عرف بعض الفقهاء عقد المقاولة بأنه
(( عقد يقصد به أن يقوم شخص بعمل معين الحساب شخص أخر في مقابل أجر دون أن يخضع لأشرافه أو أدارته )).
وعرفته المادة / 864 من القانون المدني العراقي بأنه
(( عقد به يتعهد أحد الطرفين أن يصنع شيئا أو يؤدي عملا لقاء أجر يتعهد به الطرف الأخر )) ، وهو من العقود المسماة | التي نظمها المشرع العراقي بأحكام خاصة.
كما عرفه القانون المدني المصري في المادة / 646 بأنه
(( عقد يتعهد بمقتضاه أحد الطرفين أن يصنع شيئا أو يؤدي عملا لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الأخر )).
أما المشرع الفرنسي فأنه يعتبر عقد المقاولة نوع من أجارة الأعمال حيث يعرف المقاولة في المادة / ۱۷۱۰ من التقنين المدني
(( بأنه ذلك العقد الذي يتعهد فيه أحد الأطراف أن يقوم بعمل شيء لصالح الطرف الأخر نظير أجر متفق عليه بينهما )) .
هذا ويتصف عقد المقاولة بمجموعة من الخصائص وهي أن عقد المقاولة عقد رضائي ، وانه عقد ملزم للجانبين ، كما أنه من عقود المعاوضة ، أنه من العقود الواردة على العمل ، فضلا عن استقلالية المقاول في أداء العمل.
مما تقدم فإلى أي مدى يمكننا أسناد عقد الاستشارة القانونية إلى عقد المقاولة ، في ظل خصوصية عقد تقديم الاستشارة القانونية من حيث أطرافه والالتزامات لكل منهما والأداء المتميز المحل هذا العقد المتمثل بالاستشارة القانونية ،
فبعد بيان المقصود بعقد المقاولة واهم خصائصه ، سنقوم بعرض فكرة عند عقد تقديم الاستشارة القانونية ، كعقد المقاولة محاولين تقييم هذه الفكرة وذلك من خلال الفرعين الآتيين :
الفرع الأول : عرض فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد مقاولة
الفرع الثاني : تقويم فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد مقاولة
الفرع الأول
عرض فكرة عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد المقاولة
إن التطورات الحاصلة في مفهوم الأداءات التي يقوم بها المقاول قد تعدت الاطار التقليدي له ، باعتباره يقوم بأداءات مادية فقط ، إذ إنه ليس ثمة ما يمنع من أن المقاولات تعني ذلك النوع من الأداءات ، وأيضا الاداءات ذات الطابع الذهني ، فالمهن الحرة التي تندرج تحت مفهوم عقد المقاولة أصبحت تتميز بوجود الاداءات الذهنية.
وعليه فأن هذا المفهوم يتسع لاستيعاب عقد تقديم الاستشارة القانونية الذي نحن بصدده نظرة لاندماج هذه الأعمال الذهنية في موضوع البحث ،
هذا بالإضافة إلى أن المميزات التي يتميز بها عقد المقاولة تنطبق على عقد تقديم الاستشارة القانونية وتمثل دعائمه الأساسية ، وأياً كان الأمر فإن مما يدعم وجهة النظر هذه الحجج الأتية :
1 – إن عقد تقديم الاستشارة القانونية يرد كعقد المقاولة ، على الأعمال المادية ، فقيام المستشار القانوني بتقديم الاستشارة القانونية يعد عملا مادياً ، ينسب اليه من حيث أدائه لأنه يقوم به باسمه الشخصي وإن كان لمصلحة المستفيد ، وليس معنى أن يؤدي المستشار القانوني أعمال مادية ، أن تأتي خالية من الفكر بل أن ما يميز الأعمال التي يؤديها أصحاب المهن الحرة عموما والمستشار القانوني خصوصاً إن ناحية الفكر فيها متغلبة)،
وبالتالي لا يكون عمله هذا تصرفأ قانونية بل عملا مادية ، أضاف إلى ذلك أن طبيعة عقد المقاولة تسمح بتعدد الاداءات ذات الطابع الذهني وتنوعها بالإضافة إلى الأداءات المادية التقليدية.
۲ – الاستقلال التام للمستشار القانوني في إعداده للمشورة القانونية فهو يقوم بالعمل بأسمه الخاص مستقلا عن إدارة المستفيد وإشرافه ، ويختار الوسائل والطرق التي يراها مناسبة الإنجاز الاستشارة القانونية ، ولا يجوز للمستفيد أن يتدخل في طريقة تنفيذ المستشار القانوني العمله مادام عمله مطابقا لما هو متفق عليه في العقد ولما تفرضه عليه الأصول العلميةوالفنية لمهنته، ولعل هذا العنصر الأخير دفع البعض من الفقه للقول بأن غياب رابطة التبعية القانونية أمر من شأنه أن يسمح بأن يندرج عقد تقديم الاستشارة القانونية مع المستفيد تحت وصف عقد المقاولة .
3 – عقد تقديم الاستشارة القانونية هو معاوضة ، إذ يتقاضى المستشار القانوني اجرأ مقابل أعداد الاستشارة القانونية ، ويلجأ المتعاقدان في تحديد هذا الأجر إلى نفس الوسائل التي يلجأ اليها أطراف عقد المقاولة وخصوصا عن طريق الاعتماد على طبيعة الالتزامات التي تنشأ على عاتق الطرفين وعلى مقدار الوقت الذي يستغرقه تنفيذ هذه الالتزامات ، وعند عدم اتفاق الطرفين على مقدار الأجر يقوم القاضي بتحديد الأجر وفقا لما يقرره المشرع في النصوص الخاصة بعقد المقاولة.
4 – يلزم المستشار القانوني بتسليم الاستشارة القانونية المنجزة وهو التزام بتحقيق نتيجة ، اذا كانت الاستشارة القانونية ترد على حقائق ومسلمات لا مثار للخلاف بشأنها ومتفق عليها من قبل الفقه والقضاء ، وهذا عينه التزام المقاول بتحقيق النتيجة التي يريدها رب العمل ، وهو ما مستقر في عقد المقاولة لأن رب العمل يطلب عملا يتحتم إنجازه.
5 – إن عقد تقديم الاستشارة القانونية يقوم بالدرجة الأساس على الاعتبار الشخصي ، إذ أن شخصية المستشار القانوني تكون محل اعتبار عند أبرام العقد كما مر بنا سابقا . كذلك الحال مع عقد المقاولة ، إذ لا يجوز للمقاول أن يوكل تنفيذ العمل في جملته أو في جزء منه إلى مقاول أخر اذا كانت طبيعة العمل مما يفترض معه قصد الركون إلى كفايته الشخصية أو وجود شرط يقضي بذلك ، وكذلك تنتهي المقاولة بموت المقاول اذا كانت مؤهلاته الشخصية محل اعتبار في التعاقد ، وهذا عينه ما يترتب في عقد تقديم الاستشارة القانونية إذ ينتهي بموت المستشار القانوني ، والكفاية الشخصية للمستشار القانوني تعتمد على الخبرة والتخصص والكفاءة العلمية والمهارة في الأعداد للمشورة القانونية
. 6 – يتشابه عقد تقديم الاستشارة القانونية مع عقد المقاولة من حيث التنفيذ حيث يقوم المقاول بتنفيذ العمل المناط به على شكل مراحل متتابعة ويستحق أجرأ مستقلا عن كل مرحلة ينجزها
۷ – يلتزم المقاول بأبداء الاستشارة والنصيحة في شأن الاعتبارات الفنية والمهنية المتعلقة بعمله، وهذا هو عين التزام المستشار القانوني ، مما يمكن القول أننا بصدد عقد مقاولة).
۸- أن الرخص الممنوحة للرب العمل في أنهاء عقد المقاولة، هي نفس الرخصة الممنوحة للمستفيد في عقد تقديم الاستشارة القانونية.
ومما تقدم فقد اتجه غالبية الفقه تؤيده أحكام القضاء بالقول إلى أن عقد المستشار القانوني مع المستفيد هو عقد مقاولة) ووجد هذا الاتجاه صداه في العديد من القرارات القضائية للمحاكم الفرنسية والمصريةوالعراقية
الفرع الثاني
تقويم فكرة عد عقد تقديم الاستشارة القانونية عقد مقاولة
على الرغم من الحجج التي سيقت في الفرع السابق إلا أن تكييف عقد تقديم الاستشارة القانونية بأنه عقد مقاولة لم يسلم من سهام النقد ، وعلى ذلك فأننا نتناول هذه الانتقادات التي وجهت لهذا الرأي محاولين تقويمها قدر الإمكان :
1 – إن عقد المقاولة ينطوي على فكرة إنجاز عمل ، تستلزم أن يقوم المقاول بعمل مادي حتى وان كان العمل يرتكز على الجهد الفكري .
أما عقد تقديم الاستشارة القانونية فأنه يقوم على فكرة انتقال معلومات من شخص إلى آخر ، لا تستلزم جانبا مادية وبذلك يختلف الإنجاز عن الانتقال .
إلا أن رفض وصف الاداءات الذهنية بالعمل المادي لا يستند إلى أي سند قانوني ، فمادام الأداء الذهني لا يعتبر تصرفأ قانونية ، فأن المنطق يحتم وصفه بأنه عمل مادي ،
فأذا | امكن الفصل بين العمل المادي والتصرف القانوني في علاقة المستفيد بالمستشار القانوني فأنه تطبق أحكام الوكالة على التصرف القانوني ، وأحكام المقاولة على العمل المادي، وهذا ما نجده في عقد تقديم الاستشارة القانونية ، فالمستشار القانوني باعتباره من أصحاب المهن الحرة يقوم بأعمال مادية في مجموعها ، واذا تميزت بشيء فأنها تتميز بأن ناحية الفكر فيها متغلبة ، وهذا لا يمنع من أن تكون أعمالاً مادية وأن أصحابها يربطهم بالغير عقد مقاولة مثل المحامي الذي يقدم الاستشارة القانونية لعميلة خارج مجلس القضاء).
۲ – المقاول يعد مضاربة وهذه المضاربة قد تحقق له الخسارة تارة والربح تارة أخرى ، وهذا ما يجعله يكسب صفة التاجر) ، أذا كان محل المقاولة عملاً تجارياً ، وهذا لا يستقيم مع عمل المستشار القانوني الذي يمارس مهنة حرة وأرباب المهن الحرة لا يعدون تجارة وإنما يمارسون أعمال مدنية ، وهم يقدمون مهام ذهنية أو يدوية مقابل أتعاب يحصلون عليها ، ولكن تحقيق الربح ليس
هو الهدف الأول لديهم كما هو الحال بالنسبة للذين يزاولون الأعمال التجارية.
ويمكن الرد على هذا القول بأن المقاول لا يكتسب صفة التاجر لمجرد انه مقاول ، فالعقد بالنسبة للمقاول قد يكون مدنية ، وقد يكون تجارية على حسب طبيعة العمل الذي يؤديه فأذا كان العمل الذي يؤديه ذا طبيعة تجارية كان العقد تجارياً ، واذا كان العمل ذات طبيعة مدنية كان العقد مدنية ، ومن المقرر إن الأعمال الذهنية تعد أعمالا مدنية ، لان أعمال أصحاب المهن الحرة ومن ضمنهم المستشار القانوني ، لا تعد أعمال تجارية كما مر بنا سابقا .
3 – إن عقد تقديم الاستشارة القانونية يقوم بالدرجة الأساس على الاعتبار الشخصي إذ أن شخصية المستشار القانوني تكون محل اعتبار عند أبرام العقد ، أما عقد المقاولة فأن المقاول ينفذ العمل بنفسه أو عن طريق غيره مالم يوجد شرط يقضي بغير ذلك .
إلا أنه يرد على هذا القول انه لا يمنع من أن يكون عقد المقاول قائمة على الاعتبار الشخصي للمقاول كما هو حال عقد تقديم الاستشارة القانونية ، وليس أدل على ذلك من أن العديد من العقود القائمة على الاعتبار الشخصي لأحد المتعاقدين قد استقر الفقه القانوني على اعتبارها من قبيل عقود المقاولة ، كعقد المحامي والعقد الطبي ، بل إن القانون المدني العراقي نص على ذلك صراحة في عجز المادة /۱/۸۸۲
(( …….. أو لم تكن طبيعة العمل مما يفترض معه قصد الركون إلى كفايته الشخصية )).
4 – إن سمة الاستقلال في الأداء ليست صفة دائمة في عقد تقديم الاستشارة القانونية ، فالتطبيق العملي يظهر أن للمستفيد الأثر البالغ في توجيه المستشار القانوني أثناء قيامه بالعمل أو على الأقل في الأشراف عليه ، وكون العمل ذهنية لا يمنع حقيقة أن يكون هناك توجيه أو أشراف من قبل المستفيد على مراحل أعداد الاستشارة القانونية .
إلا أنه يرد على هذا القول أن عمل المستشار القانوني تبقى له ميزة الاستقلال حتى ولو كان المستفيد حريصة على التدخل في بعض المسائل ، وذلك لان التدخل يجب أن لا يفسر على أنه أشراف أو توجيه على عمل المستشار القانوني ، وإنما يفسر على انه التزام بالتعاون من قبل المستفيد من خلال الأعلام والمساهمة في تكوين الاستشارة ،
وحتى إن سلمنا جدلا أن هناك أشراف من قبل المستفيد على المستشار القانوني ، فأن هذا الإشراف يقتصر على الناحية التنظيمية دون الناحية الفنية.
5- يستطيع كل طرف في عقد تقديم الاستشارة القانونية أن ينهي العقد بإرادته المنفردة دون أن يلتزم بتعويض الطرف الأخر .
أما عقد المقاولة فهو عقد ملزم للجانبين ولا يستطيع احد طرفيه أنهاءه بإرادته المنفردة دون التحمل بالتزام يتمثل غالبة بالتعويض .
إلا أنه لا صحة لهذا القول ذلك لأن الفقه القانوني استقر على إن المستشار القانوني لا يستطيع ابتداء أنهاء عقد تقديم الاستشارة القانونية بإرادته المنفردة ، كما هو الحال بالنسبة لعقد المقاولة ، وأن المستفيد له أنهاء العقد بإرادته المنفردة ، ولكنه يلزم عندئذ بالتعويض .
6 – يلتزم المستشار القانوني ببذل عناية ، وهذا على العكس مما هو مستقر في عقد المقاولة الأن رب العمل يطلب عملا يتحتم إنجازه ، ويقع على عاتق المقاول تحقيق النتيجة التي پریدها رب العمل .
إلا أن هذا الرأي غير مسلم به، إذ ذهب جانب من الفقه إلى عد التزام المستشار القانوني ببذل عناية لا يتصل بمفهوم إنجاز العمل ، وإنما يقصد به من جانب التزامه بتحقيق ضمان السلامة الاقتصادية أو ما يسميه الفقه الحديث بضمان المطابقة الاقتصادية.
فضلا عن أن الاستشارة القانونية اذا كانت تنصب على مسائل خلافية وراعي المستشار القانوني في تنفيذها الأمور الفنية والقواعد المعمول فيها فأن التزامه هنا ألتزام ببذل عناية.
۷ – ما قيل بصدد أتحاد العقدين بعدة خصائص وهي ، كونهما من العقود الملزمة للجانبين وأنهما بعوض ، وأنها من العقود المحددة في الأصل ، فأنها لا تعدو أن تكون خصائص عامة تشترك فيها جميع العقود.
إلا أن هذه الخصائص ومع ما قيل سابقا من أوجه التقارب بين العقدين ، تعتبر من الخصائص المشتركة بين العقدين ، وبالتالي فهي مدعاة للتقارب بين العقدين.
بعد استعراض كل الآراء التي قيلت بشأن تكييف عقد تقديم الاستشارة القانونية ، فأننا نرى أن القواعد العامة في عقد المقاولة الواردة في القانون المدني العراقي رغم انطباقها في نصوص كثيرة تجعل من هذا العقد أقرب إلى فكرة عقد المقاولة ألا أنها قاصرة ولا تكفي التنظيم هذا العقد ،\ والأمر يحتاج إلى أحكام خاصة لمثل هذا العقد وذلك لسببين :
الأول : إن عقد تقديم الاستشارة القانونية يعتبر ذات أهمية كبيرة من حيث تعدد المجالات القانونية التي يتطرق لها فهذا العقد يرد على معلومات قانونية في مختلف فروع القانون كالقانون الدستوري والجنائي والإداري والمدني والتجاري ،
وما يصاحب هذه الفروع من موضوعات مختلفة تحكمها قواعد قانونية متنوعة تتطور مع تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ،
ونتساءل هنا هل يخضع كل ما سبق ذكره لذات القواعد المتعلقة بعقد المقاولة ، لا شك أن أداء الاستشارة يحتاج الى وقت ودقة سواء في مرحلة المفاوضات السابقة لأبرام هذا العقد أو في مرحلة تنفيذه.
الثاني : إن هناك العديد من الأضرار التي قد تصيب المستفيد والغير من الاستشارة القانونية أثناء تنفيذها ،
ويثار تساؤل حول ما اذا كان يشترط تطبيق أحكام الضمان هنا لذات الشروط الواردة في ضمان العيب في عقد المقاولة ، أذ لا بد من وجود التزام بضمان السلامة في مثل هذا العقد وذلك لخلو التشريعات المقارنة من أي نص يقيم التزامأ على عاتق المستشار القانوني بسلامة المستفيد والغير من أضرار الاستشارة القانونية.
وبعد البحث في التكييف القانوني لعقد تقديم الاستشارة القانونية وفي ضوء الملاحظات السابقة فأننا نرى أن هذا العقد يتمييز بخصوصية معينة تتمثل بأنه قائم على الاعتبار الشخصي ، وأنه مهني ، وأنه منشئ لالتزامات غير تقليدية على عاتق أطرافه ، وهذا دفعنا إلى القول إلى أن هذا العقد هو عقد ذو طبيعة خاصة تقوم على الذاتية والاستقلال عن غيره من العقود الأخرى ، وخاصة فيما يخص محل العقد والدور الذي يقوم به المستشار القانوني ، ولكل ما سبق نرى أهمية تنظيم عقد تقديم الاستشارة القانونية تنظيمة تشريعأ خاص .