بينهما يظهر في الركن المادي، فبالرغم من ضرورة توافر تسليم المال بشكل رضائي من المجني عليه، إلا أن هذا الرضا في الاحتيال يكون معيبة بالخداع و الغش .
بينما يكون التسليم في إساءة الائتمان تنفيذا لعقد مدني من عقود الائتمان، وتتحقق الجريمة بفعل يكشف عن إرادة المدعى عليه تحويل حيازته من ناقصة إلى تامة.
النص القانوني لجرم اساءة الامانة
لقد خصص المشرع نصين لجريمة إساءة الائتمان هما المادتان 656 و 657 من قانون العقوبات.
أما نص المادة 656 فجاء كما يلي:
“كل من أقدم قصدأ على كتم أو اختلاس أو إتلاف أو تمزيق سند يتضمن تعهدا أو إبراء، أو أي شيء منقول آخر سلم إليه على وجه الوديعة أو الوكالة أو الإجارة أو على سبيل العارية أو الرهن، أو لإجراء عمل لقاء أجرة أو بدون أجرة شرط أن يعيده أو يقدمه أو يستعمله في أمر معين يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة تتراوح بين ربع قيمة الردود والعطل والضرر وبين نصفها على أن لا تنقص عن مائة ليرة “.
أما المادة 657 فقد نصت على أن
“كل من تصرف بمبلغ من المال أو بأشياء أخرى من المثليات سلمت إليه لعمل معين وهو يعلم أو كان يجب أن يعلم أنه لا يمكنه إعادة مثلها ولم يبرئ ذمته رغم الإنذار، يعاقب بالحبس حتى سنة وبالغرامة حتى ربع قيمة الردود والعطل والضرر على أن لا تنقص الغرامة عن مائة ليرة “.
والملاحظ من خلال هذين النصين دقة جريمة إساءة الائتمان وتعقيدها، لا سيما من خلال التصدي لها بنصين مستقلين. والتساؤل الذي يثار هنا، هل هناك علاقة بين نصي جريمة إساءة الائتمان، أم أن كل منهما يختص بجريمة مستقلة عن الأخرى؟
إن الإجابة عن هذا التساؤل تقتضي منا وضع الحدود الفاصلة بين الصورتين الواردتين في النصين المذكورين، ولا يمكن وضع هذه الحدود إلا عند التصدي لمحل الجريمة، كي يأتي الحديث ضمن السياق الطبيعي، لذلك سنؤجل الإجابة على هذا التساؤل لحين تحليل محل جريمة إساءة الائتمان.
عقوبة إساءة الامانة
تختلف العقوبة المقررة لجريمة إساءة الائتمان الواردة في المادة 656 عن تلك الواردة في المادة 657، فضلاً عن تشديد المشرع للعقوبة المقررة لإساءة الائتمان في المادة 658 من قانون العقوبات.
وباعتبار أن صورتها الجريمة الواردتان في المادتين السابقتين تجرمان إساءة الائتمان البسيطة بينما تجرم المادة 658 إساءة الائتمان المشددة. لذلك سنبحث أولا في العقوبة البسيطة ثم نتكلم عن العقوبة المشددة.
عقوبة إساءة الامانة البسيطة
لقد حدد المشرع للصورة العامة لإساءة الائتمان الواردة في المادة 656، التي تشمل الأشياء القيمية والمالية، عقوبة أشد من عقوبة الصورة الخاصة لإساءة الائتمان بالأشياء المثلية الواردة في المادة 657.
وعقوبة الصورة العامة هي الحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة تتراوح بين ربع قيمة الردود والعطل والضرر وبين نصفها على أن لا تنقص عن مئة ليرة.
أما عقوبة الصورة الخاصة فهي الحبس المتراوح بين العشرة أيام والسنة والغرامة حتى ربع قيمة الردود والعطل والضرر على أن لا تنقص عن مئة ليرة.
والملاحظ أن المشرع قد خرج في تحديد الغرامة عن أسلوبه المألوف في هذه العقوبة، وهو اعتماد الغرامة المحددة بين حدين، واعتمد الغرامة النسبية التي حددها استناداً إلى مقدار الضرر الناجم عن الفعل، على أن لا تقل في الحالتين عن مئة ليرة.
ويبدو أن علة التفريق في الشدة بين عقوبتي الصورة العامة والصورة الخاصة تتمثل في تقدير المشرع أن الضرر
عقوبة اساءة الأمانة المشددة:
تم بحثها في مقال مستقل اضغط هنا