مفهوم الأهلية وأقسامها
أولا – مفهوم الأهلية:
الأهلية في اللغة:
تأتي بمعنى الاستحقاق، قال تعالى:
( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الفتح: 26].
وتأتي بمعنى الاستئناس، يقال: تأهل، إذا تزوج، لأنه يستأنس بزوجه، ومن هنا سميت الزوجة أهلاً .
قال تعالى على لسان امرأة العزيز :
(وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [یوسف: 25].
وتأتي بمعنى الاستيطان، فيقال: فلان من أهل هذا البلد، أي من المستوطنين فيه .
والأهلية في الاصطلاح الشرعي :
(صفة في الإنسان تجعله صالحاً لأن تثبت له حقوق أو عليه، أو أن يخاطب بالتكليف) .
ثانيا – أقسام الأهلية:
تنقسم الأهلية إلى قسمين: أهلية وجوب، وأهلية أداء:
أ- أهلية الوجوب:
وهي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه .
ومناطها الحياة الإنسانية،، فإذا ما وجد الإنسان فإن هذه الأهلية تثبت له من غير نظر إلى سن أو عقل.
وأهلية الوجوب قسمان: أهلية وجوب ناقصة، وأهلية وجوب كاملة.
1- أهلية الوجوب الناقصة:
وتعني صلاحية الإنسان وهو في طور الاجتتان (الجنين) لثبوت بعض الحقوق له ؛ كالإرث، والوصية، والنسب ، والوقف عليه، مع عدم ثبوت عليه شيء من الالتزامات.
فالجنين منذ تأكد حياته في بطن أمه إلى حين ولادته حياً أهل لثبوت تلك الحقوق له، وليس أهلا لثبوت الحق عليه، فلا يصح أن يشتري له أبوه شيئاً.
2- أهلية الوجوب الكاملة:
وهي صلاحية الإنسان لثبوت الحقوق له وعليه، بحيث تطالب ذمته بالالتزامات المالية.
وهي تثبت للإنسان بمجرد ولادته حياً لصيرورته نفس مستقلة من كل وجه، فيصير بذلك أهلا للوجوب له وعليه، إذ تثبت له بقية الحقوق؛ كحق التملك والنفقة… إلخ.
وتترتب عليه الالتزامات المالية التي فيها معنى التعويض؛ كضمان قيمة المتلفات التي أتلفها لغيره، والالتزامات المالية نحو الغير مما ليس فيه معنى العقوبة ولا التعويض؛ كضمان أجرة العقار المستأجر له، أو ثمن المبيع المشترى له .
ب – أهلية الأداء:
عرفها الحنفية بأنها: «صلاحية الإنسان لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعأ»
وبمعنى آخر هي صفة يصبح بها الشخص أهلاً لأن يتصرف تصرفاً معتبراً شرعاً، تترتب عليه آثاره الشرعية، وتتعلق به الأحكام الشرعية؛ كالوجوب والندب والصحة والبطلان.
– وهذه الأهلية تبني على قدرتين:
الأولى: فهم خطاب المشرع: «وتكون بالعقل».
الثانية: القدرة على العمل بمقتضى الخطاب.
- وتنقسم أهلية الأداء إلى قسمين: أهلية الأداء الناقصة، و أهلية الأداء الكاملة.
1- أهلية الأداء الناقصة:
وهي تثبت لمن حصلت له إحدى هاتين القدرتين.
وهي صلاحية القاصر عن فهم الخطاب أو العمل به لصدور بعض التصرفات منه على وجه يعتد به شرعأ، دون تعلق الخطاب التكليفي والمؤاخذة به.
وهي تثبت للإنسان من سن التمييز إلى ما قبيل البلوغ.
والغالب أن يكون التمييز في السابعة من العمر، دل على ذلك قوله : {مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع }.
وهذا الأمر ليس للوجوب، وإنما هو للندب ليعتاد الصلاة، فإذا بلغ وصارت الصلاة وغيرها من العبادات واجبة عليه كان من السهل عليه الإتيان بها.
وتثبت للصبي المميز عند الحنفية أهلية الأداء الناقصة، وقد قسموا تصرفاته المالية وعقوده إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: تصرفات نافعة نفعا محضة.
وهذه التصرفات هي التي تؤدي إلى تملك الصغير للمال أو المنافع الأعيان دون مقابل أو عوض دنيوي .
ومثاله: قبول الهبة والهدية والوقف وقبضها، فهذه التصرفات تصح من المميز بدون إذن وليه، وعليه نصت مجلة الأحكام العدلية.
ولا يصح تصرف الصبي مطلقاً عند الشافعية .
القسم الثاني: التصرفات الضارة بالصغير ضرراً محضاً «في الدنيا»..
وهذه التصرفات هي التصرفات التي يترتب عليها خروج شيء من مال الصغير عن ملكه، أو ضياع الانتفاع به دون مقابل أو عوض دنيوي؛ كالتبرعات مثل الهبة، والصدقة، والقرض… إلخ.
فهذه التصرفات لا تصح من الصغير ولو أذن له ولية، بل لا يجوز للولي أن يأذن بها ؛ لأن تصرفات الولي منوطة بالمصلحة، وهذه التصرفات لا تصح من الصغير؛ لأنه ليس أهلا للتبرع، وفيها ضرر مالي يعود عليه.
القسم الثالث: التصرفات المترددة بين النفع والضرر:
وهذه التصرفات تكون في المعاوضات المالية التي تحتمل الربح والخسارة؛ كالبيع، والإجارة…الخ.
وحكم هذه التصرفات إن صدرت من المميز أنها تنعقد صحيحة، ولكنها موقوفة النفاذ على إجازة الولي، أو من يقوم مقامه؛ كالوصي، فإن أجازها وأذن بها نفذت والا بطلت.
وسبب انعقاد التصرف صحيحة من المميز في هذا القسم هو وجود أهلية الأداء عنده، وسبب عدم نفاذه كون أهلية الأداء ناقصة .
وينبغي التنبيه إلى أن المقصود بالضرر في القسمين الثاني والثالث هو الضرر المالي فقط دون النظر إلى مسألة الأجر والثواب، فالصدقة من مال الصغير المميز تعد ضررة محضة؛ لأنها تمليك بلا عوض مقابل، ولا ينظر إلى ما في هذه الصدقة من الأجر والثواب الذي يمكن أن يحصل عليه.
– أحكام تصرفات الصغير في قانون الأحوال الشخصية السوري
سمى قانون الأحوال الشخصية الصغير بالقاصر وفصل في أحكام تصرفاته عبر المواد الآتية:
المادة 162:
القاصر هو من لم يبلغ سن الرشد، وهو ثماني عشرة سنة كاملة.
المادة 164:
1- ليس للقاصر أن يتسلم أمواله قبل بلوغه سن الرشد.
2- للقاضي أن يأذن له بعد بلوغه الخامسة عشرة وسماع أقوال الوصي بتسلم جانب من هذه الأموال لإدارتها.
3- إذا رد القاضي طلب الإذن فلا يجوز له تجديده قبل مضي سنة من تاريخ قرار الرد.
المادة 165:
1- للقاصر المأذون مباشرة أعمال الإدارة وما يتفرع عنها، كبيع الحاصلات وشراء الأدوات.
2- لا يجوز له بغير موافقة القاضي مزاولة التجارة، ولا عقد الإجارة لمدة تزيد عن سنة، ولا أن يستوفي حقاً أو يوفي ديناً لا يتعلق بأعمال الإدارة.
3- لا يجوز له استهلاك شيء من صافي دخله إلا القدر اللازم لنفقته ونفقة من تلزمه نفقتهم قانوناً.
المادة 166:
يعتبر القاصر المأذون كامل الأهلية فيما أذن له به وفي التقاضي فيه.
المادة 167:
1- على المأذون له بالإدارة أن يقدم للقاضي حسابة سنوية.
2- يأخذ القاضي عند النظر في الحساب رأي الولي أو الوصي، وله أن يأمر بإيداع المتوفر من الدخل خزانة الحكومة أو مصرف يختاره.
3- ولا يجوز سحب شيء من الأموال المودعة بأمر القاضي إلا بإذن منه.
المادة 168:
اللقاضي عند اللزوم الحد من الإذن الممنوح للقاصر أو سلبه إياه، وذلك من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب مدير الأيتام أو أحد ذوي العلاقة.
المادة 169:
1- للقاصر متى بلغ الثالثة عشرة الحق في أن يتولى إدارة ماله الذي كسبه من عمله الخاص.
2- لا يكون القاصر ضامناً لديونه الناشئة عن هذه الإدارة إلا بقدر ذلك المال.
2- أهلية الأداء الكاملة:
وهي: صلاحية البالغ العاقل لصدور التصرفات منه على وجه يعتد به شرعاً، مع المؤاخذة إن قصر في أداء التصرفات الواجبة التي كلف بها بمقتضى خطاب المشرع.
فإذا بلغ الإنسان رشید صار أهلا لممارسة جميع التصرفات الشرعية، سواء المتعلقة بالالتزامات المالية – كالبيع والإجارة…إلخ التي تعد صحيحة نافذة منذ صدورها، ولا تتوقف على إجازة أحد إذا توافرت شروطها الشرعية والواجبات الدينية التي تجب عليه، ولا يجوز له تركها؛ كالصلاة…الخ.
وهذه الأهلية تؤهل الإنسان لممارسة كل التصرفات المشروعة، وتترتب عليها آثارها المعتبرة شرعاً، ويتوجه إليه التكليف بكل وجوهه. و تثبت للإنسان ببلوغه عاقلا راشداً.
والأصل في البلوغ أن يكون بعلامة طبيعية، وهي نزول المني لدى الذكر، والحيض لدى الأنثى لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
( رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل) .
وقوله : ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) .
والمراد بالحائض الأنثى التي من شأنها أن تحيض. والخمار: ما يغطى به الرأس.
وإذا لم تحدث هذه العلامة فإنه يحكم عليه بالبلوغ إذا بلغ سنة معينة، وهي عند الجمهور إذا أتم خمسة عشر عاماً، ذكرا كان أو أنثى، وعند أبي حنيفة: إذا أتمت الأنثى سبعة عشر عاماً، والذكر ثمانية عشر عاماً.
وبهذا أخذ قانون الأحوال الشخصية، فقد جاء في المادة(162):
“القاصر هو من لم يبلغ سن الرشد، وهو ثماني عشرة سنة كاملة”.
وأما الرشد: فقد اختلف العلماء في معناه:
فذهب الجمهور: إلى أن المراد به صلاح الإنسان في أمور المال فقط، وهو قول جمهور المفسرين، ومنهم ابن عباس.
. وذهب الشافعية: إلى أن الرشد يكون بصلاح المال والدين معاً، وهو قول بعض المفسرين وبعض الحنفية والمالكية.
والمقصود بصلاحه في المال أن يحسن التصرف فيه والمحافظة عليه فلا يبذره، ولا ينفقه فيما لا يحل من المحرمات، ولا يضيعه في المعاملات والعقود التي يغبن فيها غبن فاحشاً دائماً، وأضاف المالكية شرطة بأن يكون قادرة على تنمية المال وتثميره.
فإن يظهر منهم حسن التصرف بالمال والاستقامة في السلوك، تصح تصرفاتهم وتدفع إليه أموالهم،؛ لأن دفع المال إليهم بعد ثبوت رشدهم دليل على إذن المشرع لهم في التصرف عملاً بقوله تعالى:
(وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا) [النساء: 6].
وقد بين قانون الأحوال الشخصية السوري زمن دفع المال للقاصر في المادة 164:
1- ليس للقاصر أن يتسلم أمواله قبل بلوغه سن الرشد.
2- للقاضي أن يأذن له بعد بلوغه الخامسة عشرة وسماع أقوال الوصي بتسلم جانب من هذه الأموال لإدارتها.
3- إذا رد القاضي طلب الإذن فلا يجوز له تجديده قبل مضي سنة من تاريخ قرار الرد.
مفهوم عوارض الأهلية وأنواعها
العوارض جمع عارض، من عرض إذا ظهر، واعترض الشيء: صار عارضاً، كالخشبة المعترضة في النهر، يقال: اعترض الشيء دون الشيء، أي حال دونه.
و عوارض الأهلية: أحوال تطرأ للإنسان، فتنافي أهليته في الجملة، فتنقصها، أو تزيلها أحيان ؛ كالموت الذي يزيل أهلية الوجوب والأداء، والإغماء الذي يزيل أهلية الأداء، أو تغير بعض الأحكام مع بقاء أهلية الوجوب والأداء السفر والجهل.
أنواع العوارض :
تتأثر أهلية الأداء بعوارض عدة قسمها أكثر العلماء إلى عوارض سماوية، وعوارض مكتسبة، فالعوارض السماوية هي التي تثبت من قبل الله تعالى ولا إرادة للإنسان في وقوعها أو اختيارها، وهي إحدى عشرة؛ الجنون، والعته، والإغماء، والنوم، والمرض، والرق، والصغر، والحيض، والنفاس، والنسيان، والموت.
أما العوارض المكتسبة فهي التي تنشأ باختيار الإنسان وكسبه وعمل يده، وهي سبعة؛ السكر، والهزل، والجهل، والخطأ، والسفر، والإكراه، والسفه.
ويمكن تقسيم عوارض الأهلية إلى ثلاثة أنواع :
النوع الأول: عوارض تزيل الأهلية تماماً وهي:
1- الموت
2- الجنون
3 – النوم
4- الإغماء
5- السكر
النوع الثاني :
عوارض تنقص الأهلية ولا تزيلها وهي:
1- العته
2- الصغر مع التمييز
3- السّفه
النوع الثالث:عوارض لا تنقص الأهلية، ولكنها تغيير بعض الأحكام وهي:
1- الدين مع التفليس
2- مرض الموت
3- النسيان
4- الحيض والنفاس
5- الجهل
6- الهزل
7-الخطأ
8-الإكراه
9- السفر
العوارض التي تزيل الأهلية
أولا- الموت
يعد الموت أهم عوارض الأهلية، إذ إنه ينافي أهلية الوجوب والأداء ويهدمهما فلا يبقى في ذمة الميت شيء غير ما كان متعلق بأعيان قائمة؛ كالودائع والمغصوبات، أو متعلقا بمال ترکه؛ كالديون والوصايا، وحقه في التجهيز والتكفين .
ثانيا- الجنون
وهو اختلال يصيب العقل يمنع صاحبه من جريان أفعاله وأقواله على نهج طبيعي إلا نادراً، ويفقد معه الإدراك والتمييز بين الأمور الحسنة والقبيحة، وهو مسقط لأهلية الأداء، ولا تصح معه التصرفات والعقود لارتفاع خطاب التكليف عن المجنون وزوال أهليته، فلا يعتد بأقواله أو أفعاله، وتعد حينئذ تصرفاته باطلة؛ كتصرفات الصبي غير المميز .
والجنون تسقط به العبادات ، والتكاليف الشرعية ما دام قائماً.
ولا تسقط عن المجنون حقوق العباد؛ كالدية، وضمان المتلفات، لعدم زوال أهلية الوجوب القائمة على الذمة؛ إذ هي متعلقة بالحياة .
والجنون نوعان: ممتد (مطبق) وقاصر (متقطع)
أما الممتد فهو الجنون المتصل، سواء أكان أصلياً بأن جن منذ عهد الصغر، أم كان عارضاً بأن جن بعد البلوغ، وهذا الجنون يسقط التكاليف حال الامتداد.
وأما القاصر فهو الذي يغيب وقتاً ويحضر وقتاً، فعندما يعود إلى المجنون عقله تلزمه التكاليف الشرعية كالعاقل تماماً، وعندما يعود إليه جنونه فإنه يأخذ حكم المجنون الممتد جنونه .
ثالثا- النوم
وهو حالة طبيعية طارئة، يتوقف العقل والإدراك عن العمل أثناءها لمدة محدودة .
والنوم عارض يمنع فهم الخطاب، ولا يسقط أهلية الوجوب، ولكنه يقتضي تأخير مطالبة النائم بالأحكام حتى يستيقظ .
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم :(من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } .
والنائم يفقد أهلية الأداء مؤقتاً حال نومه، فلا يعتد بتصرفاته وعقود؛ كالبيع والشراء وغيرها مطلقة لو صدرت حال نومه، ولا يترتب عليها أي أثر .
ويكون للنائم وقت النوم من الأهلية والأحكام مثل ما للمجنون والصبي غير المميز.
رابعا- الإغماء
وهو حالة طارئة غير طبيعية تفقد الشخص عقله وإدراكه لمدة معينة.
والإغماء كالنوم من حيث الأثر الجسمي والحكم الشرعي، ولكن الخلاف بينهما أن النوم عارض غريزي فطري عادي متكرر، بخلاف الإغماء فهو عارض مرضي غير عادي.
وبناء على ذلك فإن أهلية الأداء تنعدم نهائية حال الإغماء، فلا تصح جميع أقواله وأفعاله وتصرفاته وعقود؛ فيما لو صدرت حال الإغماء، وتبقى أهلية الوجوب الكاملة فيتحمل أثر التصرفات المادية؛ كالضمان .
خامسا- السكر
السكر تعطل العقل وزواله بسبب تناول مادة مسكرة؛ كالخمر ونحوه.
والأصل زوال أهلية الأداء (التصرف) بزوال العقل، غير أن الفقهاء تفصيلاً في هذه المسألة، فقد فرقوا بين نوعين من أنواع السكر.
الأول: السكر بمباح:
أو بمعفو عنه؛ كمن شرب دواء مباح فسكر، أو سكر مكرها ومضطرا بأن غص في الطعام ولم يجد ماء، أو خطأ بأن شرب مسكرة ظنه ماء أو شرابة، فهذا السكر يعده الفقهاء مزيلاً لأهلية الأداء (التعاقد) فلا تصح التصرفات والعقود الصادرة عن السكران في هذه الحالة.
ويمكن أن يلحق به أيضاً السكر الناشئ عن تناول البنج في العمليات الجراحية وغيرها عند الحاجة.
الثاني: السكر بمحرم عمداً :
فإذا شرب مسكرة وهو يعلم أنه مسكر محرم، وكان شربه حال الاختيار عمداً، فهل تزول أهلية التصرف عنه؟
– ذهب المالكية والحنابلة وبعض الحنفية إلى زوال أهلية التصرف، وعدم صحة تصرفات السكران لزوال العقل، واستثنى المالكية والحنابلة الطلاق فقالوا بوقوعه من السكران المتعدي بسكره «أي من سكر بحرام». .
– وذهب الشافعية إلى زوال أهلية التصرف، ولكنهم قالوا بصحة تصرفاته وعقوده زجرا له.
– وذهب الحنفية إلى أن أهلية التصرف (الأداء) لا تزول عن السكران المتعدي بسكره «أي من سكر بحرام» فتصح جميع تصرفاته وعقوده.
ويمكن أن يقاس على مسألة السكر تناول ما يذهب العقل ؛ كالمخدرات والحشيشة التي اتفق العلماء على تحريمها.
فإن تعاطاها على وجه محرم فإنه ينبغي أن يجري فيه نفس الخلاف.فلا تصح تصرفاته عند المالكية والحنابلة، ويستثنى من ذلك الطلاق.وتصح تصرفاته وعقودير جميعا عند الحنفية والشافعية.
أما إذا تعاطاها على وجه مباح؛ كالبنج في العمليات الجراحية فينبغي القول بزوال أهلية التصرف، وعدم صحة جميع التصرفات والعقود الصادرة منه.
العوارض التي تنقص الأهلية
أولاً- الصغر مع التمييز:
وقد سبق الكلام عنه أثناء الحديث عن الأهلية.
ثانياً – العته:
عرفه الجرجاني بأنه “افة ناشئة عن الذات توجب خللاً في العقل، فيصير صاحبه مختلط العقل، فيشبه بعض كلامه كلام العقلاء وبعضه كلام المجانين، وكذا سائر أموره” (39).
وقيل : المعتوه من كان قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير، إلا أنه لا يضرب ولا يشتم كما يفعل المجنون .
أما حكم المعتوه من حيث أهلية التصرف ( الأداء) فهو كأهلية الصبي العاقل المميز، إذا كان المعتوه مميزاً، فيثبت له أهلية أداء ناقصة، تبيح له التصرف فيما هو نافع له نفعاً محضاً، وتصځ تصرفاته فيما هو متردد بين النفع والضرر إذا أذن له الولي، ولا تصح منه التصرفات الضارة ضررة محض؛ كالتبرعات، وقد سبق تفصيل ذلك عند بيان حكم التصرفات والعقود الصادرة عن الصبي المميز.
أما إذا كان المعتوه غیر مميز، وغلب على أمره، فذهب عقله، فإنه يعد مجنونة، وتأخذ تصرفاته حينئذ حكم تصرفات المجانين، فتكون باطلة.
وهذا التفريق بين المعتوه المميز وغير المميز ذكره بعض الحنفية، وهو تفريق حسن.
أما القانون فقد عد المعتوه كالمجنون في تصرفاته ولم يفرق بين ما إذا كان مميزا أم غير مميز، لذلك فإن جميع أحكام المجنون من حيث الحجر وصحة التصرفات وبطلانها تنطبق على المعتوه.
ثالثاً- السفة:
السفة في اللغة: يطلق بمعنى الخفة والحركة ، يقال سفهت الرياح الثوب إذا استخفته وحركته.
والسفه اصطلاحا: عرفه الجرجاني: بأنه” خقه تعرض للإنسان من الفرح والغضب، فيحمله على العمل بخلاف طور العقل وموجب الشرع”.
والسفه هو التصرف بالمال على غير وفق العقل والشرع، وذلك كالتبذير والإسراف في المباحات، أو التبذير والإسراف في الطاعات المالية.
والسفيه من يسيء في استعمال حقوقه، وينفق المال في غير موضعه على خلاف هدي العقل والشرع.
– حكم السفيه وهل يحجر عليه، والحجر بمعنى المنع من التصرفات القولية؟
الفقهاء في هذه المسألة قولان :
القول الأول: للإمام أبي حنيفة وهو: أن السفة لا يؤثر في الأهلية، فلا يحجر على السفيه إلا في حالة ما إذا بلغ سفيهة (السفة المرافق للبلوغ) فإنه يبقى الحجر مضروباً عليه، ولا يدفع إليه ماله حتى يبلغ سن الخامسة والعشرين، فيدفع إليه عندئذ ماله سواء أونس منه الرشد أم لم يؤنس. وقد آثر أبو حنيفة إهدار مالية الإنسان على إنسانيته.
القول الثاني: قول جمهور العلماء ومنهم الصاحبان من الحنفية، وهو الراجح في المذهب، قالوا: إن السفيه يحجر عليه، ويمنع من العقود والتصرفات سواء أكان السفه متصلاً بالصغر بأن بلغ سفيها أم كان طارئا بعد البلوغ والرشد.
. فإذا بلغ سفيها ولم يؤنس منه رشدة لا يدفع إليه ماله، وكذا إذا أصابه السفة بعد البلوغ والرشد فإنه يضرب عليه الحجر، فيمنع من العقود والتصرفات.
عوارض لا تنقص الأهلية، ولكن تؤثر في بعض الأحكام
أولاً – الدين المستغرق «مع التفليس»
إذا ثبت في ذمة الإنسان دين، وصار الدين أكثر مما يملك، فهذا يدل على خسارته وتفليسه، فهل يجوز الحجز عليه إذا طلب غرماؤه ذلك؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
فذهب أبو حنيفة إلى عدم جواز الحجر عليه، لأن الحجر لا يكون عنده إلا بستة أسباب : الصغير، والمجنون، والرقيق، والمفتي الماجن ، والطبيب الجاهل، والمكاري المفلس (17)، ومنع الثلاثة المذكورين أخيرة من مزاولة أعمالهم من باب رفع الضرر عن الناس أو دفعه.
( المجون في الأصل غلظ الوجه وقلة الحياء, والمقصود من يفتي بجهل, والمكاري المفلس من يكري إبلاً ونحوها وليس له إبل ولا مال ) .
قال أبو حنيفة: وللقاضي حبس المدين حتى يعلم ماله، فإن تبين أنه مفلس لا مال له خلى سبيله، لأن الحبس لا يشرع إلا للمماطلة، فإن وجد القاضي له مالاً أمره ببيعه، بيع تلجئة «أي اضطرار وإكراه» أو باعه عليه حتى يوفي دينه، ولا يبيع عقار، وإنما يبيغ ما سوى ذلك من الأعيان المالية مما زاد عن حاجته وحاجة أهله؛ كثيابه، ونحوها من الأعيان التي لا يحتاجها في الحال.
وذهب جمهور الفقهاء، ومنهم الصاحبان من الحنفية، (وقولهم هو المعتمد في المذهب) إلى أن القاضي يحجر على المدين المفلس، ويمنعه من التصرف، ولهم في ذلك تفصيلات:
. فقال الصاحبان: للقاضي أن يحجر عليه ويمنعه من التصرفات التي تضر بالغرماء؛ كالتبرعات «کالهبة والصدقة»، وكالبيع مع الغبن، فإن باع بغبين خير المشتري بين إزالة الغبن وبين الفسخ «كبيع المريض مرض الموت».
وقال المالكية: بأن تصرفاته قبل الحجر لا يصح منها ما كان بدون عوض؛ كالهبة ونحوها ، أما بعد الحجر فلا ينفذ شيء من أفعاله وتصرفاته بعوض وبغير عوض.
وقال الشافعية: إذا تصرف ببيع ونحوه فإنه يوقف، فإن كان فيما هو فاضل عن الدين ، والا فلا، وأجازوا له البيع والشراء في الذمة «السلم الذي هو بيع آجل بعاجل».
وقال الحنابلة: لا يصح بيعه ولا تبرعاته، ولا البيع في الذمة سلماً؛ لأن حق الغرماء يتعلق بماله لا بذمته .
ثانياً . مرض الموت
مرض الموت هو المرض الذي يغلب فيه الهلاك ويعجز الإنسان فيه عن القيام بواجباته و أعماله المعتادة، ويتصل بالموت، ويمتد سنة على وتيرة واحدة.
ومرض الموت لا تنقص به الأهلية لك، ولكن تتغير بعض الأحكام الناتجة عن أهلية الأداء،
وهذه بعض منها :
1- يصح تبرعه بأمواله بحدود الثلث استحساناً عند الحنفية؛ كالوصية، والهبة، والصدقة، والوقف، وما زاد على الثلث يوقف على إجازة الورثة.
2- يوقف بيع المحاباة، وهو المشتمل على غبن، وهذا مذهب الجمهور.
3- ترث من المريض مرض الموت زوجته المطلقة طلاق بائناً في مرض الموت إذا مات وهي في العدة.
ثالثا- النسيان:
النسيان لا يسقط أهلية الوجوب ولا الأداء، ولكنه يغير بعض الأحكام، فهو عذر في إسقاط الإثم عند الله تعالى ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه”
فالمرفوع هنا إثم المذكورات (الخطأ والنسيان والإكراه)، وهو عذر في العبادات بشرطين:
الأول : أن لا يكون هنالك مذكر للناسي ينبهه إلى ما هو فيه من العبادة.
والثاني: أن يكون هنالك داع للفعل الذي فعله ناسية؛ مثل أكل الصائم في رمضان فإنه عذر، أما أكل المصلي في الصلاة فليس بعذر.
ولا يعد النسيان عذر في المعاملات المالية
رابعا – الحيض والنفاس
الحيض هو الدم الذي يخرج من رحم المرأة في أيام من كل شهر غالب حسب عادتها .
والنفاس هو الدم الذي يخرج من رحم المرأة عقب الولادة والحيض والنفاس لا يسقطان أهلية الوجوب ولا الأداء، إلا أنهما يغيران بعض الأحكام، فالحيض والنفاس يسقطان الصلاة عن المرأة حال وجودهما ،ولا تطالب بقضائها بعد انتهائهما، ويؤخران الصوم عنها إلى ما بعد انتهائهما.
وهناك أحكام أخرى يمكن أن تتغير حال وجود الحيض والنفاس؛ كحرمة المعاشرة الزوجية، والصلاة، والصوم، والطواف بالكعبة، والمكث في المسجد، وقراءة القرآن .
خامسا – الجهل
المراد بالجهل هنا هو الجهل بالأحكام الشرعية، أو الوقائع التي يبني عليها التصرف، والجهل بالأحكام لا أثر له في الأهلية، ولكنه عارض يغير بعض الأحكام، فمن الجهل مالا يعد عذراً أصلاً للقاعدة الكلية (لاعبرة بالجهل في دار الإسلام).
وهناك حالات يعذر فيها الجاهل عذراً متفاوتاً، فالجهل الناشئ عن اجتهاد سائغ، هو عذر مقبول ويجوز القضاء بحسبه، والجهل الناشئ عن شبهة وخطأ؛ كمن وطئ أجنبية يظنها زوجته، فهذا عذر يسقط الحد، والجهل الناشئ عن عدم العلم بأحكام الشريعة الإسلامية في غير دار الإسلام، كمن كان جديد العهد بالإسلام – أو نشأ في موضع بعيد لا يوجد فيه علماء ينشرون الأحكام الشرعية – وفعل ما هو محرم من غير أن يعلم بحرمته، فهذا عذر مقبول لا يؤاخذ صاحبه بنتائجه
سادساً – الهزل :
وهو أن ينطق المكلف باللفظ، ولا يقصد به إيقاع معناه الحقيقي ولا المجازي.
و الهزل لا يعدم الأهلية ولا ينقصها، ولكنه يغير بعض أحكامها.
فإذا نطق الشخص بعبارة لا يريد بها إنشاء تصرف أو عقد، وإنما قصد الهزل والاستهزاء والعبث مستخدماً صورة العقد القولي وألفاظه، فهل يعتد بعبارته وينعقد العقد، أم أن الهزل يمنع انعقاد العقد.
اختلف العلماء في المسألة على قولين :
الأول: مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة في المشهور عندهم وأكثر المالكية حيث قالوا: إن الهزل يمنع انعقاد العقد في عقود المعاوضات المالية كالبيع، وكذا في العقود التي محلها المال كالهبة، والوديعة، والعارية.
ولا يترتب على عبارة الهازل فيها أي أثر لعدم تحقق الرضا أو القصد الذي تقوم عليه الإرادة العقدية. ويشترط عند الحنفية أن يذكر الهزل صريحة باللسان، أو أن يتواضعا ويتفقا على ذلك قبل العقد.
ويستثنى من ذلك عند الحنفية خمسة تصرفات هي: الزواج والطلاق، والرجعة، والإعتاق، واليمين، فلا يمنع صحتها أو انعقادها، فتصح هذه التصرفات الخمسة من الهازل، وتصح عبارته فيها وتترتب عليها آثارها الشرعية.
وسبب استثناء هذه الخمسة هو حديث : (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة) وفي رواية «العتاق» وفي رواية «اليمين» .
الثاني: مذهب الشافعية في الراجح عندهم حيث قالوا: إن عقود وتصرفات الهازل كلها تنعقد وتترتب عليها آثارها على الرغم من وجود الهزل، سواء أكانت العقود والتصرفات من المعاوضات المالية كالبيع والإجارة، وغير المالية؛ كالزواج والطلاق.
وذلك عملا بالإرادة الظاهرة لا بالقصير الداخلي، وحفاظا على مبدأ استقرار العقود والمعاملات، فلا يلتفت إلى دعوى الهزل.
سابعا – الإكراه :
هو حمل الغير على أمر يكرهه ولا يريد مباشرته بوسيلة مرهبة أو بتهديده بها.
والإكراه نوعان:
1- الإكراه الملجئ «التام»:
وهو الإكراه الذي يعدم الرضا ويفسد الاختيار ، ويكون بالتهديد بقتل أو قطع عضوه أو بإلحاق أذى شديد؛ كالضرب المبرح أو الحبس المديد، أو بإفشاء سر خطير، أو عمل مهين لذي جاه وغيرها من الوسائل الشديدة القوية على نفس المكره.
2- الإكراه غير الملجئ «الناقص»:
وهو الذي يعدم الرضا ولا يفسد الاختيار، ويكون بوسيلة خفيفة؛ كالتهديد بقيد أو حبس غير مديد «يوم واحد فقط» وكذا التهديد بضرب خفيف كلطمة.
شروط الإكراه: ذكر العلماء خمسة شروط لتحقق الإكراه هي:
1- أن يكون إكراهاً بغير حق مشروع، فلو كان الإكراه على حق مشروع؛ كإكراه القاضي المدين على بيع ماله لقضاء دينه، فالإكراه هنا لا يؤثر في صحة البيع.
2- أن يكون المكره قادرة على إيقاع ما هدد به، فإن لم يكن قادراً لم يكن إكراها مفسداً للتصرفات، والقادر على الإكراه إما أن يكون سلطان ونحوه أو أن يكون بالتسلط كاللص ونحوه.
3- أن يكون الإكراه بالتهديد بما يتضرر به المتكره تضرراً شديدة؛ كالقتل وإتلاف عضو والضرب الشديد.
- أن يغلب على ظن المكره وقوع أو نزول الوعيد به.
- أن يفعل المستكره التصرف المطلوب منه في حضرة المكره، فإن فعله في غيبته كان تصرفاً صحيحاً لزوال الإكراه «يعني لا أثر للإكراه هنا».
أثر الإكراه في العقود و التصرفات :
الإكراه لا يفقد الأهلية، ولكنه يغير بعض أحكامها، ويمكن بيان ذلك عبر المذاهب الفقهية، ففي هذه المسألة مذهبان:
المذهب الأول: مذهب الحنفية:
ذكر الحنفية أن الإكراه بنوعيه الملجئ وغير الملجئ لا ينافي الأهلية «بنوعيها: أهلية الوجوب وأهلية الأداء»، ولا ينقصها، ولكن أثر الإكراه يختلف عندهم باختلاف نوع التصرف أو العقد؛ ولذلك قسموا التصرفات إلى قسمين:
القسم الأول: تصرفات لا تقبل الفسخ بطبيعتها، ولا يشترط الرضا لصحة إنشائها، وهي ما عبروا عنها بقولهم: ما يستوي فيها الجد والهزل، وهي خمسة: النكاح، والعتاق، والطلاق، والنذر، واليمين.
فهذه التصرفات الخمسة لا يؤثر في صحتها الإكراه، فهي تصح مع الإكراه قياسا للإكراه فيها على الهزل بجامع عدم وجود القصد من المكره في كل منهما.
وقد ورد في الحديث عدم تأثير الهزل فيها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد « النكاح والطلاق والرجعة» وفي رواية : «النكاح والطلاق والعتاق».
القسم الثاني : التصرفات والعقود التي تقبل الفسخ ويشترط الرضا لإنشائها؛ كالبيع، والإجارة والرهن… إلخ، فقد ذهب أبو حنفية إلى أن الإكراه بنوعيه الملجئ وغير الملجئ يفسد هذه العقود والتصرفات؛ لأنه يعدم الرضا ويفسد الاختيار .
المذهب الثاني: مذهب الجمهور :
قالوا: الإكراه يفسد العقود والتصرفات كلها ويبطلها، سواء أكانت من العقود القابلة للفسخ؛ كالبيع والإجارة والهبة أم كانت من العقود والتصرفات غير القابلة للفسخ؛ كالزواج والطلاق. فكل عقد أو تصرف وقع بسبب الإكراه لا اعتبار ولا أثر له.
واستدلوا لذلك في الطلاق بحديث: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق»” وفسروا الإغلاق بالإكراه، فكأن المستكره أغلق عليه الباب ومنع من الخروج.
واستدلوا أيضا بحديث: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
فقد أخبر منطوق الحديث أن كل ما استكرهوا عليه عفو لا يؤاخذون به، لذلك فإن التصرفات الشرعية تكون مع الإكراه باطلة لا أثر لها .
ثامناً – الخطأ:
وهو أن يحصل التصرف من المكلف من غير أن يقصده أصلاَ.
والخطأ لا يتنافى مع الأهلية، ولكنه يعد عذراً في حقوق الله تعالی ؛کالعبادات، فيرفع الإثم ؛ كصائم تمضمض في الوضوء فدخل الماء إلى جوفه، فهو معذور عند الشافعية ولا يفسد صومه، أما عند الحنفية معذور في علم الإثم بينه وبين الله تعالى، وغير معذور في فساد صومه، فينبغي له القضاء.
أما في حقوق العباد فلا أثر للخطأ فيها مطلقا؛ كمن أتلف مالا لإنسان يظنه ماله، فإنه يضمنه.
تاسعاً – السفر:
السفر لايفقد الأهلية ولا ينقصها، ولكنه يغير بعض الأحكام، فيكون سبباً في تخفيف بعض الواجبات الدينية، حيث تقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، ويباح الإفطار الصائم المسافر في رمضان، ويمتد أجل المسح على الخفين من يوم وليلة للمقيم إلى ثلاثة أيام ولياليها للمسافر…الخ.