إذا زال المانع عاد الممنوع
المانع في الاصطلاح ما توقف وجود غيره على زواله، وإن كثيراً من الأحكام تحول بعض الموانع دون نفاذها، وتعتبر موقوفة ما دام المانع قائماً، فإذا زال المانع عاد الحكم الممنوع إلى النفاذ.
من فروع هذه القاعدة:
لو أوصى لوارث ثم امتنع إرثه بمانع صحت الوصية، كما لو أوصى لأخيه ، ثم ولد له ابن ثم مات الموصي .
ومنها : لو شهد وهو صبي أو أعمى وقد تحملها بصيراً فردَّت، ثم بلغ الصبي أو أبصر الأعمى فشهد بها تقبل ، والأصل أن الشهادة إذا ردت لتهمة فزالت ثم شهد بها لا تقبل، وإن ردت لشبهة فزالت ثم شهد بها تقبل .
ومنها : لو تزوجت صاحبة حق الحضانة بغير مَحْرَم من الصغير المحضون ثم طلقت، فإنه يعود إليها حق الحضانة لزوال المانع .
ومنها: لو نشزت الزوجة ثم عادت إلى بيت زوجها، فإنها يعود إليها استحقاق النفقة لزوال المانع وهو النشوز .
ومنها: إذا وهب إنسان عيناً من آخر وسلّمها له، ثم أراد استردادها، كان له ذلك ما دامت العين قائمة بحالها – شرط أن لا يكون الموهوب له زوجاً للواهب أو ذا رحم منه ـ فإذا أدخل عليها الموهوب له زيادات متصلة امتنع على الواهب استردادها، كأن تكون أرضاً فيبني أو يغرس فيها، فإذا أزال الموهوب له ما أحدثه من تغيير رجع للواهب حقه في الاسترداد.
تنبيه :
في هذه المسائل لم يعد الحق بعد سقوطه على سبيل الاستثناء من القاعدة (الساقط لا يعود)؛ لأن الحق فيها لا يسقط حيث توجد مصلحة باستمراره وضرر بسقوطه، إنما يرد عليه مانع يمنعه.
كذلك التناقض مانع من سماع الدعوى، فإذا تناقض شخص في دعواه لا تسمع منه الدعوى الثانية، إلا أنه بتصديق الخصم أو بتكذيب إقراره بحكم الحاكم يزول التناقض وتصبح الدعوى الثانية مسموعة لزوال المانع، فلو ادعى أحد على آخر قائلاً : إن لمورثي المتوفى فلان مالاً في ذمتك، فادعى المدعى عليه بأنه قد أدى ذلك المبلغ لوصي المتوفى المنصوب لرعاية شؤون التركة، وأنكر المدعي والوصي وصول المبلغ، فأقام المدعى عليه البينة ودفع دعوى المدعي، فللمدعي أن يطالب الوصي بالمبلغ المذكور.
ومن ذلك أيضاً : لو ادعى الوصية فأنكرها الوارث : فأقام الموصى له البينة، فادعى الوارث الرجوع عن الوصية، تقبل دعواه، إذ لعل الموصي قد أوصى ولم يعلم الوارث بالوصية، ثم رجع الموصي ولم يعلم الموصى له بالرجوع.
ومنها: لو قال أنا لست وارث فلان ثم ادعى إرثه وبين الجهة تُسمع دعواه؛ لأن التناقض في النسب لا يمنع صحة دعواه . .
ومنها: لو قال: هذا الولد ليس مني، ثم قال : هو مني وصدقه الابن، صح إقراره وبالعكس؛ لكون النسب لا ينتفي بنفيه بل بعدم وجود الفراش، أما إن لم يصدقه الابن فلا يثبت النسب لأنه إقرار على الغير، لكن إن لم يصدقه الابن ثم صدقه تثبت البنوة؛ لأن إقرار الأب لم يبطل بعدم التصديق .
ومنها : إذا صدق الورثة الزوجة في الزوجية ودفعوا لها حصتها في الميراث، ثم ادعوا استرجاع الميراث بحكم الطلاق المانع منه، تسمع دعواهم لقيام العذر لهم في ذلك، حيث استصحبوا الحال في الزوجية وخفيت عليهم البينونة . .
ومنها: ادعى على ذوي رحم الميت أن مورثهم أوصى له بثلث المال وصدقوه جميعاً، ثم ادعى كل المال بحكم الوراثة ببنوته لعم المتوفى، وعجز عن إثبات النسب والوراثة فقال : إني عجزت عن إثبات الوراثة فأعطوني ثلث المال بحكم الوصية التي صدقتموني فيها ؟! فيسمع منه هذا لأن هذا القدر أي الثلث ليس فيه تناقضاً