أوجبت المادة 115 أحوال شخصية، رفع تقرير الحَكَمين إلى المحكمة، لكنها لم تحدد شروطاً معينة لبطلان التقرير؛ إلا أن محكمة النقض، قد عالجت الأمر باجتهادات متعددة، نستطيع باستقرائها أن نستنتج، أن الشروط الشكلية هي:
1 – يجب أن يكون تقرير التحكيم مكتوباُ كتابة :
فلا يكفي أن يتقدم الحكمان بتقريرهما إلى المحكمة شفاهاً، أو أن يكون على ضبط الجلسة، أو تذييلاً لضبط المجلس العائلي، ثم بعد ذلك لايهمّ إن كان مكتوباً بخط اليد، أو على الآلة الكاتبة، أو على الحاسب .
ويثور هنا سؤال، عما إذا كان يجوز أن يتقدم الحكمان بتقريرهما، بنموذج موحد مطبوع مسبقاً، ويكون دورهما، إملاء الفراغات والبيانات المتغيرة فيه، حسب واقع كل قضية: من أسماء وتواريخ ونتيجة …. إلى غير ماهنالك؟
والجواب: إن محكمة النقض، سبق أن منعت ذلك في بعض قرراتها، بالنسبة لأحكام المحاكم، ونرى أن هذا المنع لاينسحب على تقارير المحَكَمين، لأن التقرير ليس حُكْمَاً بالمعنى الدقيق، وعلى كلٍّ، ننصح أن يبتعد المحكمون عن هذه الطريقة، وجرى بعض السادة المحَكَمين – خاصة من المحامين – على طباعة تقرير التحكيم، على ورق المراسلات الخاص بهم، والمُعَنْوَن بأسمائهم، كالنموذج الذي يكتبون عليه مراسلاتهم ومذكراتهم؛ ونحن نفضّل الابتعاد عن هذا لأن في ذلك تميّز لأحد الحَكَمين وتهميش للآخر، وهذا لايليق، فكلاهما يتمتع بالمكانة ذاتها والمركز القانوني نفسه؛ ثم إن التقرير يصدر عن حَكَمين، وليس عن حكم واحد؛ أما لجهة عدد النسخ التي تقدم إلى المحكمة، فيُكتفى بنسخة واحدة، ولكن يفضل أن تكون ثلاثاً: للمحكمة نسخة، ولكل من الزوجين نسخة؛ فضلاً عن النسخة الخاصة بكل محكم، يحتفظ بها في أرشيفه الخاص .
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فقد اعتبر الاجتهاد تقرير التحكيم من الأسناد الرسمية : “تقرير الحَكَمين من الأسناد الرسمية، التي لايٌطعن بها إلا بادعاء التزوير”
والسند الرسمي لابد من أن يكون كتابياً، حسبما جاء في نص المادة 4 من قانون البينات
2 – يجب أن يكون التقرير موقعاً من الحَكَمين :
وهذا شرط لايختلف فيه اثنان؛ فلا بد لكل وثيقة من توقيع مَنْ نظمها، حتى تكتسب القوة القانونية المقررة لها، أما لجهة الختم، فليس من الضروري أن يقترن خاتم المحكم بتوقيعه 0
ونجد أحياناً، أن أحد الحَكَمين، يقدم التقرير بعد توقيعه منه، وبعد فترة يأتي المحكم
الثاني ليوقّعه بدوره، والى هنا لاشيء في ذلك، إنما لايجوز أن تعتمده المحكمة، أو يتلوه القاضي، ويضمه إلى الإضبارة أصولاً، إلا بعد توقيع كلا الحَكَمين عليه؛ إذ لايكتسب قوتهالقانونية، إلا بعد التوقيعين، ولا يكفي أحدهما لذلك، حتى لو تم استدراك لاحقاً 0
3 – أن يكون تقرير المحكمين مؤرخاً :
فلا بد لكل وثيقة من ذكر تاريخ تنظيمها، حتى يتمكن من له مصلحة، في الطعن بها، من أن يفعل؛ بالإضافة إلى أن ذكر التاريخ في التقرير، يبيّن ما إذا كان الحكمان قد تسرعا في التحكيم أم لا؛ ولايمكن الاكتفاء بتاريخ وروده أو تلاوته، أو ضمه إلى الإضبارة، لأنه ليس بالضرورة أن يكون التاريخان متزامنين، فكثيًراً ما يتراخى الكاتب في ضم التقرير إلى الملف، حتى يوم الجلسة المقررة للدعوى؛ ومن هنا، يتبين أن اتخاذ تاريخ ضم التقرير للملف أو تلاوته، ليس أمراً دقيقاً، ولايعكس التاريخ الصحيح .
4 – أن يتضمن التقرير ببذل الجهد في الإصلاح :
وكلمة بذل الجهد الواردة في المادة 114 من قانون الأحوال الشخصية، تدل على بذل أقصى مايستطيعه الحكمان من طاقة، في سبيل رأب صدع الأسرة، وهذا يقتضي تعدد الجلسات، والاستعانة بأقرباء الزوجين ومعارفهما إن كان ذلك يساعد على حصول الوفاق.
5 – أن يتضمن تصريح الحَكَمين بتقريرالتفريق بين الزوجين بطلقة بائنة :
وذلك في حالة عجزهما عن الإصلاح، لاستحالة استمرار الحياة الزوجية؛ وهذا ما أكدت عليه اجتهادات محكمة النقض، والتي منها: “إن خلو تقرير الحَكَمين، من النص في تقريرهما على التفريق، يفقد عنصراً قانونياً أساسياً يجعله باطلا”.
ويفضل أن يوردا عبارة بالإجماع؛ إلا أنه إذا لم يفعلا، فإن توقيعهما في ذيل التقرير، يغني عن ذلك
6 – تحديد الحَكَمين المسؤولية في التفريق، وانعكاسها على المهر:
أي مدى استحقاق الزوجة كامل المهر، أو حرمانها منه، جزءاً أو كلاً .
إلا أنه إذا خلا التقرير من ذكر الإساءة على مَنْ تقع ولكن تضمن مايفيد أن أكثر الإساءة على الزوجة، باعتباره أعفى الزوج من قسم من المهر – قليلٍ أو كثير – فإن التقرير يبقى صحيحاً ومنتجاً”.
جاء في اجتهاد محكمة النقض: “إن خلوتقرير الحَكَمين، من النص الصريح على التفريق بين الزوجين، لا يؤثر إذا قَبِلَ الطرفان بالتقرير، وطلبا الحكم بموجبه .
وإذا لم يقرر الحكمان التفريق، فلا يجوز للقاضي أن يحكم به – بالتفريق – من تلقاء
نفسه، لأنه – كما أرى – يكون قد حكم بزيادة عما تضمنه، وهذا لايجوز: ” ليس للقاضي أن ” يحكم بالتفريق، طالما أن الحَكَمين لم يقررا التفريق بين الزوجين
7 – يجب على الحَكَمين أن يعقدا مجالس متعددة قبل تقديم تقريرهما، وأن يضمّنا ذلك في التقرير، والأمر نفسه بالنسبة للإشارة إلى الوقوف على أصل الشقاق، وأسباب الخلاف :
“لايجوزأن يقتصر تقرير الحَكَمين على رأييهما في تحميل أي من الزوجين الإساءة، وإنما يجب أن يُشارفيه، إلى استيعاب الخلاف وبذل الجهد، وتقرير التفريق بين الطرفين بشكل جازم” كما يشيرا إلى أنهما بذلا الجهد الكافي للإصلاح بين الزوجين، تحت طائلة بطلان التقرير: “إن تقرير المحَكَمين المعتمد في التفريق، يكون غير قانوني، إذا لم ينصّ على أنهما بذلا جهودهما، من أجل الإصلاح بين الطرفين”
و “على المحَكَمين أن ينوها في تقريرهما بالاطلاع على أسباب الخلاف وبمساعيهما لإصلاح ذات البين وأنه بعد استحالة الصلح، تم اللجوء إلى التفريق
8– الإشارة إلى حلف اليمين وأن المجلس العائلي الأول قد عُقد بإشراف القاضي:
وتمّ فيه حلف اليمين، وبيان حضور الزوجين المجلس العائلي، وجلسات التحكيم، أو غياب أحدهما – حسب الحال – ويشار أيضاً إلى سعي الحَكَمين للاتصال بالطرف الغائب، وبيان ما إذا تم ذلك أو تعذّر.
جاء في اجتهاد لمحكمة النقض: “غياب أحد الزوجين عن المجلس العائلي، يوجب على الحَكَمين السعي للاتصال به، فإن لم يتمكنا من ذلك، أشارا في تقريرهما إلى ماقاما به، وإلا وجب عدم اعتماده “.
9 – يجب ألا يتضمن التقرير تجاوز الحَكَمين للمهمة المناطة بهما:
كما لو تطرقا إلى إراءة الأطفال، أو النفقة، أو أحقية الزوجة بالحجز الاحتياطي، أو غير ذلك، مما لايدخل في اختصاصهم .
10 – الإشارة إلى عوارض الدعوى :
أو مايمكن أن يُقدَّم من تصريحات من أحد الطرفين أو كليهما، وإرفاقها بالتقرير: كالإقرار بوقوع الطلاق دون مراجعة، أو الادعاء بأن المهر، خلاف ما هو وارد في صك الزواج – جزءاً أو كلاً – وصك المخالعة، أو المصالحة، أو التنازل، أوالتراجع – في حال حصول أي منها – أما الوثائق الأخرى، فلا ترفق مع التقرير، لأنها بمثابة التعليل، ومن هذه الوثائق: التقارير الطبية، أو الرسائل مثلاً بين أحد الزوجين وطرف آخر أجنبي، أو حتى رسائل بين الزوجين، تساهم في تكوين قناعة ما لدى المحَكَمين .
والجدير بالذكر، أن إغفال هذه الشروط أو بعضها في تقرير التحكيم، يجعله عرضة للنقض، وخاصة ماهو من قبيل البيانات الجوهرية .
وأخيراً، لايشترط أن يكون التقرير موحداً، وإنما يمكن لكل من الحَكَمين، أن يقدم تقريرهبصورة مستقلة، سواء كان التقريران يتضمنان النتيجة نفسها، أم كانا مختلفين في الرأي والنتيجة.
وقد نص اجتهاد محكمة النقض، على أن: “انفراد كل حكم بتقديم تقرير مستقل عن زميله، وعدم تقديم تقرير واحد مشترك من الحَكَمين، لايؤثر في صحة الإجراء ويبطله، مادامت التقارير مستوفية الشرائط الصحيحة .
التعليقات مغلقة.