قتل الوليد اتقاء للعار
قبل التصدي لهذه الحالة من حالات القتل المخفف، لابد من الإشارة إلى أن المشرع السوري، بالرغم من توفيرها حماية خاصة للطفل، باعتباره الطفولة ظرفاً مشدداً للعقاب، سواء كان الفاعل غريبا أو قريبة للطفل، فلقد ارتأى الاعتبارات إنسانية تخفيف عقاب القتل الواقع عليه، إذا كان وليداً غير شرعي، وكان الجاني هو الأم، وكان الدافع هو إخفاء العار.
وعلة التخفيف في هذه الحالة مردها الدافع على ارتكاب القتل وظروف ارتكابه.
فلا ريب أن الأم التي تقضي على مولودها التي حملت به نتيجة علاقة جنسية غير مشروعة ، تحت تأثير الاضطراب البدني والنفسي الناجم عن عملية الولادة، درءاً للفضيحة، وحياء من العار، و إنقاذاً لسمعتها من رد الفعل الذي سيثيره حملها غير المشروع، متجاهلة بذلك عاطفة الأمومة، لهي جديرة بالرأفة والشفقة.
نصت المادة 537 من قانون العقوبات على هذه الحالة في القتل كما يلي:
“1- تعاقب بالاعتقال المؤقت الوالدة التي تقدم، اتقاء للعار، على قتل وليدها الذي حبلت به سفاحا .
2- ولا تنقص العقوبة عن خمس سنوات إذا وقع القتل عمدا”.
بتحليل هذا النص نستطيع أن نستخلص أنه لا بد أن تتوفر في هذه الجريمة الأركان العامة لجريمة القتل البسيط، إضافة لبعض الأركان الخاصة بهذه الجريمة بالذات، والتي تتعلق بالمجني عليه، وبالجاني، وبالقصد الجرمي الخاص .
أولاً: المجني عليه:
يتطلب النص أن يكون المجني عليه وليدة غير شرعي، والوليد هو الطفل حديث الولادة.
كما يتطلب النص أن يكون الوليد حية عند الاعتداء عليه، بصرف النظر عن حالته الصحية، إذا ولد قابلا للحياة، أو مقدرا له الموت بعد فترة العلة فيه.
ولم يحدد النص مدة معينة من الزمن تستمر أثناءها صفة الوليد لصيقة بالطفل، بحيث إذا انقضت هذه المدة تزول عنه صفة الوليد ويصبح قتله كقتل أي حدث دون الخامسة عشرة من عمره.
في تطبيق النص على هذه الفترة الوجيزة فقط تكمن في أن علة التخفيف أصلا تعود، من جهة، إلى حالة النفاس المضطربة التي تعقب عملية الوضع. ومن جهة أخرى، إلى سعي الأم لإخفاء عملية الولادة قبل افتضاح أمرها بشيوع نبأ الولادة، الذي لا بد أن يحصل بعد مضي مدة من الزمن على الوضع، فتنتفي الحكمة من التخفيف في هذه الحالة إذا أقدمت الأم على قتل الطفل بعد شيوع خبر حملها وولادتها.
فكيف للأم أن تتقي العار بإخفاء الخبر بعد شيوعه بين الناس؟
ويشترط النص أيضا أن يكون الوليد غير شرعي، أي ثمرة علاقة جنسية غير مشروعة.
فهذا الوليد قد تحمل به أنثي عزباء أو متزوجة، أرملة أو مطلقة، أخطأت أو اغتصبت أو زنت، فأقدمت على قتله عند ولادته خوفاً من الفضيحة و العار الذي سيلحق بها إذا افتضح أمر حملها غير الشرعي هذا.
وعبارة “حبلت به سفاح” الواردة في النص لا تعني العلاقة الجنسية بين الأصول والفروع والأخوة والأخوات والأصهار بذات الدرجة، وهي الجريمة الواردة في المادة 476 من قانون العقوبات.
بل إن هذه العبارة تفهم من خلال معناها الواسع، أي العلاقة الجنسية غير المشروعة، وهي كل علاقة تحصل خارج إطار الرابطة الزوجية.
ثانياً: الجاني :
لقد حدد النص شخص الجاني الذي يستفيد من التخفيف بأنه الأم التي حبلت بوليدها سفاحاً.
أما إذا كان الوليد شرعية، أي نتيجة علاقة جنسية داخل إطار الزواج، وأقدمت أمه على قتله، فإن جريمتها يطبق عليها ظرف التشديد الوارد في المادة 535 وتعاقب بالإعدام.
فظرف التخفيف هنا هو ظرف شخصي خاص بالأم غير الشرعية، ولا يمتد ليشمل من يساهم معها في القتل، كفاعل أو شريك أو متدخل. فهؤلاء تبقى مسئوليتهم كاملة.
فإذا كان المساهم غریباً عن الطفل، كالطبيب أو القابلة أو الممرضة، فيطبق عليه ظرف التشديد الوارد في المادة 534 الخاص بالحدث دون الخامسة عشرة من عمره، وعقابه المؤبد.
أما إذا كان المساهم أصلاً للطفل، کوالده مثلا، فيطبق عليه ظرف التشديد الوارد في المادة 535 الخاص بقتل الفرع، وعقابه الإعدام، وان كان قد أقدم على فعله اتقاء للعار.
لأن ظرف التخفيف هو شخصي خاص بالأم غير الشرعية، ولأن علة التخفيف فيه لا تقتصر فقط على الدافع، وإنما تستند أيضا على حالة الاضطراب الفيزيولوجي والنفسي التي تصيب المرأة أثناء مرحلة النفاس.
وما من شك بأن ظرف التخفيف الشخصي هذا تستفيد منه الأم غير الشرعية أيا كانت طبيعة المساهمة التي قدمتها في قتل وليدها، سواء كانت فاعلة أو شريكة أو متدخلة أو محرضة.
ثالثاً: القصد الجرمي الخاص:
قلنا أنه لا بد أن يتوفر في هذه الجريمة الأركان العامة القتل البسيط، إضافة إلى أركانها الخاصة.
ومن الأركان العامة ضرورة توفر القصد الجرمي العام المتمثل بنية إزهاق روح إنسان حي. ولا بد لقيام هذه الجريمة، إضافة للقصد العام المتمثل بنية الأم إزهاق روح وليدها الذي حملت به نتيجة علاقة غير مشروعة، من توفر قصداً جرمیاً خاصاً يتمثل في الدافع الذي حدا بالأم إلى فعلتها ، وهو اتقاء الفضيحة أو العار.
وإذا غاب هذا القصد الخاص فلا يقوم ظرف التخفيف، بالتالي تصبح المسئولية كاملة عن قتل مشدد.
.فالأنثى التي حملت نتيجة علاقة غير مشروعة، ثم جاهرت بحملها، بحيث علم بمقتض القاعدة العامة الواردة في المادة 191 من قانون العقوبات فإن الدافع لا يعتبر عنصراً من عناصر التجريم، إلا في الأحوال التي نص عليها القانون، باشتراطه الدافع كقصد جرمي خاص لابد من توافره لقيام الجريمة وفق النموذج القانوني المطلوب، كما هو الحال في المادة 537 والمادة 538.
فعند غياب هذا الدافع تنتفي الجريمة وفق النموذج المطلوب، وتلاحق وفق نموذج أخر: فبغياب دافع اتقاء العار في المادة 537 ودافع الشفقة في المادة 538، تنتفي هذه الجرائم، وتلاحق كجرائم قتل بسيطة أو مشددة.
فاذا علم به القاصي والداني، لا تستطيع الاحتجاج بقصد اتقاء العار، إذا أقدمت على قتل وليدها.
كما أن الأنثى التي تمتهن الدعارة، لا يهمها عادة شرفها وسمعتها، فإذا حملت من أحد زبائنها أو من عشيقها، فهي لا تستفيد من الظرف المخفف، إذا أقدمت على قتل وليدها، لتخلف القصد الخاص لديها.
عند توفر القصد الجرمي العام والخاص، بالشكل السابق، فيكون عقاب الأم الاعتقال المؤقت من ثلاث إلى خمس عشرة سنة.
أما إذا توفر لدى الأم العمد، أي النية المبينة في قتل وليدها، فيرفع الحد الأدنى لذات العقوبة من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات اعتقال .